من تمديد الفراغ إلى تمديد الخلافات.. لبنان يبكي ويرتجف من البرد..!

من تمديد الفراغ إلى تمديد الخلافات.. لبنان يبكي ويرتجف من البرد..!

 محمود القيسي

“يبكي فقط يبكي

يبكي لأن الأحياء يستريحون وينامون

كأنهم موتى

يبكي لأن الأموات يتحركون ويمشون

كأنهم أحياء…”

*بيلار غونثالث

      نعم، لبنان يبكي ويرتجف من تمديد فراغ الرئاسة الاولى.. ويبكي ويرتجف من تمديد الخلافات على تمديد خدمة عمادة الجيش اللبناني الاولى لفترة الستة شهور القادمة.. يبكي ويرتجف  في هذه ألأيام الوجودية لعدم الإتفاق بين جميع القابضين على عنق السلطة اللبنانية.. والقابضين على معظم الملفات العالقة بين جناحي بعوضة واقفة على رجلٍ واحدة في حقيقة الآمر.. واقفة على رجلٍ واحدة فقط على لغم فراغ الرئاسة الاولى.. ولغم فراغ عمادة وقيادة الجيش الاولى.. نعم لبنان يبكي ويرتجف كله من البرد والبرق والرعود والعواصف القادمة من السماء والطبيعة… والقادمة من جبهة الجنوب اللبناني المفتوحة.. ومن طوفان ( غزة ) الأقصى المتواصلة… ومن حروب الإبادة التي يقودها تحالف الإمبريالية والصهيونية العالمية ضد الشعب الفلسطيني على مدينة غزة وقطاعها.. وخصوصًا التدمير المنهجي الهمجي المتواصل… والتي تقوده تكنولوجيا أسلحة تلك “الآلة الأمبريالية الذكية” كما تسمى في الغرب ضد مدينة غزة التي اصبح نصفها مدفونًا تحت الأنقاض والركام… ونصفها الأخر يقاوم في العراء بين خيام اللجوء الفلسطنية الجديدة والمستجدة في داخل الوطن الفلسطيني المحتل.. أو داخل الوطن الفلسطيني المحاصر.. أو في داخل الدولة الفلسطينية، أو دولة ( المقاطعة ) الفلسطينية المخطوفة..! 

     نعم، لبنان يبكي ويرتجف من البرد القارس والشتاء القاتم والأمطار الغزيرة في هذه ألأيام العبثية بين سلطة تلعب بالبيضة والحجر.. والدولرة واللولرة.. وكل أنواع السمسرة المالية والاقتصادية والسياسية على إيقاع كذبة (فن الممكن) اللبنانية التقليدية من أجل (تحقيق) كذبة (فن المستحيل) أو الأسطوانة اللبنانية المشروخة والمكررة.. يبكي ويرتجف بين إيقاع “خف حنين الفرنسي” مسيو لودريان الغير مسموع والغير مرئي والغير دريان في حقيقة النظرية النسبية ونسبية الأحجام الغير مناسبة والغير مطابقة بين الكولونيالية الفرنسية القديمة التي يمثلها و الكولونيالية الأميركية الجديدة التي لا يستطيع إن يمثلها.. أو بين ليبرالية قديمة مزيفة سقطت بالتقادم وانتهاء الصلاحية التاريخية.. وبين الليبرالية الجديدة أو النيوليبرالية الاميركية المستجدة التي لا ترى في المرآة سوى نفسها ومصالحها.. نعم لبنان يبكي ويرتجف خوفًا من براغماتية و ديماغوجية لم تعد تنفع ولا تسمن من جوع.. ولا من برد.. ولا من برق ورعود ترعد وعواصف تعصف في جميع الأتجاهات المرئية والمسموعة في الداخل اللبناني والخارج على كل المستويات والأصعدة والاسماء والمسميات والاستعارات..!

      “رأى مواطن “فينيقي” الفيلسوف الاغريقي سقراط وهو يأكل العشب فقال له: لو خدمت الحاكم، لم تحتج أن تأكل العشب.. فقال له سقراط: لو أكلت العشب.. لم تحتج أن تخدم الحاكم”. في لبنان الفينيقي المعاصر.. الزعيم المطلق، أو الحاكم بأمره وأمر حزبه وطائفته وتحالفاته الداخلية والخارجية وما بين بين.. سرق سقراط، وسرق الفينيقيين، وسرق البلد، وسرق المواطن، وسرق الحظيرة، وسرق القبيلة، وسرق الطائفة، وسرق العشب والبرسيم والعلف من المزرعة اللبنانية.. أو المزرعة الفينيقية نسبة إلى ماركتها التجارية المسجلة تاريخيًا. نعم، نحن في لبنان نفتقد “النُخب” الفكرية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية… نعيش “نظام التفاهة”.. نكتشف حقيقة من نكون.. حيث أننا نعيش فترة مختلفة عن فترات التاريخ البشري، حيث السلطة بعيدة عن يد من يستطيع التميز في القيادة، ومبسوطة في يد التافهين باختلاف أسمائهم ودرجاتهم ومستوياتهم… نعم، السلطة المبسوطة في يد من تاجروا وسرقوا واشتروا وباعوا كل شيء وأي شيء… ولم يبقى من الوطن النهائي لجميع أبنائه أو وطن ما يسمى لبنان الكبير أو لبنان الصغير أو المقط في السرير اي شيء.. أو لا شيءٍ يذكّر..!

