عبد العلي جدوبي 
 
     ألقت الحرب الإسرائيلية على غزة بظلالها على الانتخابات الأمريكية  المقرر إجراؤها في الخامس من نوفمبر القادم، أدت إلى اتساع الفجوة في المواقف داخل الكونغرس الأمريكي، حيث عادت ثنائية الاستقطاب الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى واجهة  الاحداث – كما جاء في مقال تحليلي لصحيفة نيويورك تايمز – التي أضافت أن الوضع الحالي دفع بمجموعات تقدمية داخل الحزب الديمقراطي إلى تشكيل ائتلاف للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، والحد من الدعم الأمريكي لإسرائيل.
ونظر للانقسام الحاد داخل الحزب الديمقراطي، فمن المتوقع حسب مراقبين من أن يتحول دعم جماعة اللوبي الصهيوني للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي صرح في أكثر من مناسبة بتأييده الكامل لإسرائيل،
وتخشى المرشحة الديمقراطية كمالا  هاريس من ضياع أصوات الناخبين النشيطين، الداعمين للحزب الديمقراطي، المعارضين للدعم الأمريكي للحرب التي تشنها إسرائيل على حماس في قطاع غزة ، ولهذا تقوم  هاريس بحملات دعائية مكثفة  للحفاظ  على حماسة الديمقراطيين، منذ دخولها السباق الرئاسي في 21 يوليوز الماضي.
ومما جاء في تقرير لوكالة رويتر، أن الرئيس الامريكي جو بايدن يحاول بدعم من الحزب الديمقراطي، التوسط منذ شهور لوقف إطلاق النار في غزة،  لكنه لم يفلح في هذا المسعى، بسبب تعنت نتنياهو، خصوصا وأن إطالة  أمد الحرب تخدم مصالحه الشخصية، فهو يريد المزيد من الوقت إلى حين إجراء الانتخابات الأمريكية، إذ يعول على فوز ترامب لتدعيم موقفه بالكامل.
وكشف استطلاع الرأي نشرت نتائجه جامعه (سييبا) بالتعاون مع صحيفه نيويورك تايمز عن تراجع دعم الأمريكيين المنحدرين من الشرق الأوسط وشمال افريقيا للحزب الديمقراطي، وتحاول كامالا هاريس كسب أصوات هؤلاء من خلال تصريحاتها الداعية إلى التوسط لوقف الحرب في غزة وحل الدولتين، وجاءت نتائج  الاستطلاع لصالح مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب بـ 57%، مقابل 35% لكامالا هاريس مرشحه الحزب الديمقراطي.
فبعد أن استعادت إسرائيل جثث ست رهائن لدى حماس من نفق في غزة، وجهت انتقادات حادة من طرف المتظاهرين الأمريكيين لسياسة بايدن المنحازة إلى سياسة نتنياهو، الذي يعمل على إطالة أمد  العدوان بذرائع مختلفة،  للتهرب من المساءلة القانونية، وخوفا من إسقاط حكومته التي فشلت في تدبير الأزمة منذ السابع من اكتوبر الماضي.
لقد قدمت واشنطن إلى إسرائيل مختلف الأسلحة العسكرية المتطورة ومساعدات مالية، حيث وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر الماضي على مشروع قانون يمنح بموجبه إسرائيل 26 مليار دولار، وكذا تزويد الكيان الصهيوني بالأسلحة وبالمعدات الحربية المتطورة، ووفرت الإدارة الأمريكية غطاءا  دبلوماسيا قويا في مجلس الأمن الدولي، من خلال استخدامها للفيتو لمنع تمرير مشروع  حل الدولتين ووقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية لأهالي غزة المحاصرين، ومقابل هذه الصورة، تخرج واشنطن لمختلف وسائل الإعلام العالمية لتقول إنها تبذل مجهودات كبيرة  وبوساطة، لإيجاد حل لوقف إطلاق النار، والوصول إلى اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين لدى الجانب الإسرائيلي!! وأن ما تقوم به إسرائيل من قتل ودمار هو بمثابة الدفاع عن النفس!! وهل الدفاع عن النفس يقتضي قتل أزيد من أربعين ألف من المدنيين، جلهم من الأطفال والنساء، وجرح أزيد من مائة وأربعين ألف، وأزيد من اثنى عشر ألف من المفقودين؟
قال ريتشارد شازدي أستاذ العلوم السياسيه بجامعة واشنطن لصحيفة الواشنطن بوست “إن  الحرب على غزة وكل ما يتعلق بها من ملفات لحقوق الإنسان ومأساة مقتل المدنيين، وتدمير البنيات التحتية وتجويع الأهالي، ومسألة الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، موضوعات كلها حاضرة بقوة في الانتخابات الأمريكية الرئاسية، ولأول مرة يكشف الانقسام حول الحرب على غزة بين الناخبين، مدى صعوبة تحديد مركز كل حزب من الحزبين المتنافسين، حيث برز  نوع من الخلل الوظيفي سواء على صعيد الكونغرس أو الإدارة الأمريكية أو الاحزاب ذاتها.
أما (غابري سوما) عضو المجلس الاستشاري للرئيس السابق دونالد ترامب، فقد أشار إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية، عادة لا تحظى سوى باهتمام 8%  الناخبين في الانتخابات الرئاسية؛ وحسب المحللين الأمريكيين، فإنه في الملف الفلسطيني إذا ما فازت مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس في الانتخابات، فإن الدعم الأمريكي لإسرائيل سيستمر مع استمرار وعود بحل الدولتين، دون رؤية تنفيدية مع إجراءات خجولة لمساعدات إنسانية، ولا توقف جرائم الإبادة الجماعية ضد أهالي غزة والضفة الغربية، وإذا ما فاز دونالد ترامب، فإن الوضع سيزداد سوءا، وتنتظر المنطقة مزيدا من التصعيد، خصوصا من رئيس لا يؤمن بدولة فلسطينية،  ولا بالأونروا، ولا حتى بحق الفلسطينيين في الوجود!! فما هو الحجم الحقيقي لتأثير السياسة الخارجية الأمريكية  على خيارات الناخب الأمريكي؟ وتحديدا في ظل الحرب على غزة ؟! وما هو مصير ما تبقى من سكان غزة، في ظل القتل المستمر والدمار الشامل؟؟ أين غاب ضمير العالم؟؟