الملف اللبناني وانعكاس التطورات في غزة

الملف اللبناني وانعكاس التطورات في غزة
أحمد مطر
     
     في ظل التطورات الدراماتيكية في غزة، التي ستحدد مصيرها المعادلة التي سترسو عليها المنطقة، من المؤسف أن لبنان على مستوى السلطة السياسية في مرحلة انعدام وزن.
    العناوين كثيرة التي يعاني منها البلد، انطلاقًا من تطورات نتائج الحرب الإسرائيلية على غزة، بالإضافة إلى أزماته البنيوية المتراكمة، من الانهيار الاقتصادي، إلى اهتراء الدولة والمؤسسات وإفراغ مؤسساته الدستورية من مضمونها. إلا أن الأزمة الأكثر تهديداً لمصيره، هي الحرب الدائرة في الجنوب، التي قد يؤدي توسعها نحو حرب شاملة إلى دماره، منذ بداية حرب غزة وإدخال حزب الله فيها من باب الإشغال والمساندة، بدأت قرى الجنوب الحدودية تفرغ من سكانها شيئاً فشيئاً. لم يكن في ذهن السكان أن حرباً ستفتح باسمهم، ستقلب حياتهم رأساً على عقب. كان هؤلاء مطمئنين إلى نوع من توازن ردع يقيمه حزب الله مع إسرائيل، يجعلها تفكر كثيراً قبل شن أي عدوان، وهم لذلك انصرفوا إلى أعمالهم وبناء البيوت والقصور على طول الحدود وفي أنحاء القرى، يستقبلون فيها الأهل والأصدقاء وهم مطمئنون لواقعهم، ولا ينغص هذا الاطمئنان سوى تصاعد الخلافات الغربية مع إيران بشأن برنامجها النووي.
    كان تصاعد الخلاف هذا يجعل جلسات الحدود محفوفة بالقلق، وعندما بدأت حرب غزة رأى البعض فيها رداً إيرانياً على الخصوم، ولذلك تحول قلق الجنوبيين إلى حقيقة واقعة.
    لم ينتظر إسرائيليو المستوطنات على الحدود اللبنانية قصفاً من حزب الله، كي يغادروا مساكنهم وأعمالهم. درس هجوم غلاف غزة كان قاسياً وحاسماً، وهذا الهجوم قبل أن يحصل في جنوب فلسطين سمعوا وقرأوا سيناريوهات مماثلة له، سبقته بسنوات، يتم تنفيذها على يد حزب الله من لبنان.
    هرب الإسرائيليون في الشمال باكراً إلى الفنادق والمنتجعات، على حساب دولته ومجالسها المحلية. وفي الجنوب اللبناني دار مسلسل قتل ودمار منهجي من دون أن يشرح أحد للسكان المغزى والهدف والفائدة، وبالطبع من دون أن ينصحهم أحد ببر أمان، أو بالإقامة في منتجعات أركان الدولة وأصحابهم، بضيافتهم وعلى حسابهم. ذلك أن السلطة السياسية التشريعية والتنفيذية تناقش الموفدين الدوليين في الأوراق والاقتراحات، بتفويض من حزب الله الذي يصنع القرار. ومن دون إعلان صريح، فإن حزب الله يقول ضمناً الأمر لي. الأمر لي في كل شيء أساسي. من حرب الجنوب إلى حرب الرئاسة وعقد أو عدم عقد جلسة لمجلس الوزراء والتمديد للبلديات، وهي بين محلولة ومشلولة. ومن إخضاع لبنان وحاجات اللبنانيين إلى مستلزمات حرب الإسناد في الجنوب، لإسناد حماس في حرب غزة، إلى الاندفاع في دور إقليمي أكبر من لبنان.
    وليس بناء قاعدة على الشواذ،سوى وصفه لتوالد أزمات مستمرة. ولا رهن البلد في رهان على صفقة إقليمية كبيرة بعد نهاية حرب غزة، سوى ضرب شيء مؤكد من أجل شيء غير مؤكد. وحين تكرر واشنطن القول إنه لا صفقة إقليمية على حساب لبنان، يجد الوطن الصغير نفسه يدفع ثمن اللاصفقة قبل ثمن الصفقة.  
    والأدهى الرد الرسمي اللبناني على الرسالة الدبلوماسية الفرنسية، التي خرجت عن حدود التحذير والتنبيه إلى ما يمكن اعتباره إنذاراً للأطراف السياسية اللبنانية، بالتحرك السريع لتجاوز خلافاتهم العقيمة، والتوجه نحو تسوية داخلية تُنهي الشغور الرئاسي، وتعيد الهيبة والفعالية للمؤسسات الدستورية.
    إن خطورة التهاون السياسي اللبناني على الورقة الفرنسية، والمنسق غالباً مع الموقف الأميركي، يعرض المصالح اللبنانية العليا للخطر، بما فيها الأراضي المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فضلا عن مخاطر غياب لبنان عن طاولة المفاوضات الإقليمية والدولية، التي سترسم مستقبل المنطقة وخريطة بلدانها لعقود طويلة من الزمن.
    ختامًا، لم يعد مسموحاً أن يتلهّى أمراء السياسة والفساد بصراعاتهم الفئوية والأنانية، ويعرضون مصير البلد وسلامة أراضيه وأمنه واستقراره لأخطار وجودية، لا تنفع معها المساومات الرخيصة، ولا التسويات العشوائية.
    يبدو أن ساعة الحقيقة أصبحت قاب قوسين أو أدنى. فإذا لم يستعد لبنان لمواجهة متطلبات المرحلة الصعبة بوحدة موقف متماسكة، تتعالى عن الخلافات السخيفة، سيكون البلد هو الخاسر الأكبر في أية تسوية إقليمية ودولية لإنهاء زمن الحروب في المنطقة.
 
Visited 72 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد مطر

صحفي وكاتب لبناني