هل هناك علاقة بين أحداث سوريا ووقف النار في لبنان؟
سمير سكاف
لا تبشر الأحداث في سوريا بالخير في المنطقة، وفي لبنان تحديداً، الذي يحاول نفض غبار ودمار الحرب! ومخيف هو التوقيت. ومجهولة هي الأهداف!أسئلة كثيرة قد يكون من المبكر التوصل لأجوبة عليها؛ ومنها: ما هو سر هذا الإستيقاظ المفاجىء للقوى العسكرية المعارضة لنظام الأسد؟! وهل المطلوب عودة أجواء الرعب وداعش إلى المنطقة؟ وهل هناك علاقة إسرائيلية – تركية بالموضوع؟ وهل المقصود هو إسقاط نظام الأسد أم إضعافه فقط؟
هل يتعلق الموضوع بسوريا وحدها، أم بسوريا ولبنان؟ وهل المراد، أو أحد الأهداف، هو قطع طريق إمدادات حزب الله بالصواريخ والأسلحة الإيرانية عبر سوريا؟
خاصة وأن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو كان قد حذر في خطاب إعلان الموافقة على وقف النار مع لبنان، حذر الرئيس السوري بشار الأسد من اللعب بالنار!
إن المؤشر الأساسي هو أن الحرب في المنطقة متنقلة وستبقى مشتعلة! ومن الضروري أن يعمل الشعب اللبناني معاً لتجنب مآسٍ جديدة، ولدفن موتاه، وللملمة أوجاعه ولتضميد جراحه…
“انتصار” الشيخ نعيم قاسم بين الإصرار والإقرار… وحسن الجوار! “
في إطلالة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خطاب “نصر” في لهجة هزيمة بحسب نصرالله! انتصار “عكس السير” في النتائج والمضمون لإرادة “سيد شهداء المقاومة” حسن نصرالله.
أما الخطاب في شق الانتصار، فهو غير مقنع إلا لجمهور حزب الله. وأما اللهجة فهي أكثر تعبيراً!
ولكن الجيد في الأمر أن الأمين العام الشيخ نعيم قاسم قد أنهى خطابه بتوجه إيجابي للتعاون في الداخل اللبناني، في السياسة، وتحت سقف الطائف.
في هذا الجزء من الخطاب يفتح قاسم أفقاً جدياً للمستقبل لخوض الحزب حياة سياسية، من دون سلاح الحزب، وباعتماده مع الجميع على الجيش اللبناني. هذا، الجيش الذي يحتاج دعم الجميع للنجاح في مهامه! وخاصة خلال فترة ال 60 يوماً الجارية، وقبل الوصول إلى ما يليها.
تهديد إسرائيل لم يعد هدفاً لحزب الله!
يدرك قاسم، في الوقت نفسه، أنه لم يعد بمقدوره لا الاقتراب من إسرائيل ولا تهديدها! لا العبور، ولا الصلاة في القدس، ولا رمي إسرائيل في البحر! وذلك بقرار شخصي منه وبتوقيعه، غير المباشر، على اتفاق وقف النار!
ولا يهم مفهوم الربح والخسارة لدى الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم. فهو يخاطب جمهوره بلغة المنتصر، مدركاً حجم الخسائر الفادحة التي تعرض لها حزبه باغتيال قائده الأول حسن نصر الله واغتيال قائده الثاني هاشم صفي الدين، واغتيال كل قادته العسكريين… والتي تعرض لها مقاتلوه وجمهوره أيضاً!
ومع ذلك، فالمقاومة ستستمر… ولكن في شمال الليطاني! وليس ضد إسرائيل!
فحزب الله في 27 نوفمبر 2024 أصبح ظلاً لحزب الله ما قبل 8 اكتوبر 2023. واقع سيصعب على الحزب وجمهوره وبيئته الاعتراف به والتعايش معه!
فتنة نجح اللبنانيون في تجنبها بأخوة ووطنية!
ومع ذلك، يعترف الشيخ نعيم قاسم أن وعي اللبنانيين منع الفتنة الداخلية؛ فكل القادة والأحزاب والأفرقاء بمختلف خلفياتهم الطائفية والمذهبية والسياسية أخذوا مواقف حاسمة برفض الفتنة، وبمنع وقوعها!
وعلى الرغم من بعض التشنجات، فإن الإيجابية تكمن في مؤشر على قدرة اللبنانيين على تجنب هذه الفتنة مستقبلاً، على الرغم من تصعيد اعتراضي شعبي لاحق لإقناع حزب الله بالتخلي عن سلاحه بالكامل، وبالانخراط السياسي لبناء الدولة ولبناء مقاومة قادرة على مواجهة العدو من خلال الجيش اللبناني.
