الهجرة ضحية للهرج

الهجرة ضحية للهرج

كاركاسون- المعطي قبال

     من الصعب تصور السياسة الفرنسية من دون ضجيج ولا صخب حيث يتضخم ويتكاثف لغط الهرج السياسي. آخر ضجيج هو الذي أثير من حول العباية ولا زالت تفاعلاته مستمرة برفض بعض العائلات خلع بناتهن لهذا اللباس. وسيتقاطع هذا السجال مع قانون الهجرة المزمع تقديمه أمام البرلمان خلال الأسابيع القادمة من لدن الحكومة الفرنسية.

   يقوم هذا القانون على التفرقة بين الأخيار والأشرار، وهي مقاييس أخلاقية دينية. الأخيار هم المهاجرون الذين يقيمون بفرنسا منذ سنوات ويكدون بلا حماية ولا ضمان اجتماعي. يشتغلون بصمت في المعامل، في أوراش البناء، والمطاعم… أي يديرون عجلة الاقتصاد برواتب زهيدة. لهؤلاء ستقرر الحكومة تسليم بطاقات إقامة لمدة عام. أما الأشرار فهم المهاجرون واللاجئون الذين يتاجرون في المخدرات، يمتهنون السرقة، الخ…هذه الشريحة لا محل لها في فرنسا وستعمل الحكومة حسب القانون الجديد على استئصالها وطردها خارج البلد.

   هذا التصور المانوي الذي يقوم على الخير والشر، لن يصمد أمام الواقع المعقد لمشكل المهاجرين واللاجئين الذي لم تجد له مختلف الحكومات المتعاقبة حلولا ناجعة وعملية. كان على فرنسا أن تحتدي بالنموذج الألماني الذي استقبل مليوني مهاجر، منحتهم ألمانيا بطائق إقامة وعرضت عليهم دورات تدريبية وتكوينية في قطاعات تحتاج إلى كفاءات عاملة. لكن فرنسا لا تزال أسيرة ماضيها الاستعماري والخطاب السياسي الذي تقدمه عن الهجرة ينهل بالأساس من هذا الماضي.

   أكيد أن الهجرة وهي من صنع فرنسا، التي استأصلت فلاحين وعاطلين من أراضيهم وأتت بهم إلى فرنسا، أصبحت الأم غير الشرعية لمتطرفي اليمين. في ظلها نمت وترعرعت الأحزاب العنصرية وبالأخص التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان التي أظهرت الاستفتاءات الأخيرة أنها في قمة ترتيب الشخصيات السياسية الفرنسية وأنها قد تحتل، حسب استفتاء معهد إيفوب، المرتبة الأولى في رئاسية 2027. وبما أن الشعبوية والعنصرية ومشاعر النبذ تتغدى أوروبيا من كراهية الأجنبي من المنتظر حسب تقريرين نشرا هذا الأسبوع بوصول أعداد هائلة من المهاجرين إلى أوروبا.

   في تحليها للوضع بين عامي 2023-2024 ، حذرت وكالة الحدود الأوروبية، فرونتيكس من «مخاطر عدم الاستقرار الجيو-سياسي في دول شمال وجنوب أوروبا التي ستشهد مدا للمهاجرين على نطاق واسع».

   في العام الماضي بلغ العبور غير الشرعي للحدود 332000 شخص أي بزيادة 66% مقارنة بالسنة الماضية. من جهتها أشارت الوكالة الأوروبية من أجل اللجوء أن هناك ارتفاع في نسبة المهاجرين الوافدين لأوروبا. وقد وصل عدد الأشخاص الذين تقدموا بطلب لحق اللجوء 519000 شخص. ويأتي السوريون على رأس قائمة الأشخاص طالبي حق اللجوء السياسي. من جهة أخرى تم رصد الجنسيات العشر التي تتأهب لاجتياز الحدود. يحتل حاملو الجنسية السورية المرتبة الأولى يليهم الأفغانيون أما المغاربة فيحتلون المرتبة العاشرة. هذه الأفواج من المهاجرين هي قنابل موقوتة في وجه الحكومات لكنها نعمة على الحركات العنصرية والأحزاب المتطرفة لأنها خزان أصوات يسمح لها بالتطلع إلى السلطة.

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".