الانقسام السوري وعبثية الأسئلة الخاطئة
نضال آل رشي
“السؤال الصحيح أكثر أهمية من الإجابة” لاوتسو
شهدت الأيام الثلاثة الماضية في شمال سوريا، وتحديداً في محافظتي حلب وإدلب، مواجهات جديدة عمّقت حالة الانقسام التي يعيشها السوريون منذ بداية الأحداث في عام 2011 وحتى اليوم. يبرز هذا الانقسام اليوم بوضوح، مُظهراً مرة أخرى كيف أن السوريين، بجميع أطيافهم، ما زالوا يطرحون الأسئلة الخاطئة عند كل حدث كبير أو مواجهة عسكرية جديدة.
عند كلِّ تطورٍ ميداني، يأتي السؤال المعتاد “ضد من يقاتل هؤلاء؟” غير أنّ هذا السؤال في جوهره لا يؤدي إلّا إلى نتائج مغلوطة ومواقف غير مدروسة، لا تساهم إلا في زيادة الشقاق وتعميق الفجوة بينهم. سؤال يركز على العدو، وليس على الهدف. سؤال خاطئ بناءً على إجابته، يُحدد كلّ طرفٍ موقفه، سواءً كان بالاصطفاف مع أحد الأطراف أو بإدانة ما يحدث.
هنا لابد لنا من أن نعيد صياغة السؤال بالطريقة الصحيحة، لنقول: “من أجل ماذا يقاتل هؤلاء؟”. إذا كان القتال من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية، ومن أجل تعزيز القيم الإنسانية واحترام التنوع والتعايش مع الآخر، ومن أجل الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها، فهنا يجب أن نقول: “أهلاً ومرحباً بالاصطفاف”. أما إذا لم يكن هذا هو الحال، فلماذا يجب علينا أن نضع رقابنا تحت رحمة من لا يؤمن بهذه القيم؟
ثم من قال إن الاصطفاف مع الفرقاء أمرٌ حتمي؟ الاصطفاف، إن كان ضرورياً، يجب أن يكون مع القيم والأفكار التي تعلي شأن البلاد وتصون كرامة العباد. غير ذلك، يجب أن نختار البقاء في النهر، نكافحُ للحفاظ على ما تبقى من هذا الوطن وننتظر الحلول التي ترضينا.
إنّ اللحظة الراهنة تفرض علينا أن نعيد النظر في أسئلتنا وفي طريقة قراءتنا للأحداث. ليس من الحكمة أن نستمر في طرح الأسئلة ذاتها، ثم ننتظر إجابات جديدة، كما قال أينشتاين: “الجنون هو أن تفعل الشيء ذاته مراراً وتكراراً وتتوقع نتائج مختلفة”. لعل الوقت قد حان لنبدأ بطرح الأسئلة الصحيحة، الأسئلة التي تجعلنا أقرب إلى الحقيقة، حتى وإن كانت تلك الحقيقة مؤلمة أو صعبة. أسئلة صادقة وجريئة تُعلي من شأن القيم والمبادئ، وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. لأن الاستمرار في هذا الدوامة لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام ومزيد من التشظي.