هل تنجح خطة بايدن لإنهاء مأسآة غزة؟
أحمد مطر
تتفاعل الأوساط السياسية والديبلوماسية بحرارة مع الخطة التي أطلقها الرئيس جو بايدن، حيث بدأ موعد إعلانها مدروساً بدقة من أجل إعطاء الوقت لرئيس وزراء إسرائيل والوزراء المتطرفين في حكومته، للتريث في ردهم خلال عطلة يوم السبت، والتفكير جدياً بأنه قد حان الوقت في التفكير في وقف هذه الحرب المدمرة، والتي قد تتحول بين يوم وآخر إلى حرب اقليمية واسعة، لا يرغب أي طرف السقوط في جحيمها..
في حمأة التصعيد الواسع الذي تشهده المناطق الجنوبية بين حزب الله وإسرائيل، والذي ينذر بتفجر الأوضاع الميدانية على نحو غير مسبوق، مع الدعوات الإسرائيلية لتهجير سكان جنوب لبنان، جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري على المسؤولين اللبنانيين، والتي تفاجأ بها عدد منهم، كونه لم يسبق أن وجهت أي دعوة للمسؤول الإيراني لزيارة بيروت. وهو أمر أثار الكثير من التساؤلات عن أبعاد هذه الزيارة التي تأتي في ظل الحرب الدائرة التي تشنها إسرائيل على لبنان، وفي ظل تهديدات مسؤوليها بعدوان واسع على لبنان، لإبعاد حزب الله إلى منطقة شمال الليطاني . وأشارت مصادر معارضة، إلى أن رسالة المسؤول الإيراني تبدو واضحة، وهي الاستمرار في سياسة بلاده الرامية إلى الزج بلبنان في أتون حروب المنطقة، واستخدامه منصة للرسالة الإيرانية ضد إسرائيل والغرب. وهو أمر يبعث على القلق، سيما في ظل إصرار طهران على سياسة “وحدة الساحات” في مواجهة إيران، والتأكيد على دعم حزب الله في حربه على إسرائيل، إلى جانب الفصائل الفلسطينية الموالية لإيران. على ما أكده باقري من بيروت، بأن المقاومة هي أساس الثبات والاستقرار في المنطقة.
وتعتبر المصادر، أن توقيت زيارة المسؤول الإيراني، مدعاة لقلق كبير، من مغبة أن يكون مؤشراً لاتساع نطاق الحرب بين حزب الله وإسرائيل، بعدما سبق لقيادة الحرس الثوري الإيراني، أن دعت حركات المقاومة الإسلامية إلى الاستعداد لخوض مواجهة واسعة ضد إسرائيل، ما قد يفتح الأبواب أمام مرحلة شديدة الخطورة ستواجه لبنان الذي يرزح تحت أعباء لا قدرة له على تحملها، من الشغور الرئاسي إلى تداعيات ملف النزوح، إلى تفاقم الأزمات المعيشية والحياتية التي ما عاد للبنانيين قدرة على تحملها، مؤكدة أن الخوف كبير من أن تعمد إسرائيل إلى القيام بضربة موجعة ضد لبنان، ترجمة لتهديدات قادتها، دون الأخذ بالدعوات الأميركية والفرنسية لضبط النفس، بعدما بدا بوضوح أن هناك سباقاً محموماً بين التصعيد والتهدئة على الجبهة الجنوبية التي تشهد ارتفاعاً مقلقاً بدرجة كبيرة في حدة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل.
وفيما لفت استخدام حزب الله لأسلحة نوعية جديدة في الأيام الأخيرة في حربه ضد إسرائيل، فإن أوساطاً قريبة من الحزب، أكدت أن الأخير أراد إيصال رسالة إلى جيش الاحتلال، بأن أسلحة الحرب الفتاكة لم يستخدمها بعد. وأنه سيفاجئ إسرائيل بأسلحة لا تتوقعها، إذا أرادت توسيع نطاق الحرب في الجنوب، وهذا ما على إسرائيل أن تدركه جيداً، بأنها ستدفع الثمن غالياً، إذا تجرأت بالعدوان على لبنان، لأن رد المقاومة سيكون صاعقاً ومدمراً ولن تكون هناك أي منطقة في الكيان الغاصب بعيدة من صواريخ المقاومة، مشددة على أن جبهة الجنوب ستبقى مشتعلة، ما لم يتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية.
وسط هذه الأجواء، وبعدما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أن الملف الرئاسي ليس مرتبطاً بما يجري في الجنوب، ما فسره البعض على أنه مؤشر لإمكانية استجابة الثنائي للمساعي الهادفة لتسهيل الانتخابات الرئاسية، وفي هذا السياق ياتي حراك رئيس اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط، بهدف إيجاد مساحات توافق بشأن الخيار الثالث، على أساس فصل الرئاسة عن غزة والجنوب والتزام اتفاق الطائف والقواعد الدستورية والتسليم بواقعِ التوازنات في المجلس النيابي، وفيما عرف أن الحراك الجنبلاطي يحظى بدعم من جانب باريس والخماسية، فإن أهميته تكمن في توقيته الذي حصل قبل أيام قليلة من موعد القمة الفرنسية الأميركية، وما يمكن أن يصدر عنها من قرارات بشأن الأزمة اللبنانية، وتحديداً ما يتصل بالملف الرئاسي، في ظل دعوات لتلقف المبادرة الجنبلاطية، والتفاهم بشأن إنجاز الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت.
واللافت أن مبادرة الاشتراكي الرئاسية، تأتي تزامناً مع زيارتين هامتين إلى الدوحة، الأولى قام بها النائب علي حسن خليل، موفداً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي كان تلقّى دعوة لزيارة قطر. والثانية، لوفد من حزب القوات اللبنانيّة، ضم النائبين ملحم الرياشي وبيار بو عاصي والدكتور جوزيف جبيلي.وسيعقد خليل والوفد القواتي، سلسلة لقاءات مع مسؤولين قطريّين، في إطار حراك الدوحة المتواصل لتذليل العقبات من أمام إجراء الانتخابات الرئاسية، بعد ما يقارب السنة ونصف السنة على الشغور الرئاسي. ومن المتوقع أن يزور العاصمة القطرية العديد من الشخصيات السياسية اللبنانية في المرحلة المقبلة، سعياً لأوسع توافق يحاول الجانب القطري تحقيقه حيال الاستحقاق الرئاسي، وضرورة إجرائه في وقت قريب.
ختاماً، إن بقاء الوضع السياسي في البلد في دوامة التأزم والفشل الحالي، يكشف حالة الإفلاس المخيف الذي يسيطر على هذه المنظومة السياسية، التي أكدت تجارب العقدين الأخيرين عدم قدرتها على تجاوز خلافاتها، والبحث عن حلول مناسبة لمشاكل البلد، ولو على طريقة الخطوة خطوة، ووفق مراحل مدروسة، يتم تنفيذها حسب روزنامة زمنية محددة، يتحمل كل طرف فيها مسؤوليته الوطنية، في إنقاذ البلاد والعباد من مهاوي جهنم التي أوصلوا البلد لها، فماذا ينتظر ساسة زمن الأزمات لتحمل مسؤولياتهم الوطنية، وولوج عالم الحلول الخلاّقة، قبل أن ينهار سقف الوطن فوق رؤوس الجميع، كما حذر لودريان من خطر سقوط الدولة في مستنقعات الأزمات المزمنة والمستعصية.
Visited 42 times, 1 visit(s) today