حسّاوي في تكريم بلاجي: كُنا جيل التحدي

حسّاوي في تكريم بلاجي:  كُنا جيل التحدي

مراسلة خاصة:

           

د محمد حساوي
د. محمد حساوي

* كلمة الدكتور محمد حساوي باسم قدماء ثانوية الإمام مالك بالدار البيضاء في اللقاء التكريمي المنظم من قدماء المؤسسة للدكتور محمد بلاجي يوم الخميس 23 ماي 2024 بالمؤسسة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم، السيدة المحترمة مديرة ثانوية الإمام مالك والطاقم الإداري، أحييكم باسم الاستمرارية الإدارية؛ الأستاذ المحترم المحتفى به نيابة عن زملائك، وأساتذة الأجيال الذين مروا من هنا مغاربة وأجانب، أحيي الجميع باسم الاستمرارية البيداغوجية؛ الإخوة التلاميذ القدماء والجدد أُحَي الجميع أيضا باسم الاستمرارية والتجديد؛

أيها الحضور الكريم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد،

يسعدني، أن أقول كلمة باسم قدماء هذه المؤسسة العامرة، لكن أريد:

     أولا: أن ندعو بالرحمة والمغفرة على من غادروا إلى أرض البقاء، كما ندعوا للأحياء من ” ألوف الإمام مالك”، بالصحة العافية وطول العمر، خاصة وأغلبنا في العشر الأواخر من العمر، وبذلك نُعدّ قدماء، فليس القديم من هو في ريعان الشباب؛

     ثانيا (عن كتاب في الذاكرة الجماعية) ففي سنة 1985، في لقاء مع أحد قدماء الثانوية، واسمه المصطفى فكار، كان يشغل يومها مديرا للمحافظة الوطنية على الأملاك العقارية، اتفقنا، في أثناء الحديث عن بعض الأفواج التي مرت من هذه الثانوية أن نقوم بشيء عن قدماء الثانوية، لكن لم نفعل، لذا  سررت أيما سرور لما بلغني خبر  تجسيد الفكرة فعليا  وصارت واقعا ملموسا؛ لذا أغتنم  فرصة هذا اللقاء لأشد على أيدي  كل الإخوة الذين نهضوا بمهمة تنشيط الذاكرة الجماعية وقاموا بالخطوة الأولى (تأليف الكتاب الأول) ، ثم الخطوة الثانية  (الكتاب الثاني)،  الذي نرجو  له خطوة لاحقة ( سأقترح لها بعض الاقتراحات في شكل موضوعات تكون محاور لتأليف ثالث؛

    ثالثا: أعتذر للألوف عن الحديث باسمهم في موضوع اسمه الذاكرة الجماعية، فكم هو صعب اليوم، وعلى بعد ما يزيد عن نصف قرن، أن نتذكر التجربة الجماعية لكل الذين مروا من هنا أفواجا تلو الأفواج، أتحدث باسم من سبقونا أو عاصرونا أوالتحقوا من بعدنا إلى هذه المؤسسة العمومية رأيت الصور وقرأت ما كتب في المؤلفين الأول والثاني، واستقيت معلومات وأخبارا فوجدتني بفعل الانتماء إلى هذه المؤسسة؛ وجدتني من حيث لا أدري أنتمي إلى كل هؤلاء.

    نحن تلاميذ ثانوية الطالعة (المكان المرتفع المسمى لاثينيا بلفيدير)، جئنا من عدة مدن مغربية، واحتضنتنا هذه المؤسسة وفيها القسم الداخلي، وضمنت لنا الإقامة والمأكل والمشرب والتكوين والعناية الصحية. ولقد شكل هذا المقام، على قصر مدته، رصيدا ضخما، رسم للكثير منا خريطة طريق آمنة وأكيدة، فيها تقاطعات استحالت مكتسبات ومهارات. فلا تجد واحدا من الذين ساهموا في الكتابين الأول والثاني، يتحدث عن ذكرياته الشخصية، إلا وتجد الكثير من المشترك منتصبا أما عينيه، في أجوبة متعددة عن أسئلة من قبيل: من نحن؟ من أين جئنا؟ كيف اندمجنا؟ ماذا عُلِّمنا؟ وماذا تَعَلّمنا؟ وماذا اكتشفنا واكتسبنا؟