والأهم هو عمل الجميع على استقبال المهجرين من بيئة حزب الله وتقديم الرعاية لهم كأبناء وطن واحد وعائلة واحدة! وقد يكون هذا الدرس هو أفضل المخرجات الايجابية لهذه الحرب التدميرية!
إتفاق “إذعان“!
في السياسة، اتفاق وقف إطلاق النار، إذا ما تمّ تثبيته، هو اتفاق “إذعان”! حققت به إسرائيل وببنوده القاسية جداً على حزب الله والتي وصلت إلى نزع سلاحه، أكثر مما حققته بالنار، وبمزيد من النار!
وقد حصلت إسرائيل على ما هو أكثر صعوبة على حزب الله من القرار 1701! اتفاق على المضمون، لم يتمّ توقيعه في الشكل بعد!
هذا ما يريده متطرفو إسرائيل!
في الداخل الإسرائيلي، كثير من المتطرفين يرون في وقف النار خسارة، أو عدم فوز، لإسرائيل. وذلك، ليس لأنهم يعتقدون أن حزب الله قد انتصر، بل لأنهم كانوا يريدون نتائج أكثر دموية ضد حزب الله وضد لبنان!
كان متطرفو إسرائيل، الذين جعلوا بتطرفهم رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرف بنيامين نتانياهو يبدو وكأنه “معتدلاً”، كانوا يريدون تحويل لبنان بالكامل إلى غزة ثانية! وهم على الرغم من حصولهم على الكثير الكثير من اتفاق وقف النار إلا أن أطماعهم كانت أكثر تدميرية بكثير!
نجحت إسرائيل بتحقيق مكاسب كثيرة بالتفاوض مع لبنان… من جديد! ومع ذلك، لم تظهر إسرائيل، في الاتفاق على الأقل، أطماعاً جديدة، لا في الأرض اللبنانية، ولا في الماء!
ولم تظهر إسرائيل لا إرادة ضم ولا اقتطاع لأي سم من لبنان جديد، خارج الأراضي المحتلة، أو المتنازع عليها في السابق! والتي يحتاج لبنان في بعضها لوثائق من سوريا لاستكمال ملفه في الأمم المتحدة!
علماً أن إسرائيل كانت حصلت بالتفاوض من قبل على هدية هائلة جداً، وعلى تنازل سيادي مخيف! وذلك، من الحكومة اللبنانية ومن خلفها من حزب الله! وحصلت على 1.450 كم مربع في البحر، هدية منهم، خلال ترسيم الحدود البحرية مع لبنان!
أولوية وقف النزيف الحاد!
ومع ذلك، يوقف الاتفاق الحالي، إذا ما استمر، يوقف نزيف لبنان، ويوقف خاصةً نزيف حزب الله الحاد جداً، بعد خسارته لشلال من الدماء والقادة والشهداء والجرحى والمنازل…
4.000 شهيد، و 14.000 جريح، وحوإلى 100.000 وحدة سكنية مدمرة، و1.200.000 مهجر خلال شهرين تقريباً… معاناة هائلة لحزب الله وللبنان، أي كل ما لم يكن يعاني منه الحزب واللبنانيين في 6 أو 7 أو حتى 8 اكتوبر 2023!!!
الشيخ نعيم قاسم أوقف الدعم والإسناد لغزة عسكرياً، وهو ما كان مستحيلاً للسيد حسن نصرالله! مع العلم أن كل طرق الدعم الأخرى لغزة كانت متاحة قبل 6 أكتوبر وبعد 7 و8 أكتوبر 2023 وستبقى متاحة بعد 27 نوفمبر 2024!
خروقات من دون غارات!
تقوم إسرائيل يومياً بخروقات لوقف النار، وتقصف بالمدفعية القرى الحدودية، وان كانت قد أوقفت الغارات الجوية التي دمرت العديد من المناطق.
هذا في حين يستعجل بعض سكان القرى الحدودية، التي ما تزال تحت السيطرة الإسرائيلية بالعودة إليها. وهو أمر غير مستحسن في هذه الفترة، مع تزايد التحذيرات و”التهديدات” الإسرائيلية بتغريدات أفيخاي أدرعي. وذلك، حفاظاً على سلامتهم، في حين أن العودة أصبحت متاحة للآلاف من العائلات في مناطق أخرى.
في هذه المرحلة، حيث الانزلاق وارد في كل لحظة، وحيث الأحداث في سوريا مريبة جداً جداً في أهدافها وفي توقيتها، قد يكون الجواب الأصعب للشيخ نعيم قاسم هو على السؤال المفضل لوليد بيك: إلى أين؟! أو للمخرجة نادين لبكي: وهلاء لوين؟!