مجلة (السينمائي) العراقية تحتفي بأفلام الكوميديا

عدنان حسين أحمد ـ لندن
صدر ببغداد العدد 19 من مجلة (السينمائي) المستقلة التي تُعنى بشؤون السينما العراقية والعربية والعالمية. وقد اشتمل العدد الجديد على 22 مقالة غطت الأبواب الثابتة للمجلة.
جاء في الكلمة الافتتاحية التي كتبها رئيس التحرير عبد العليم البنّاء بعنوان (منبر ومرجع سينمائي متخصص) أنّ الهدف الأول لمؤسسِ المجلة الكاتب والمخرج السينمائي سعد نعمة «هو سدّ ثغرة لدى متابعي فن السينما في العراق والوطن العربي بشكل عام» إضافة إلى «إشاعة وتكريس الثقافة السينمائية الرصينة بعيداً عن التوجهات الفضفاضة التي اعتمدها بعض المجلات هنا وهناك».
وفي باب الأخبار نقرأ (مبادرة دعم السينما العراقية) التي أطقلها رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني وتخصيص ميزانية تجاوزت الخمسة مليارات دينار عراقي لدعم وتفعيل الإنتاج السينمائي العراقي الذي يشمل إنتاج الأفلام الروائية والوثائقية الطويلة والقصيرة وأفلام التحريك (الأنيميشن).
تضمّن حوار العدد الذي أجراه محمد مجدي من القاهرة معلومات شافية ووافية عن الفنانة التونسية دُرّة التي حفرت إسمها في ذاكرة المتابعين التونسيين والعرب، كما سلّط الضوء على فيلمها الوثائقي (وين رصِرنا) الذي نجح عربياً وعالمياً.
ومن أبرز المحاور التي تناولتها درّة في هذا اللقاء بأنّ بدايتها كانت مع فيلم (هي فوضى) للمخرج الكبير الراحل يوسف شاهين، واعتبرت هذا الفيلم «محطة فارقة في حياتها الفنية» التي تتوهج سنة بعد أخرى.
كما تعلّمت الكثير من مخرجين آخرين من بينهم خالد يوسف ومحمد ياسين ورامي إمام. وبرغم أنها لم تحظَ بفرصة للعمل مع المخرج الراحل محمد
خان إلّا أنها تأثرت بطريقة عمله ورؤيته الفنية.
تتمنى دُرة أن تعمل مع المخرجة المعروفة كوثر بن هنيّة التي سجّلت حضوراً ملحوظًا في المهرجانات العربية والعالمية.
أمّا (ملف العدد) الذي يتصف كالعادة بثرائه، وعمقه، وسعة معلوماته فقد اشتمل على ثماني مقالات لثمانية كُتّاب ونقّاد ومؤرخين معروفين تحدثوا
فيها عن (السينما الكوميدية الهادفة) حيث تناول الكاتب والصحفي المُثابر عبدالعليم البنّاء في مقاله: «تستطيع الكوميديا معالجة كثير من القضايا الاجتماعية والسياسية والإنسانية بما فيها قضايا الفساد والمُفسدين ». وأكدّ على ضرورة «البحث عن وسيلة تمنح الجميع مساحة للتنفس واستعادة التوازن، فالضحك برغم بساطته يملك قدرة سحرية على التخفيف من وطأة الهموم وتجديد الطاقات.
رسم الابتسامة على الوجوه المُتعَبة
تناول د. صالح الصحن في مقاله المعنون (نحو سينماعراقية كوميدية هادفة) توقفَ فيه عند لطائف جحا، ونوادر الجاحظ، ومفارقات البهلول، وأخبار الحمقى والمغفلين عند ابن الجوزي، وحكايات الطفيليين عند الخطيب البغدادي. كما قدّم (جردة) كبيرة بأسماء الفنانين الكوميديين العراقيين والعرب والعالميين الذين استمتعنا بحضورهم الطاغي في صناعة الفرح ورسم الابتسامة على الوجوه المُتعَبة سواء من جرّاء العمل أم الفقر أم الحروب وما إلى ذلك حيث أشار إلى قائمة طويلة من الأسماء الكوميدية اللامعة منهم إسماعيل ياسين، فؤاد المهندس، عادل إمام، سمير غانم، دُريد لحّام، سليم البصري، حمودي الحارثي، راسم الجميلي، قاسم الملاك، محمد حسين عبدالرحيم إضافة إلى أسماء عالمية بارزة من بينهم تشارلي شابلن، هارولد لويد، وستيفن مارتن وأسماء فنية أخرى.