    لقد اختصرنا نحن القادمين من جهات شبه قروية أو قروية، وحتى حضرية صغيرة، وكنا ممثلين لجهات جغرافية واجتماعية متنافرة في بعض الأحيان؛ اختصرنا الاختلاف والتنوع في نمط للعيش فرض علينا ديمقراطيا(سوفأعود للتعلم الديمقراطي الذي عشناه في هذه المؤسسة).

  لم يكن انتقال الكثير منا سلسا، إلا فيما قل، بالنظر إلى عديد من المسارات كانت: الخيمة أو الدار وبكل اللغات المحلية، ثم الدوار، ثم القرية، ثم المركز الحضري الصغير أو شبه الصغير ودروبهما وصولا إلى المركز الحضري الكبير، الدار البيضاء، وولوج مؤسسة شبه عسكرية وحدت فجأة كل الاختلافات والتنوعات.

    ترددت على مسامعنا في البداية عبارات البدوي أو لعروبي، لكن من بعد، ستخفت هذه العبارة في هذه المؤسسة بالنظر لموقعها في الدار البيضاء، ستخفت حتى بالنسبة للآتين من أطراف الدار البيضاء.

    نمط العيش داخل الثانوية وفيها الداخلية جعل كل تفاضل آخر يزول، ويبقي النموذج المسطر في هذه المؤسسة، فيُفرضَ على الجميع بدون استثناء، وكان هذا بداية التحسيس بالنموذج المشترك الذي سيصير في أهم تجلياته ديمقراطيا،

    التشارك في كل شيء: جَهاز الطلبة الداخليين ، أماكن الإقامة والدراسة، أوقات النوم والاستيقاظ؛ أوقات الأكل والراحة؛ أوقات التمارين والرياضة، أوقات المناداة على الحضور (الانتقال إلى الترقيم لتلافي ما قد يترتب عن ذكر اسم غير مألوف، أو مدعاة للسخرية)؛ اذكر هنا أننا كنا 192 نفرا داخليا)، في هذه اللحظة كنا ننتظر توصلنا برسائل تأتي من الأهل، أو تأتي من مراسلات مع طلاب عبر العالم فقد كان بعض أساتذتنا الفرنسيين يلحون علينا في التراسل مع طلاب ناطقين بالفرنسية على سبيل المثال. وكانت لكل منا حكايات مع مختلف المعلومات المتبادلة أو المطلوبة حتى.

    الشكل الهندسي المستطيل للثانوية (وفيها القسم الداخلي)كان مشتركا، ألقى بظلاله على مختلف مرافق الداخلية، فبدا كأنه تصميم مدبر مسبقا: الفضاء الفوقي والأرضي وغرف المبيت والمطعم وقاعات الدرس، كل ذلك خيمت عليه الاستطالة، ففرض علينا أن ننظر دائما إلى فوق، إلى السماء. فهل كان هذا التأطير موجِّها لمساراتنا ومحدِّدا لاهتماماتنا وأولويات مشاغلنا؟ يمكن للباحثين من مختلف المجالات المعرفية بالعودة إليه لقراءته واستخلاص الخلاصات منه.

    أفضال المدرسة العمومية ممثلة بالإمام مالك:

    تجلت أفضال هذه المؤسسة فيما ضمنته من استقرار، وما سهلته من انصهار، وما سمحت به من تعليم وتعلم ومكتسبات.

    حصلنا مكتسبات في التعليم والتعلم، شكلت تعميقا متدرجا لما درسناه من قبل وأعطى أساسا صلبا لما سيأتي من بعد؛

    اكتشفنا تنظيما في مستوى العيش الجماعي والمشترك، إذ لم يكن يوجد خلال ثلاث سنوات ما يمكن أن يكون عنصرا معطلا للدراسة، فلم يكن الاختلاف والتميز من بعضنا إلا في مسائل التحصيل عامة.

