غياب البابا فرانسيس.. كان صوتًا ساميًا للسلام والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية

رضا الأعرجي
رحل عن دنيانا البابا فرانسيس، البابا رقم 266، وأول بابا من أميركا اللاتينية، والزعيم الروحي لـ 1.3 مليار كاثوليكي في العالم.
ما يهمنا بمناسبة رحيله الإشارة إلى تميزه عن كثيرين من رجال الدين، على اختلاف معتقداتهم، وكيف حظي بالشعبية الواسعة في الأوساط غير المسيحية وحتى العلمانية:
ـ كان، خلال بابويته التي استمرت 12 عاماً، من أشد المدافعين عن فقراء العالم ومحروميه، وناقداً لاذعاً لجشع الشركات وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، ووصف الرأسمالية الجامحة بـ”روث الشيطان”.
ـ بمجرد انتخابه بابا، في آذار- مارس 2013، أبرز فوراً أسلوبه المتواضع حيث استقل الحافلة بدلاً من السيارة البابوية، إلى فندقه، ودفع حسابه قبل أن ينتقل إلى دار الضيافة في الفاتيكان، متجنباً الشقق البابوية الفخمة. وفي أول ظهور إعلامي له، أعرب عن رغبته في “كنيسة فقيرة وكنيسة للفقراء”. وانتقد الإسراف والامتيازات في الفاتيكان، داعياً قادة الكنيسة إلى التحلي بالتواضع.
ـ عاش حياة بسيطة، وفضل الإقامة في شقة متواضعة بمساحة 70 متراً مربعاً تضم غرفتي نوم، على القصر الرسولي الفاخر، ودعوة المشردين والسجناء إلى طاولته.
ـ واصل، طوال فترة وجوده الأخير في المستشفى، اتصالاته الهاتفية بكنيسة العائلة المقدسة في غزة، وهو إجراء ليلي اعتاد عليه منذ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ـ عرف بدفاعه بلا كلل عن المهاجرين والبيئة والعدالة الاجتماعية.
ـ كان معارضاً قوياً للعنف والحروب وتجارة الأسلحة.
ـ كان سياسياً حاداً معروفاً بصراحته، وهو الذي قاد اليسوعيين ضد الدكتاتورية الأرجنتينية، في سبعينيات القرن الماضي. ورغم أن الكثيرين من اليساريين سعوا إلى اعتباره واحداً منهم، إلا أنه لم يكن من السهل تصنيفه يسارياً أو ليبرالياً أو محافظاً.
ـ عمل على إصلاح الكوريا (حكومة الكرسي الرسولي) وتطوير دور المرأة والعلمانيين في الكنيسة، وتنظيف مالية الفاتيكان.
ـ كان من أشد المؤمنين بالحوار بين الأديان، وخاصة مع الإسلام، ودافع عن كنيسة “مفتوحة للجميع” حتى النهاية.
ـ كان أكثر اهتماماً بـ”أطراف” الكوكب من اهتمامه بالدول الغربية الكبرى.
ـ عمل على مكافحة الاعتداء الجنسي على القاصرين في الكنيسة، وطلب رجال الكنيسة الإبلاغ عن الحالات إلى قيادتهم.
ـ أثار المناقشات حول العلاقات خارج نطاق الزواج وحبوب منع الحمل، وجعل الكثير من القضايا المتعلقة بالاختيارات الجنسية خارج حسابات الكنيسة.
ـ كان أكثر البابوات عشقاً للفنون وكرة القدم.
آخر ظهور للبابا فرانسيس، قبل رحيله عن 88 عاماً، كان أمس الأحد، على شرفة كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان، حيث عبر بصوت ضعيف عن تمنياته بـ “عيد فصح سعيد” لآلاف المؤمنين الذين تجمعوا هناك للاحتفال بهذه المناسبة.
وُلِد البابا فرانسيس باسم خورخي ماريو بيرغوليو في بوينس آيرس، الأرجنتين، عام 1936، وقد عانى، عندما كان في الحادية والعشرين من العمر، من التهاب رئوي حاد استلزم إزالة جزء من رئته اليمنى. كما عانى من عرق النسا المزمن الذي تسبب في عرجه بشكل ملحوظ، إلا أنه تمتع بصحة جيدة نسبياً حتى عام 2023، ففي ذلك العام تدهورت حالته الصحية بشكل كبير، واضطر إلى استخدام كرسي متحرك، وكان هدفاً للشائعات حول إمكانية استقالته، على غرار سلفه بنديكتوس السادس عشر.
وفاة البابا تؤدي، في العادة، إلى سلسلة من الاحتفالات الرسمية، التي تمليها التقاليد، وتخضع لقواعد دقيقة للغاية. ومن المقرر أن تستمر مراسم الجنازة لمدة تسعة أيام، إلى جانب فترة تتراوح بين 15و20 يوما لتنظيم اجتماع يضم نحو 130 كاردينالا ناخباً لانتخاب خليفة له. تم تعيين أكثر من ثلثيهم من قبل البابا الراحل.
من بين المرشحين المحتملين للبابوية ماتيو زوبي، الكاردينال الإيطالي التقدمي، وبييترو بارولين، الذي يعمل أمين سر دولة الفاتيكان، والكاردينال لويس أنطونيو تاجلي، من الفلبين. ويتوقع مراقبون أن يؤدي رحيل البابا فرانسيس إلى تفاقم الانقسامات الحادة داخل الكنيسة، حيث يسعى المحافظون إلى انتزاع السيطرة على الكنيسة من الاصلاحيين.
في هذه الأثناء، سيتولى الكاردينال الإيرلندي كيفن فاريل المنصب بشكل مؤقت.