كما عزّز المقال بعدد من المقترحات المهمة مثل تأسيس مكتبة تضم الأفلام الكوميدية العراقية، وطالب بتوثيق سيرة الشخصيات التي كتبت ومثّلت وأخرجت في مجال الكوميديا محلياً وعربياً وعالمياً كمادة فنية ومعرفية تطلّع عليها الأجيال الجديدة.
سلّط الناقد السينمائي علاء المفرجي الضوء في مقاله المعنون (الفيلم الكوميدي الذي نسعى إليه) على ثلاثة أفلام كوميدية عراقية وهي (ستة على ستة)، (فايق يتزوج)، (حُب في بغداد) وركّز على ملحوظة مهمة جدًا مفادها أنّ هذه الأفلام، وأخرى غيرها، قد ركّزت على «إضحاك المُشاهد» من دون أن تتمكن من إرسال بعض الرسائل القوية التي يصعب الحديث عنها في بعض الحالات لكنها تكون مخيفة إذا جاءت على شكل طريف أو نكتة أو موقف مضحك.
ويرى المفرجي أن بعضاً من مخرجي الأفلام الكوميدية يتحايلون على شروط الرقابة وإن جاء هذا التحايل على حساب القيمة الفنية لما يقدّمه للمتلقي الذي لا يحتاج إلى النكتة لكي يضحك لأنه ربما يضحكه أكثر من ذلك طرافة الموقف أو عبثيته ليخفِّف من آلامه ومشاكله التي يصادفها في حياته اليومية. ولعل أهم ما جاء في هذا المقال الواخز هو انبثاق مؤسسات أخرى تأخذ على عاتقها لجم من يفكر أو ينتقد أو يبعث إشارة ما ليتناول ظاهرة (دينية، اجتماعية، اقتصادية) بشكل كوميدي وبطريقة قد تكون أقسى من الرقابة التي كانت موجودة في العهد السابق التي لجمت كل من يفكر أو ينتقد سياستها. ويعتقد المفرجي أنّ الكوميديا السوداء هي أحد أهمّ البدائل في صناعة كوميديا تقليدية.
يعتقد د. ماهر مجيد ابراهيم في مقاله (الفيلم الكوميدي والشكل والبناء) أنّ صناعة هذا النمط من الأفلام يحتاج إلى التدريب والمران لكتابة السيناريو الذي يعتمد على الموقف الدرامي، والمفاجأة، والمفارقة، وانتقاء شخصيات تحمل قيماً إنسانية إضافة إلى قدرتها الكوميدية أو التهكمية. ويمضي إلى القول بأنّ النوع الكوميدي هو الأكثر اقتراباً من روح السينما كونه وسيلة للتسلية ومنطقة ظلية يسترجع فيها الإنسان المُتعَب شيئاً من انتمائه الإنساني.
الضحك تنفيس للطاقة النفسية المكبوتة
يتتبع الدكتور علي صباح سلمان في مقاله (الكوميديا السينمائية- السخرية والإضحاك) ظاهرة شيوع التراجيديا والأعمال المأساوية التي يقدّمها المخرجون العراقيون، ويعزو ذلك إلى الظروف القاسية التي مرّ بها الشعب العراقي خلال العهود السابقة.
ويُعرّف الكوميديا بأنها «نوع أدبي، درامي يتخذ من السخرية والتسلية مساراً له عن طريق الحوارات الهزْلية والمواقف المضحكة التي تنتهي غالباً بنهايات مبهجة وتحظى بقبول جماهيري واسع، وتستأثر باهتمام كبير من قبل المشاهدين لطبيعة خصائص هذا القالب وقوة الجذب فيه، وقدرتها على الاستجابة لمتطلبات الحاجة النفسية». ويتوقف عند أرسطو الذي يرى «الضحك والكوميديا نوعاً من التطهير الذاتي» ويتمعّن بمقولة فرويد الذي «يعدّ الضحك تنفيساً للطاقة النفسية المكبوتة»، ويرى أنّ ما يضحكنا هو «هروبنا من ألم الحقيقة المُرّة» ويرى أنّ الشعب العراقي توّاق إلى المرح والسعادة والبهجة.