    المكان مشترك والعيش مشترك والتنظيم مشترك. فلم يبق سوى التفاوت في التحصيل الدراسي وفي مستوى الانفتاح على بعض قضايا المجتمع والعصر عبر حضور مختلف الأنشطة العلمية والمسرحية التي كان أساتذتنا يوجهوننا إليها بشكل مباشر أو غير مباشر (القراءات والعروض، المحاضرات، المسرحيات، السينما…)، وتشهد على ذلك مؤسسات ثقافية ومسرحية مثل: المركزين الثقافيين الفرنسيين بكل من عين البرجة، وشارع الزرقطوني.

    رصدنا بعض معالم الحداثة في المقررات والمضامين والمناهج التعليمية (الفكر النقدي، بعض التفكير الحر وإمكان التعبير عن الرأي، بعض القبول بالاختلاف في المواقف والآراء)

    عرفنا بعضا من أمور الحداثة في تنظيم المجال وتدبيره، تدبير الزمان المدرسي، وتنظيم الإيقاع التعلمي وصقل المهارات المختلفة.

    اكتشفنا طرق التعلم الأفقية (التعلم من بعضنا البعض، ومناقشة بعضنا، ومواساة بعضنا البعض….)، وحصل لدينا من كل هذا  القطع من الذاتيات المغلقة، 

  • اخترت مثالين اثنين نموذجيين لما اكتشفناه وتعلمناه ومن بعد ذلك مارسناه مهارة من المهارات الحياتية،
  • المثال الأول تجلى في اكتشاف مفهوم القائد (الذي يدرس اليوم في علوم التواصل):
  • اكتشفنا مفهوم القائد العادل والديمقراطي سواء في تدبير شؤون القسم الداخلي (المرقد والمطعم وقاعة المطالعة وباقي فضاءات القسم الداخلي،
  • عرفنا معلم الداخلية Maitre d’internat، وقائد مائدة الأكل Chef de table، عرفنا هذين الاسمين ورأينا كيف كان الأول يدير توقيتات وجبات الأكل والشرب ثلاث مرات، وتوقيتات النوم باكرا (في حدود العاشرة ليلا) والاستيقاظ باكرا(عند الخامسة إلا ربعا للذهاب إلى قاعة المطالعة والمراجعة والتمارين)، وكيف كان يدير عمليات الاستحمام الدوري … الخ. لقد كان هذا الرجل ينهض بهذه المهمة بانتظام ويلزم الجميع بالانضباط لها، فقد كان التنظيم شبه عسكري.
  • كنا ننام جميعا في نفس الوقت، ونستيقظ جميعا في نفس الوقت، ونطالع وندرس جميعا في نفس الوقت، ونتناول وجبات التغذية في نفس الوقت، ونقف في الساحة نستمع إلى المناداة علينا، وترقب التوصل برسائل من الخارج، في نفس الوقت.
  • عرفنا قائد مائدة الأكل والشرب، لكن هذا خلافا للأول، نحن الذين رشحتاه وانتخبناه وأسندنا له مهمة توزيع الوجبات بحسب الجالسين حول المائدة، فالكل يرى ويسمع ويراقب عن كتب الحركات الدورية لهذه الكأس الصماء التي تدور دوراتها، دون غمز أو لمز، باحثة عن صاحب الحظ الأول ثم الثاني إلى أن تأتي على آخر جالس حول المائدة. كنا نراقب عمليات التقسيم والتوزيع، وكنا نراقب حتى توازن المائدة حتى لا تميل الكفة، بشكل غير عادل، نحو أي منا، لا مجال للخشونة والغش. لا يزيد نصيب أي منا عن الآخر، وقد علم هذا السلوك المتكرر كلا منا الاكتفاء بنصيبه شبع أم لم يشبع، أيا كان وزنه أو حجم جثته. كيف لا يكون هذا القائد عادلا، ونحن الذين اخترناه ونراقبه باستمرار، وهو يعرف أن لا مكان للتلاعب هنا. اكتشفنا قيمة القيادة الجماعية لشؤون المائدة.
  • إن هذا السلوك على بساطته، لم يشهده أحد منا في أسرته وعشيرته الأولى، ولم يكن عنه بديل لثلاث سنوات، سيترسخ في أذهاننا وينعكس في قضايا أخرى من أمور التسيير الجماعي، ومنها أن القائد يكون عادلا وديمقراطيا كلما كان الشعب أو العشيرة (يعنىنحن بشكل مصغر) حاضرين يراقبان مصالحهما الحيوية- يعن نصيب كل منا من الوجبة الغذائية).
  • إن القائد الذي اخترناه، إذا لم يستطيع أن ينهض بالمهمة التي انتخب من أجلها يستقيل في الحين، أو يتم انتخاب شخص آخر مكانه. كنا نساعده بتكرار عبارة “من أخذ حقه يضم عقله” (يعني يسد فمه، ويقنع بنصيبه).
  • ماذا عُلِّمنا ؟

