لودريان .. خرج ولن يعد
محمود القيسي
“تعا ولا تجي وكذوب عليي
الكذبة مش خطية
وعدني أنو رح تجي
وتعا ولا تجي
ع عتاب البواب الأبر عمبتحيك
بتحيك تكاية وتحيك حكاية
والأبر مسنونة والعيون مسنونة
وياخوفي الحكي يجي..”
الجميع في بلاد العجائب والمصائب والمصالح والتحاصص يتعجبون دائما من مقطع الاغنية المتناقض: “تعا ولا تجي وكذوب عليّي.. الكذبة مش خطيّة.. وعدني أنّو رح تجي وتعا…. ولا تجي”!؟
كتب الأغنية “منصور الرحباني” وهي تتحدث عن أحد صديقاته “كاتيا” التي أحبت “عسكريًا” في الازمة المعروفة بلبنان عام “1958” أو “ثورة 58”.. وقد قِيلَ أنهُ “توفي” والبعض قال بأن “قدمهُ قطعت” ولم يعد للبلدة بسبب قدمه المقطوعة.. أو التي أنقطعت أو قطعت عن لبنان.
وأمَا الخبر الذي شاعَ في البلدة أكثر بأنه “خائن” ومطلوب للحكومة اللبنانية.. وقد روت العاشقة “كاتيا” القصة كاملة لمنصور حيثُ حاولت أن تصدق بأنه “خائن” فهي أقلُ قصة تحملُ الضرر إلى علاقتهما.. ولكنها لم تنساه أبدا.. وكانت تتخيلهُ في كل الأيام.. فحاول “منصور” التعبير عن القصة بالكلمات هذه.. تعا ولا تجي وكذوب علي الكذبة مش خطية..
والمعنى بأنها لا تعرف القصة الحقيقية عن أنقطاع قدمه عن البلدة وعنها.. لذلك تمنت ان يكون “عايش” ولو كذب ويقلها “جاي” بالطريقة اللبنانية.. ولا يجي لأن بوقتها بكون مطلوب.. بس “يكذب” المهم يخبرها بأنه عايش! حتى نهاية الغنية التي تقول: ع عتاب البواب الأبر عمبتحيّك.. بتحييك تكّاية.. وتحيّك حكاية..
كما وصف منصور كيف كانت الناس ما عندها شي بالحرب غير تشتغل صوف و “تألف قصص” وتشتغل بحالها.. ويقال بأن في أحد حفلات “فيروز” كانت “كاتيا” بين الحضور .. وعندما غنت فيروز الأغنية.. بكت “كاتيا” حتى نزلت فيروز إليها وعانقتها وقدمت لها التعازي على صديقها الذي خرج ولم يعد.
صولات وجولات موفد الرئيس الفرنسي وزير الخارجية الفرنسي السابق جان ايف لودريان للبنان على القيادات اللبنانية المتمترسة خلف (أكياس مصالحها الموضوعية) والمتموضعة في خنادق (حساباتها الذاتية) والمعطلة (لانتخاب رئيس للجمهورية) بدون حوار ولا أفق، علماً انّ مروحة الافرقاء المؤيّدين لمبادرة الرئيس نبيه بري بالدعوة الى الحوار ازدادت توسعاً في العلن.. ولكنها انحسرت أخر في سرها.. كما تعود إن يضمر، او يكذب معظم الساسة اللبنانيين .
لقد غاب عن بال لودريان ان ملعب المصالح السياسية اللبنانية لم يعد يتسع للاعب احتياط إضافي.. كما غاب عن بال الدبلوماسية الفرنسية تاريخيًا إن الملعب السياسي اللبناني لم يعد “فرانكوفوني” منذ سنوات طويلة.. فهل سيستطيع هذا البلد الصغير مواجهة (الزحف الأنغلوفوني المتسارع) بأمواجه العاتية عليه؟ سؤال يبدو فعلًا في عين العاصفة، وتحت أقدام وركلات اللاعبيين الرئيسيين الجدد.. اللاعبيين الذين يمتلكون الأرض في المفهوم الكولونيالي الحديث.. ومفهوم الإمبريالية في أعلى وأخطر مراحلها الوجودية.
نعم مسيو لودريان، لاعبيين مصنفين درجة أولى، أو صف أول يتقنون التعاطي مع القضايا والطلبات العالقة بإذن أو دون إذن يذكر.. لاعبي التسويات القادمة الذين يتقنون تسديد الضربات الحاسمة.. وتسديد الضربات القاضية في الملاعب الرسمية والملاعب الغير رسمية. ويبدو أن “الميثاق اللغوي” الفرنسي الذي أوجدته تاريخيًا دولة المحور الفرنكوفوني الجذري: فرنسا، اصبح في لبنان مجرد حبر على ورق وتوقيع ميشال سليمان ايضا.. ودريان نفسه يعلم إنه أصبح مجرد لاعب حبر على ورق.. أو مجرد لاعب من ورق!
“لا يمكن وصف زيارة لودريان بأكثر من “جولة علاقات عامة”، أو جولة مشاورات وتشاور باللغة الديبلوماسية.. ومجرد “طق حنك” باللغة السياسية اللبنانية.. حيث لا خطة فرنسية واضحة المعالم حتى الآن ولا يحزنون. كما كرر الموفد الفرنسي انه يتحرك بتأييد من اللجنة الخماسية. وأوحى بمعادلة انّ الفرصة للمرشحين الحاليين أصبحت صعبة، وسأل عن امكانية البحث عن خيار ثالث دون ان يسمع جواب. وتبين انه تكلم مع كل فريق سياسي بما يحلو له أن يسمع دون ان يأخذ في الاعتبار مركزية الحوار ونقطة التقاطع المركزية.
وذكرت مصادر لبنانية إن لودريان أوحى بأن “انتخاب رئيس للجمهورية ليس قريبًا”، كما حاول لودريان إفهام المعنيين بأن “الأمور عادت إلى النقطة – صفر”، لافتًا إلى “ضرورة البحث عن مرشحين توافقيين، حيث لا إمكانية لوصول أيٍّ من “الأسماء المطروحة”. ودعا المسؤولين الرسميين المعنيين للذهاب الى الحوار قائلًا: إذا “كانت كلمة حوار مستفزة للبعض، فاعتبروه لقاء تشاورياً” مما أخذ الأمور ونتائج الزيارة التي جاءت قبل توقيتها (…) إلى تحت النقطة – صفر بعدة درجات مئوية.
أما السفير السعودي الدكتور وليد البخاري فأشار إلى أن “وجهة النظر السعودية هي التي أثبتت واقعيتها، لأن المملكة تملك خبرة كبيرة في الملف اللبناني”، لافتًا إلى “أننا منذ البداية طالبنا برئيس على مسافة واحدة من الجميع ويرضي الجميع”، مشددًا على “تطابق وجهتَي النظر السعودية والفرنسية تحت سقف موقف الخماسية”.
. الحق أو الحقيقي أو حتى، الفيلسوف التراجيدي فهو، وبحسب المنظور النيتشوي، إنسان وجد من اجل المستقبل بل وما بعد المستقبل، الفيلسوف صانع قيم الغد وما بعد الغد، يخرج من بين ركام الفضائل البالية والمعتادة ليخلق فضائل جديدة، وقيمًا جديدة، ومعان جديدة، وأفكارًا جديدة يخلق بها عصرًا جديدًا ينشده الإنسان الذي لا يمل من الدخول في معترك العصر، ذلك العصر الذي تتطلع إليه الإنسانية، العصر الذي يقوده الفيلسوف الحق بشجاعة إنسان معد لأن يكون خلاقاً .