الإعلام في عصر الأزمات
د.زياد منصور
الاتصال والتواصل وسيلة لنقل المعلومات والأفكار والانطباعات والمشاهدات باستخدام وسائل اتصالية، وبالاعتماد على والكلام والرموز، والحركات، والايماءات، عبر الوسائل المختلفة بهدف الاقناع، والتأثير على العقل، والايحاء بأفكار واتجاهات، وإظهار مقاصد من يقوم بعملية النقل.
والهدف هو التأثير الإعلامي واستمرار عرض الأفكار وأخبار جديدة تدفع بالفرد لتبنيها، وبالتالي تؤدي إلى تغيير موقفه وسلوكه، ونظرته ، حيث يتم هذا التغيير من خلال اكتناه نوعية المشاهدين والقراء الأفراد كما الجماعات، من خلال التأثير على التركيبة الشخصية، والحالة النفسية، والبيئة الاجتماعية، وتوصيل الرسالة بعد دراسة نوعها ومضمونها، وتقصي سياسة عرضها، حيث تجري هذه العملية على مرحلتين، الأولى من خلال بث محتوى قد لا يجذب المشاهد ولا يثير اهتمامه، أو نقل هذا المحتوى بطريقة لافتة، ومثيرة ومقنعة، والانتباه إلى ما لم ننتبه إليه من وسيلة أخرى بما يجعلنا نتأثر بالمضمون.
وسائل الإعلام تستخدم تأثيرها لأحداث التأثير التراكمي الطويل الأمد من خلال التركيز على قضية ما، واستمرار نشرها وتكرارها، وإثارة اهتمام الناس بها، وتشكيل فهم مشترك وعام لها، حينها تتولد التغييرات وتتولد معتقدات ومفاهيم جديدة، وتعمم على مستوى المجتمع ككل. وهذا التأثير لا يأتي عفويًّا ولا يأتي على شكل واحد او اسلوب واحد، لذلك تجري دراسات ترصد طرق التأثر وأنماطه وتصنِّفها.
نظريات التأثير
ومن أبرز نظريات التأثير، (نظرية الحقنة) أو (نظرية الرصاصة). فالإنسان الذي يتعرض لأية وسيلة إعلامية، سواء كانت جريدة او إذاعة أو تلفزيون، يتأثر بمضمونها مباشرة وخلال فترة قصيره. أمَّا النظرية الثانية هي نظرية التأثير على المدى الطويل أو التأثير التراكمي تظهر آثاره من خلال عملية تراكمية ممتدة زمنيًا، تقوم على تغيير المواقف والمعتقدات، والقناعات، وليس على التغيير المباشر والاني لسلوك الافراد.
وهناك نظرية التطعيم والتلقيح، وهذه النظرية هي من وجه اخر شبيهة بمفهوم التأثر على المدى الطويل، لأن التعرض المتواصل لبعض ما تبثه وسائل الاعلام يولد نوعًا من التبلد وعدم الإحساس او ما سميناه (الحصانة) في حالة التطعيم ضد المرض، كذلك فان الجرعات المتتالية من المفاهيم والقيم التي نتلقاها من وسائل الاعلام تشبه الامصال التي نحقن بها لكي تقل، ان لم تنعدم، قدرة الجراثيم على التأثير في اجسامنا.
كذلك هناك نظرية حارس البوابة، حيث أن رجل الإعلام او (حارس البوابة) من خلال هذا الدور يحدد للجمهور ما يجب ان يقرأه او يشاهده. وكذا نظرية تحديد الأولويات فحينما تنشر وسائل الإعلام رسائل إعلامية معينة، فإنها توحي للمشاهد أو للقارئ أنه لا شيء يستحق الاهتمام في هذه الدنيا أكثر مما يقرأ ويرى.