    إذا تأملنا الخيط الناظم في المنظومة التعليمية في القسم الثانوي الأول نلاحظ غلبة الاتجاه الفرنكفوني، وهذا الاتجاه سيسود في القسم الثاني من السلك الثانوي حيث كان أغلب أساتذتنا الفرنسيين والأجانب (إسبان وألمانيين) مبرزين في التعليم الثانوي المسمى اليوم تأهيليا. فقد تم انتقاء هؤلاء بعناية لخدمة التعليم الثانوي وفق المنهج الفرنكفوني العام. وهكذا، وبشكل سلس كانت خدمة اللسان الفرنسي حاضرة في مختلف الأنشطة التربوية والترفيهية والانفتاحية. كلنا يستحضر تدبير الزمن الدراسي، الاستيقاظ الباكر للذهاب إلى قاعة الدرس الداخلي (salle d’étude) التي كنا ندخلها باكرا للمراجعة وإنجاز بعض التمارين،فقد كنا من حيث الانضباط “عساكر بزي مدني”. إن استحضار هذه التجربة المعروفة والمعتادة في حياتنا البدوية، خاصة الحث على الاستيقاظ الباكر بتكرار القول المأثور: ” لفْياق بكْري بالذْهبْ مَشْري”.

    من يقرأ بعضا مما تذكره المُسْهِمون في الكتابين الجماعيين الأول والثاني، يسجل بوضوح كم أن هذه المؤسسة العامرة بالذات كانت أحد الأسباب الرئيسة للعبور نحو الضفة الأخرى، فقد رسمت للذين مرّوا منها بدء من الحصول على الباكلوريا، سمحت لهم ب:متابعة الدراسات العليا والبحث العلمي، الانخراط في سلك التعليم ،الانخراط في أسلاك الجيش والشرطة والإدارة العمومية

  • ما تَعلمنا؟
  • تعلمنا الجد والاجتهاد والمثابرة
  • تعلمنا التحدي والطموح
  • تعلمنا المنهج النقدي في النظر لأمور الحياة، ولتدبير شؤون المجتمع، هذا المنهج لم يستطع منهج الامام مالك تغييره، بل حضر النقد عند تناول موضوع المواريث ضمن مادة الفكر الإسلامي، فقد كنا ننتقد، ومن موقعنا وفي استحضارنا للواقع الاجتماعي والأسري مسائل قسمة التركة،
  • تعلمنا تدبير زمن الحياة والزمن المدرسي بشكل عقلاني إلى حد مّا،
  • تعلمنا التنافس الشريف في كل شيء: في الدراسة، في القراءة، في الرياضة
  • تعلمنا حل المشكلات
  • تعلمنا الصحافة والسياسية في غير معاهدها الخاصة (هذا كان دور أساتذتنا وقد كنا نتأمل بعمق كيف كانوا يعرضون القضايا ويحللون الظواهر، وينتقدون ويستنتجون (في مادة الفلسفة تحديدا).