ويقسمّ الكوميديا إلى ثلاثة أنواع : كوميديا الموقف، وكوميديا الشخصية، وكوميديا السلوك.
لعل أهمّ ما جاء في مقال (الكوميديا سيدة الموقف) للدكتور سالم شدهان هو القصة التي أوردها عن الفنانة الأمريكية المعروفة لورين باكال التي كتبت مشهداً كوميدياً وأدّته أمام الطلاب بجدارة، وأضحكتهم كثيراً بينما ظل الأستاذ عابساً ومتجهماً طوال مدة العرض، وكان سبب تجهمه وغضبه أنها كانت تسخر من شخصية مصابة بعوق التلفظ وهذا لا يجوز لأنّ المَشهد الذي أدّته فيه انتقاص من شخصية معاقة. وثمة فرق كبير بين الكوميديا المضحكة والسخرية التي تنتقص من الكائن البشري وتقلل من قيمته الإنسانية العالية.
يسترجع الناقد الفني رضا المحمداوي في مقاله (غياب الفيلم الكوميدي..غياب الفن الصعب) مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية التي غاب عنها الفيلم الكوميدي ووصفهُ بالغياب الموجع ويعزو السبب إلى عدم وجود المؤلفين العراقيين لهذا النوع الصعب. ويورد أفلاماً كوميدية عدة: فائق يتزوج، السيد المدير، العربة والحصان.
يقترح المحمداوي إنتاج فيلمين كوميديين سنوياً أو فيلم كوميدي واحد في الأقل، ويدعو إلى إقامة مسابقة سنوية خاصة بتأليف الأفلام الكوميدية ورصد جوائز مالية مُجزية للأفلام الفائزة مع منحها فرصة إنتاجها سينمائياً. وإذا لم يتم تحريك إنتاج الأفلام الكوميدية فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه لهذا النمط الفني المُحبب إلى الجمهور العراقي.
يتألق الباحث والمؤرخ السينمائي مهدي عباس الذي بلغ رصيده حتى الآن 36 كتاباً سينمائياً في تقديم (فيلموغرافيا الأفلام الكوميدية العراقية) منذ عام 1962 وحتى الآن وقد بلغ عددها 17 فيلماً من بينها: مشروع زواج 1962 إخراج كاميران حسني، إنعيمة 1962 سيناريو وإخراج عبدالجبار ولي، الجابي 1968 سيناريو وحوار وإخراج جعفر علي، شايف خير 1969 سيناريو وإخراج محمد شكري جميل.
وفي باب (سينمائيون عراقيون جُدد) يكتب المخرج سعد نعمة عن المخرج ياسر كريم الذي أنجز حتى الآن أربعة أفلام قصيرة من بينها: مملكة النفايات، ودنيا، وينهمك حالياً بفيلمه الروائي الأول الذي يحمل عنوان (عين حرا) الذي تمتزج فيه الواقعية بالفنتازيا، ويؤكد بأن السينما العراقية ما تزال تعيش في «المرحلة العاطفية» وهي مرحلة حالمة وليست عملية، وذكر بأنه أفاد كثيراً من المخرجين عدي رشيد ومحمد الدراجي ومهنّد حيال ولا ينسى فضل الذين آزروه في مشروعة الفني الذي يتعمّق عاماً بعد عام.
يندرج مقال (السينما الكوميدية) للناقد السينمائي رضا الأعرجي ضمن (ملف العدد) لكن القائمين على المجلة وضعوه في باب (دراسات) وقد تتبع ظهور أول فيلم كوميدي يحمل عنوان L’Arroseur Arros أو (الساقي يسقي) للمخرج لويس لوميير وهو فيلم صامت مدتهُ 60 ثانية. كما تتبع عدداً من الممثلين الكوميديين المعروفين أمثال ماك سينيث، وتشارلي شابلن، وباستر كيتون وغيرهم.