وهناك أخيرًا نظريات الإشباع والاستخدامات، حيث بناء على هذه النظرية ليست وسائل الإعلام هي التي تحدد للجمهور نوع الرسائل الإعلامية التي يتلقاها، بل إنَّ استخدام الجمهور لتلك الوسائل لإشباع رغباته يتحكم بدرجة كبيرة في مضمون الرسائل الإعلامية التي تعرضها وسائل الإعلام.
الصحافة في الظروف الاستثنائية والطوارئ
اما معنى كلمة الاستثناء والطوارئ في العمل الصحفي. فهي الظروف الاستثنائية، ما يشكل خطرًا على حياة الإنسان، والملكية العامة والخاصة، أضرارًا في البيئة والمحيط، الناتجة عن عوامل مناخية، وطبيعية (عواصف، فيضانات، زلازل، براكين، حرائق، زوابع، إلخ)، كوارث اجتماعية وصحية (مظاهرات، إضرابات، أوبئة أمراض إلخ)، حروب ومواجهات عسكرية.
يضاف إلى ذلك ظواهر وأحداث تعكر صفو الأمن الاجتماعي، وعمل المؤسسات والشركات، والتعديات على الأطقم والعاملين في المجالات العامة في المؤسسات الخاصة والعامة والتي تشكل خطرًا على سلامة الأمكنة العامة، والمنشآت الصناعية والطبية والتكنولوجية، والتجهيزات ومؤسسات الأرشيف والوثائق، والوزارات، والأعمال التي تهدد حياة العاملين.
بهذا المعنى فإن الصحافة في الظروف الاستثنائية،هي نوع من الصحافة والتي تتطلب جمع الأخبار والمعلومات وتحليلها من مكان وقوع الحدث مباشرة، سواء أثناء الصراعات والحروب بين الدول، أو الصراعات الأثنية والطائفية إلخ، وفي أماكن وقوع الأزمات البيئة والطبيعية، والنكبات. مع التذكير أن هذا النوع هو من أعقد وأخطر الأعمال الصحفية، لأنها مرتبطة بطبيعة الحدث والمخاطر الناجمة عنه، وبسبب المخاطر التي قد تؤدي إلى تهديد حياته أو اعتقاله.
أما الظروف الاستثنائية التي يعمل فيها الصحفيون اللبنانيون، فهي كانت ولا تزال: العدوان الإسرائيلي (1978-1982-1993-2006-حتى اليوم)، المخيمات الفلسطينية وأمنها ومشاكلها، الحرائق وحرائق الغابات، الحوادث والكوارث الناتجة عن حوادث السير وسقوط الطارات وغرق السفن، الهجرة فير الشرعية (عبارة اندونيسيا.. إلخ)، التفجيرات والأعمال الإرهابية والخطف (خطف العسكريين في عرسال)، الظروف المناخية والصقيع وتأثير ذلك على القطاع الزراعي، الأوبئة والأمراض (الواقع الصحي والأمراض المرتبطة بسوء مياه الشرب والتلوث البيئي على اختلافه النزوح السوري وحملات الإغاثة والمساعدات الانسانية، العمالة الأجنبية..
المخاطر التي تداهم الصحفيين
بالنسبة للمخاطر والتهديدات الناتجة عن العمل والمخاطرة في النقاط الساخنة وأماكن الاشتباكات، والكوارث على اختلافها؛ الاحتراق المهني (الضغوط النفسية والمعنوية والشعور بالخطر الدائم، وعدم توفر مناخ ملائم للعمل)؛ لملاحقات والتهديدات من جهات مختلفة التي لا يعجبها أداء الصحفي ولا يتلاءم نشاطه وعمله مصالحها وموافقها وأهدافها. هذا إضافة إلى المخاطر الأمنية (اعتقال، توقيف، قتل واغتيال وخطف) العمل في بيئة غير مريحة ومعادية لتوجهات المحطة أو الوسيلة الإعلامية التي يعمل بها؛ الصورة الذهنية المتكونة مسبقًا عن شخصية هذا الصحفي أو ذاك إلخ.