د. من علمنا؟ عرفنا، عرف كل واحد منا، أساتذة تركوا الأثر العميق في مسارنا التعليمي والتعلمي والمهني، فلم يغب منهجهم النقدي وأسئلتهم عن ذاكرتنا، فقد كانوا أساتذة أكفاء، يحبون عملهم، يَجِدّون في إفهامنا وتفهيمنا، ومن الذين تركوا أثرا كبيرا في تلاميذ الثانوية. وأذكر شخصيا بعض الأمثلة:

  • من الأساتذة
  • الأستاذ هنري مناهيس، مراسل جريدة لوموند الفرنسية، أذكر كيف كان يلح على بعضنا في قراءة هذه الصحيفة، فقد كان يكلفني شخصيا بقراءة افتتاحية الجريدة، فكنت أتعب في فهم هذه الجريدة، فلم تكن التعريفات والتفسيرات التي أجدها في معجم لاروس الصغير، كنت أعبر للأستاذ مناهيس عن عدم اقتناعي بشروحات لاروس، كنت أحس أن لغة الصحافة ومعها لغة السياسة تحتاج إلى معجم خاص ولكن البحث عن المعاجم الخاصة ، وخاصة لفهم العلوم.
  • الأستاذة هوبير،
  • الأستاذ مارلون جاص
  • الأستاذ العلمي دْرٍيدَبْ، مراسل جريدة “العلم” يومئذ، فقد كان لهذا الرجل دور كبير في تحبيب اللسان العربي للتلاميذ، فكان منهجه في تكثيف النص، وفي الإنصات والتركيز وفي صياغة المستخلصات المكتوبة من نصوص شفوية، وأخيرا في أسلوب إعادة الصياغة بلغة التلميذ، لقد كان لصرامته الوقع الكبير علينا.
  • الأستاذ مفتاح: (أستاذ اللغة العربية) رحمه الله
  • الأستاذ سالم يفوت رحمه الله
  • الأستاذ حسن الباهي أطال الله في عمره
  • الأستاذ فودة التونسي (أستاذ المواريث)
  • الأستاذ بلاجي المحتفى به أطال في عمره
  • أساتذة آخرون يمكن إعادة تدوينهم بما يلزم من التوثيق وهم كثيرون ـ يمكن لكل واحد من جيلينا أن يسهم في عملية التدوين والتوثيق وتنظيم المعلومات وأرشفة الصور
  • من الطاقم الإداري للثانوية وللقسم الداخلي فيها: المدير العربي عمور، الراضي، الحارثي، زايد أوحدوّ، بندريس،
  • الشكر الواجب:

بعد تقديم هذا القليل من أفضال المدرسة العمومية، لابد أن نشكر المؤسسة العمومية في كليتها على ما جادت علينا به، إذ بدونه وفي ظل ضيق ذات اليد، وربما العوز، ما كان للكثير منا جدّا أن يصل في لحظة مفصلية إلى شاطئ الخلاص؛