      هل التاريخ في بلادنا هو من يعود القهقرى الى الوراء بكل ما تحمله تلك العودة تاريخيًا من المآسي والمهازل  وتجارب الموت التي تُشعرنا وكأننا مُتنا قبل الان والأوان!؟.. ام هل هي بلادنا من تعود الى الوراء بدلًا من أن تكون بلادنا التي تدفعنا إلى الامام.. بلادنا التي تدفعنا الى الحياة… لأننا نعيش حياتنا مرة واحدة.. مرة واحدة فقط!؟.. اوليس بلادنا ان تكون بلادنا… ونكون بلادها… ام هي الصدفة التاريخية.. مجرد صدفة تاريخية اننا ولُدنا في بلاد الإستبداد والنزاعات الجيوسياسية والتقاطعات التاريخية القاتلة.. بلاد التداخلات بين الماضي والحاضر  والمستقبل… والتدخلات الخارجية العدوة… والصديقة… والأجنبية الغريبة.. الغربية والشرقية… بلاد الوصايا والوصايات العليا، واليد العليا، والأخ الاعلى… والتآمر والمؤامرات على كل أشكالها وعلى كل أنواعها من الوشم في الهوية.. الى الهوية الوشم.. الى الهويات الموشومة القاتلة!؟.. ام نحن نعيش ونموت قدر الجغرافيا الغبية.. او نعيش ونموت قدر الجغرافيا الملعونة.. أو قدر الاثنتان معًا… نعيش ونموت ثنائية الموت من اجل الهوية من ناحية.. الهوية القاتلة… من الناحية ألأخرى..!

      هل أصبحنا وامسينا في بلادنا نعيش (وباء) غامض يصيبنا بالعمى دون إن ينفع معنا علاج.. أو ينفع معنا دواء.. أو ينفع معنا يحزنون عن سكوتنا المزمن على الوباء المزمن.. سكوتنا المزمن عن الوباء الذي يزداد سوءًا ومأساة ومهزلة.. رغم الحشود الحاشدة والهتافات المتطايرة والاجتماعات الصورية الكاذبة… العمى بعيوننا العمى… “دعوا كل شيء خلفنا، فينا، فوقنا، أمامنا… كما هو ثأر الزجاج القاسي من إطار النافذة. دعوا كل شيء.. دعوا الضوء في كل تجلياته خلف الشموع، خلف أولئك الذين ليسوا موجودين ولكن سيكونون. دعوا اليوم للعيون ونهايته للشفاه التي قالت (آمين). دعوا الليل دعوا التوقيع دعوا الضوء..لا تطفئوا النور”… عندما يكون الشخص مكبلاً بالسلاسل منذ طفولته، سيعتقد أن هذه السلاسل جزء من جسده، وأنه يحتاجها كي يتمكن من المشي.. نحن لسنا ما حدث لنا، نحن أخترنا أن نكونه. دَعِ المعرفة تسمو بك، فلا شيء يعيق الحياة الإنسانية سوى أكداسِ صناديق الظواهر والإخلاص الأعمى لحقائق ميتة أو منتهية الصلاحية. أبشع ما في الأمر كما يقول ديستويفسكي: “هو أن الفظاعات أصبحت لا تهز نفوسنا. هذا التعوّد على الشر هو ما ينبغي أن نحزن له”.

      ‏من “نظرية الضحية” وكذبة الحياة في جغرافيا الاستبداد والنزاع.. في تاريخ النزاع الذي صنعته الصهيونية العالمية في بلادنا مراتٍ ومرات.. من مرارة النكبة وذل اللجوء والتغريبة التي عانى الفلسطيني منها الأمرين بين مطرقة العدو وسندان العدو فينا إلى الموت الجماعي تحت الأنقاض… هل أصبحت حياتنا البائسة وموتنا مجرد صورة مكررة تعودنا عليها على نشرات الأخبار كما تعود عليها عدونا اللدود وأصبحت جزءً لا يتجزأ من هويتنا اليومية المكررة والقاتلة!؟.. نعم، يبكي لأن أوراق الخريف تصفر، بعنف أمام الرجال التعساء. يبكي…. فقط يبكي….. يبكي لأن الجبال تنتصب كل مرة أكثر سموقا، أكثر وحدة فوق الأرض. يبكي لأن السحب عبارة عن هياكل فقيرة من دخان. يبكي لأن الهواء يجهل الغياب…  نعم يبكي، لأن الأنهار تسقط، تركض وتتدفق… يبكي لأن الدم عبارة عن نسيج من أوردة متشابكة… يبكي لأن الألم يلتوي داخل اللحظة الحية… يبكي، فقط يبكي…… وينهار… “لا تلتفت لا تلتفت يا حنظلة دع خلف ظهرك حالنا فلن تُسرّ بما ترى من حالنا يا حنظلة.. لا تلتفت فكل حالٍ لم تزل كما هي منذ الأزل رديئة هزيلة ومخجلة.. طال الكسوف بشمسنا… فكر الظلام يسودُ في أرجائنا… قانونُ غابٍ لم يزل يسري يُوجِّهُ فكرنا… صرنا بأبشعِ مهزله.. لا تلتفت.. لا تلتفت يا حنظله”!!؟؟؟

 

Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

محمود القيسي

كاتب لبناني