كيف يحضر الصحفي الأرض لإنجاح عمله؟
يقوم الصحفي الميداني بدراسة مسرح الأعمال القادمة، ويتطلب الأمر الاطلاع على تجربة الزملاء الذين سبق لهم أداء مهام مماثلة؛ الوقوف على آراء مستشارين متخصصين؛ مشاورات مع الجهات المستقلة في المدينة أو المحلة أو المكان المحدد؛ دراسة المواد المرجعية (أرقام هواتف المرجعيات الرسمية، الدينية، البلديات، الهيئات الثقافية، الأحزاب المحلية، إلخ)؛دراسة المنشورات المتعلقة بقضايا الصراع؛ دراسة موارد الإنترنت ذات الصلة؛ دراسة الملفات التحريرية (المواد الصحفية المكتوبة سابقًا؛ الاتصال بالبعثات الدبلوماسية، والأمنية وغيرها، وإذا أمكن، بالهياكل الحكومية وغير الحكومية المنتشرة في المنطقة التي ستعمل فيها.
بالنسبة لموضوع التضليل الإعلامي وعناصر المصداقية في وسائل الإعلام، والتي تقوم على مبادئ عدة منها: الدقة في المعلومات الصحيحة؛ نقل الأخبار الصادقة يجب أن تكون كاملة غير منقوصة، وتحقيق العدالة والتوازن، إلى عدم الخداع في تقديم الأخبار والمعلومات، وعدم الخداع في كيفية الحصول على المعلومات، وعدم التلفيق، والأهم الاعتراف بالخطأ
ما هو المسموح وما هو الممنوع للصحفي أثناء التغطية
من هذه العناصر استخدام بعض الوسائل للحصول على المعلومات، وإن كانت مخالفة للقانون ولميثاق الشرف الإعلامي، الكاميرات الخفية، -الميكروفونات الخفية،-التسجيل عبر الهاتف الخليوي وبثه، وهذه تستخدم فقط، عندما لا توجد وسائل أخرى على أن تكون هذه، المعلومات مهمة وفيها حرص على الأمن المجتمعي، وأن يكشف الصحفي أسباب اضطراره لاستخدام هذه الوسائل ، وأن تعلن الوسيلة الإعلامية تحملها لعواقب هذه الوسائل، والأهم أن لا تعرِّض الصحفي للخطر، بالإضافة أخيرًا إلى الدقَّة إذ يجب أن تكون المعلومات دقيقة عن طريق هذه الوسائل.
هناك وسائل مستخدمة لا تزال تثير الجدل حول أحقية استخدامها، أو حظرها خلال أداء العمل الصحفي، منها استخدام وثائق رسمية أو أخرى تابعة للشركات دون إذن مسبق، واستخدام ميكرفونات وكاميرات خفية، إلى استخدام الوثائق الشخصية دون إذن، وتوظيف أشخاص داخل المؤسسات للحصول على معلومات، ومن أهمها الإفصاح عن ضحايا العنف والاغتصاب، وادعاء الصحفي أنه شخص آخر.
في هذا السياق من المهم تفعيل دور الصحافة كسلطة رقابية لمساءلة المسؤولين وكشف المخالفات ومكافحة الفساد لتحقيق المصلحة العامة، عدم إفشاء مصادر المعلومات، عدم قبول مكافآت للنشر من قبل جهة لمصلحة جهة أخرى، وأخيرًا تجنب إثارة النعرات على اختلافها، وكذلك التمييز بين المواطنين، احترام التنوع.
محاضرة القاها استاذ التاريخ والإعلام الدكتور زياد منصور في ندوة أقيمت في فرع جامعة AUT في حلبا عكار ــــ شمال لبنان، بحضور حشد من الأساتذة والطلاب والمهتمين في مجال الاعلام والدعاية،