  • نعم هذه المؤسسة العامرة خرّجت ألوف الأطر المتنوعة التخصصات، استجابت لحاجيات مختلف القطاعات الحيوية ببلادنا. هذه الثانوية وفيها القسم الداخلي:
  • وفرت لنا ما يلزم من مقام لائق فيه قضينا ثلاث سنوات بالنسبة لكل فوج، إلا فيما قل، عشنا داخل بفضاء عام كنا نرى سماءه مستطيلة، ولا نرى غير هذه الهندسة إلا مرة أو شبه مرة في الأسبوع، أطرتنا بكفاءات بيداغوجية وعلمية رصينة، صادقة ومتعاونة،
  • قدمت لنا أطرا إدارية وتقنية، سهرت على مقامنا وخاصة بالداخلية وما يلحق بها من خدمات متنوعة داخل مختلف مرافق هذا الفضاء العام، وسهلتاستقرارنا، وضمنت لنا التركيز على التحصيل الدراسي.
  • انتقت لنا أجود الأطر التربوية كفاءة وصرامة ومناهج تكوين وتعليم؛ هذه الأطر البيداغوجية والعلمية غمرتنا بالحب والحرص والصرامة، فكانت جميعها تراقب تعليمنا، وتسهر على انفتاحنا على العوالم الممكنة في عديد من المجالات العلمية والتقنية وغيرها.
  • لقد رصدت لنا أهم أسباب النجاح، وبالنظر لإمكانات ذلك الزمن، أتحدث عن زمن تجاوز نصف قرن بالنسبة لجيلين على الأقل ممن سبقونا أو جاؤا بعدنا، هذه الأسباب وجدت لنكون رجال غد (أضحى اليوم أمسا) فكنا والحمد لله؛
  • نحن اليوم هنا، ومن داخل هذه المؤسسة العتيدة،جئنا حاملين ثقافة الاعتراف لنقول:
  • شكرا للمدرسة العمومية على امتداد هذا الوطن عبر هذه المؤسسة النموذجية يومئذ وحتى اليوم؛ نقول شكرا جزيلا لمختلف الأطر الإدارية والتقنية التي سهرت على تأمين مقامنا، وللأطر التربوية التي سهرت على تكوينان ونجاحنا، وإعطائنا أسباب الاستمرار، نحن نشكر كل شيء في المدرسة العمومية ونحرص عليه من معدات وتجهيزات ومستلزمات بيداغوجية وإدارية،
  • شكرا للأساتذة الذين زرعوا فينا حب المعرفة، ونقد المعرفة، وتطوير المعرفة، وفتحوا عقولنا على عوالم جديدة، فيها فهمنا الآخر، مفردا أو متعددا، حاورناه، عبرنا عن مواقفنا تجاهه، صارعناه وعارضناه، واكتشفنا في كل ذلك معاني الحرية والديمقراطية، ومفاهيم المشاركة والتشارك والقيادة.
  • وقد اكتسبنا ثقافة الاعتراف، فمن حق أساتذتنا علينا اليوم أن نتذكر عطاءاتهم المختلفة، وأن نذكرهم بكل خير وإحسان، ونريد لأعزّائنا الطلبة والطالبات، أن يعوا أن الزمان يمر بسرعة فلا يغفل أحدكم عن بدل كل الجهد من أجل التفوق والنجاح، وأن يؤدي الواجب اللازم إزاء مستقبله، وإزاء من أحسن اليه.
  • ليس علينا أن ننسى الخير بالمعنى المتداول شعبيا في ثقافتنا السائدة. أشدّد على مفهوم الخير لما له من حضور في مكنونا العام، إن هذا الخير، قلّ أو كثر، نفعنا في حينه أيّما نفع، وقد جهدنا بدورنا أن ننقله إلى أجيال متلاحقة، منذ حملنا المشعل إلى اليوم.
  • نحن لسنا ضد المدرسة الخصوصية اليوم لكن عند المفاضلة العامة، تستحيل المقارنة، وخاصة عندما تكون المؤسسة الخصوصية فضاءا مفتوحا بدون أية شروط معقولة من أجل الولوج والتكوين، سوى توافر الشروط المادية التي قد توجد عند أقلية قليلة طبعا.
  • نحن جيل التحدي، كما جاء في العنوان الفرعي، لهذا المؤلف في الذاكرة الجماعية لحقبة من مرور جيلين أو أكثر قليلا، فكم هي الأجيالُ التي مرّت من هذه المؤسسة العريقة، عدّدتها في مناسبة سابقة بالألوف، ألوفِ الخريجين من ثانوية الإمام مالك (الفقيه)، مقارنة مع الف واحد في النحو، صدر عن ابن مالك (النحوي)؛ ولكم أـن تعدّوها عدّا من البداية إلى اليوم لتتأكدوا من العدد.
  • من يقرأ ما جاد به بعض الإخوة وهم يتذكرون ما عاشوه في هذه المؤسسة من وقائع وأحداث متنوعة، يسجل أن نسبة كثيرة مما كتبوه هو في موضوع التحدي، لذا ينبغي الثناء على صيغة العنوان الفرعي للمؤلف، أعني: “جيل التحدي”؛
  • لماذا كنا وما نزال جيل التحدّي؟
  • لم يكن لأغلبنا الإمكانات المادية التي تسمح بهكذا ظروف من الاستقرار والعيش والتكوين، في فترة دقيقة من العمر،
  • كنا نردد في دواخلنا، واقتباسا من طارق ابن زياد، الجهل والتخلف وراءنا والنور والتقدم أمامنا، فليس لنا والله سوى الصبر والمثابرة والكد من أجل التفوق والنجاح، فكان لنا ما أردنا بمشيئة الله وعنونه،
  • نحن جيل تمسك بمثال “من سار على الدّرب وصل”، سار مستقيما وقاصدا ومناضلا؛ لقد كنا نكِدّ ونناضل في مختلف أماكن ومواقع وجودنا وعملنا، نقاوم بحزم دون كسل أو ملل أو تواكل، وهذا استحال مكسبا وسلوكا يلازمنا في كل شيء.
  • لم تكن بعض العبارات تخطر ببالنا، وأحرى أن نتفوه بها من قبيل: “لا ينفع التعليم في شيء”، في علاقة هذا الأخير بالكرسي وما يتعلق به، فهذه عبارة الكسالى والخاملين، الذين لا يدرون أن كل شيء يستعملونه في حياتهم اليومية أصله تعليم وتعلم وعلم،
  • لم نكن في عجلة من أمرنا،كنا نحترم المراحل اللازمة للتكوين والتمكن والتطور، فلم نكن لنقفز عليها باستعمال عبارة علاقتها بمفهوم الاختصار لا تقنع أحدا مثل: “آتيك من الأخير”، وهي لا تعني سوى الاتجاه المعاكس المؤدي للحوادث كما في قانون السير.
  • إن نتائج التحدي ومخرجاته، سمحت بتحقيق مهارات حياتية، عبر المعاينة والملاحظة والممارسة، اكتسبناها من الحياة، ولم نكن في حاجة لأن ندرسها ضمن وحدة تكوينية اليوم في المعاهد والجامعات المغربية عمومية كانت أم خصوصية.
  • نحن جيل تعلم المعارفsavoir وتطبيق المعارفsavoir faire، وكيفيات العيش savoir vivre ، وكيفيات الوجود savoir être، تعلم  هذه الأمور، بشكل ضمني في كثير من محطات الحياة.

