لا تسويات قريبة على الحدود الجنوبية
د. وفيق ريحان
الأوضاع الفلسطينية المتردية
في ظل الاقتراح الذي تقدم به رئيس الولايات المتحدة الأميركية “جو بايدن” بشأن وقف الحرب على قطاع غزة وإطلاق عملية تبادل الأسرى على عدة مراحل تمهيداً لوقف العمليات العسكرية مستقبلاً، والذي وافقت على مضمونه حركة حماس بوجه عام، غير أن حكومة نتنياهو لم توافق عليه بسبب اشتراط حركة حماس أن يؤدي هذا الاتفاق إلى وقف الحرب بصورة نهائية على قطاع غزة بعد إتمام صفقة تبادل الأسرى، الأمر الذي ما زال اليمين الإسرائيلي المتشدد يرفضه بصورة مطلقة، ويدفعون “نتنياهو” للاستمرار بالعمليات العسكرية على جنوب القطاع، ولو أدى ذلك إلى قتل “المزيد من المواطنين الأبرياء وأيضاً على جنوب لبنان، وتشديد الضغط على الفصائل الفلسطينية من أجل إطلاق الرهائن، واشتراط عدم تولية حركة حماس أية مسؤولية سياسية أو قيادية على قطاع غزة، بعد انتهاء الأعمال العسكرية، والتي تشكل جرائم حرب وأعمال إبادة جماعية متقطعة ومتمادية وتصعيدية، رغم القرارات الدولية ومناشدة غالبية أعضاء الهيئة العامة للأمم المتحدة الآيلة إلى وقف الحرب على قطاع غزة.
الأصداء الدولية للإنتهاكات الإسرائيلية
بالرغم من الإجراءات الإحترازية التي تطالب بها محكمة العدل الدولية وعملاً بقرارات المحكمة الجنائية الدولية بإدانة تلك الأعمال الإجرامية المنافية للمواثيق والأعراف والمعاهدات الدولية، من أجل وضع حد لتلك الأعمال وإدانة مرتكبيها وملاحقتهم من أجل تحقيق العدالة الدولية. إلا أن جميع تلك المحاولات لم تنجح حتى الآن في وضع حد لتلك المأساة التي إنتشرت أصداؤها في شتى أنحاء المعمورة، وجعلت الكيان الصهيوني على اللائحة السوداء بالنسبة لعدم الإنصياع للشرعية الدولية والتمادي في عرقلة تطبيق العدالة الدولية، بدعم وغطاء سياسي وعسكري ومالي من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين، بالإضافة الى قرار الكونغرس الأميركي الذي صدر مؤخراً بمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية في حال تعرفضها لحلفاء أميركا، مما لا ينذر قريباً بأية انفراجات سياسية أو عسكرية بالنسبة للمعارك المستمرة على أرض فلسطين، وحيث شكل ذلك أوسع موجة استنكار عالمية ضد هذه الممارسات الرعناء، واتساع دائرة الدول المؤيدة لقيام دولة فلسطينية لتطال 147 دولة حالياً، وانضمام اسبانيا إلى جانب دولة جنوب أفريقيا بالنسبة لوقف أعمال الإبادة الجماعية على قطاع غزة، والمطالبة بالإسراع في إتخاذ الإجراءات الوقائية والاحترازية لوقف النزيف الفلسطيني وإنهاء الحروب الهمجية على الضفة والقطاع من قبل الجيش الإسرائيلي.
أثر المعارك على الحدود الجنوبية في لبنان
لقد بات موقف حزب الله وأنصاره واضحاً وصريحاً بالنسبة لمناصرة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مما يعزز ارتباط الساحة الجنوبية بالساحة الفلسطينية بصورة شبه عضوية فيما خص الاشتباك مع العدو الإسرائيلي، كما يبدو واضحاً أيضاً، أن زيادة وتيرة العنف والهمجية الصهيونية على أهالي غزة في محاولة يائسة لتحقيق انتصارات عسكرية على أرض الواقع قبل الموافقة على صفقة تبادل الأسرى التي تقدم بها الرئيس الأميركي، ومن أجل فرض شروط سياسية وأمنية لصالح دولة الكيان بالنسبة لمستقبل قطاع غزة وشكل السلطة السياسية المستقبلية عليه، ودون إعطاء أي دور لحركة حماس على هذا الصعيد. فإن هذا التصعيد السياسي والعسكري في ظل عجز الرئيس “بايدن” في إقناع حكومة “نتنياهو” المتطرفة بتقديم بعض التنازلات لإنجاح صفقة تبادل الأسرى في ظل ميزان القوى الحالي، وتأجيل إجراء عملية تفكيك حركة حماس أو تصفيتها سياسياً الى وقت لاحق، أي الى ما بعد الانتخابات الأميركية المرتقبة بعد حوالي أربعة أشهر، مما سيزيد الأوضاع تعقيداً وتصعيداً عسكرياَ في هذه المرحلة.
ازدياد وتيرة التصعيد على الحدود الجنوبية
إن “سيكولوجيا” الحرب الدائرة اليوم مع العدو الإسرائيلي، لم يكن لها أي مثيل منذ العام 1948، وبالتالي فهو لم يعتد سابقاً أن يخرج مهزوماً من أية حروب مع العرب، بل هو يخشى أن يفقد هيبته العنصرية بالتفوق الدائم على محيطه سياسياً وعسكرياً بإعتبار أن جيشه لا يقهر. لذلك، فإن هذا العدو يعتبر أن هذه الحرب هي حرب وجودية بالنسبة لدولة الكيان، وإن خرج منها خاسراً ولو نسبياً، فإن ذلك سوف يهدد دون شك مستقبل هذا الكيان المصطنع، وهو لم يواجه حرباً إقليمية بهذا المستوى منذ العام 1967. لذلك، فإن وتيرة العنف والتصعيد سوف تنعكس أيضاً على جبهته الشمالية، حيث جرى تهجير غالبية سكان المناطق الحدودية مع لبنان، وتدمير مناطق عدة منها، مما يعتبر بمثابة العجز عن تحقيق الامن والسلامة لسكان تلك المناطق، ريثما ترسو معادلة الردع أو توازن القوى على أية تسوية سياسية أو عسكرية مستقبلاً، والتي سوف تسعى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين الى فرضها قبيل موعد الانتخابات الأميركية القادمة. لذلك كله، فإن صيفنا قد يكون ساخناً كما تنذر به جميع التوقعات الساخنة.