وفي باب (دراسات) أيضاً يتناول المخرج والناقد السينمائي استناد حدّاد موضوع (السينما في غربي أستراليا) وبالذات في مدينة بيرث التي تنتج فيلما أو فيلمين في السنة تتراوح كلفتهما بين المليون إلى سبعة ملايين دولار أسترالي، وقد توقف عند بعض الأفلام المهمة مثل: الاقتراح إخراج جون هلكوت، والكباش لجيرمي سيميس، والكلب الأحمرلكريف ستندرز. وتشكل مقالات استناد حداد نافذة جميلة على الفيلم في القارة الأسترالية.
المقدمة الصعبة المُتبِعِة
تحتفي (السينمائي) بآخر ما كتبه المخرج والمنظر السينمائي قيس الزبيدي قبل أيام من وفاته لتكون هذه المادة مقدمة لكتاب (هذه السينما التي لا حدود لها) ترجمة وتأليف الناقد السينمائي صلاح سرميني ولكن الزبيدي تأخر في كتابة هذه المقدمة لانشغاله وتفاقم المرض عليه فأرفقها له برسالة يخوّله فيها الحذف أو الإضافة، وأعترف له بأنه كتب مقدمات كثيرة لكُتّاب ومخرجين لكنه لم يجد الصعوبة التي وجدها في هذه المقدمة التي أسماها بـ (الصعبة المتعبة). المقال طويل وغني بالمعلومات لذلك أنصح بالعودة إلى المجلة والاستمتاع بقراءة مقالاتها المتنوعة.
لا أحبِّذ الكتابة عن مقالي النقدي المعنون بـ (شواهد صامتة.. قراءة بصرية للنُصب والتماثيل الفنية ببغداد) الذي يتمحور حول فيلم (شواهد صامتة) للمخرج حيدر موسى دفار وأدعو محبّي الفن السابع للعودة إلى (السينمائي) ثانية كي يحيطوا بالتفاصيل التي وردت في متن هذا المقال النقدي المدبّج بعناية كبيرة.
وفي هذا السياق أشير إلى المقال النقدي الذي كتبه الناقد سمير حنّا خمورو عن فيلم (المحلف رقم 2) للمخرج المخضرم كلينيت إيستوود حيث تدور أحداثه في أروقة المحاكم.
يقرأ الدكتور عقيل مهدي كتاب (صناعة التزييف في السينما الأمريكية) كما تسلّط (السينمائي) الضوء على (الدليل الشامل للفيلم الروائي الفلسطيني الطويل) للباحث والمؤرخ المثابر مهدي عباس للمدة من 1947 – 2024 حيث يرصد 78 فيلماً روائياً طويلاً أنجزها 46 مخرجًا بينهم 12 مخرجة.
وتتابع الدكتورة ورود ناجي ثمانية أخبار فنية وتقدّم ملخصات مكثفة لطبيعة هذه الأخبار التي تطرز صفحات السينمائي لتمنحها المعلومة الطريفة والشائقة.
وفي مسك الختام يقدّم الدكتور جبار جودي (جردة حساب) تكشف بأنّ وزارة الثقافة والسياحة والآثار، ونقابة الفنانين العراقيين، ودائرة السينما والمسرح قد نجحت في تنظيم أضخم مهرجان سينمائي في تاريخ العراق وهو مهرجان بغداد السينمائي الأول 2024، ويعد القائمون على المهرجان العُدة لإطلاق النسخة الثانية من المهرجان وبمشاركة أوسع للسينمائيين العراقيين والعرب.
بالمناسبة، تتهيأ (السينمائي) لإصدار العدد 20 الذي يؤهلها للدخول إلى العشرية الثالثة، وقد استكتبت عدداً من النقاد السينمائيين والباحثين والأكاديميين للإدلاء بآرائهم، وتقديم وجهات نظرهم بأعداد المجلة التي وُلدت وترعرت وشبّت عن الطوق، وأصبحت على ما هي عليه الآن لكنها تتقبل النقد والرأي الآخر بقلب مفتوح، وأذرع حانية، ونيات طيبة للقائمين عليها وفي مقدمتهم رئيس التحرير عبد العليم البناء، ورئيس التحرير التنفيذي سعد نعمة، ومدير التحرير مهدي عباس وبقية هيأة التحرير الذين يعملون مثل خلية نحل دؤوبة.