توصيات في اتجاه لقاء لاحق:

عندما عنونت مداخلتي في المؤلف بعبارة” ألوف الإمام مالك”، إنما أردت أن يمتد النظر والتفكير ومعهما التذكر إلى الدور الكبير للمدرسة العمومية. اليوم ونحن نلتقي حول موضوع الذاكرة، نستحضر التجارب الفردية والجماعية؛ لكن يتعين هذه المرة أن نعاود النظر في تنشيط عملية التذكر، لِـ

  1. نستخرج لوائح بأسماء من رافقونا إلى هذا المدرسة نريد جردا لأسمائهم وأفواجهم وحتى المهام التي تقلدوها بعدما أصبحوا أطرا حاضرة وفاعلة في مختلف القطاعات العمومية على وجه الخصوص.
  2. اعتماد ما أنجز في الكتابين الأول والثاني ليكون نصّا لأرضية تصلح لتنظيم ملتقيات للبحث البيداغوجي والاجتماعي والنفسي والاقتصاد والتدبيري.. الخ. من هذه الأرضية تستخرج عناوين لموضوعات تُدرّس، عناوين لأوراش من مثل: ورشة المهارات الحياتية، ورش المهارات التواصلية، ورش التعلمات العمودية والأفقية. هذه الأرضية يمكن أن تعرض على متخصصين في السياسة والتربية وعلم النفس وعلم الاقتصاد والتدبير والقانون والتواصل.
  3. التفكير في تكوين مكتبة لقدماء الثانوية. شكرا والسلام عليكم.
Visited 100 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة