هل فشلت الثورة المضادة..؟

عبدالناصر عليوي العبيدي
تشهد المنطقة العربية تحولات جذرية تطرح تساؤلات عميقة حول مصير “الثورة المضادة” التي قادتها قوى إقليمية ودولية لإجهاض تطلعات الشعوب نحو الحرية والعدالة. بعد أكثر من عقد على انطلاق “الربيع العربي”، يبدو أن موازين القوى بدأت تتغير، وبدأت انتصارات الشعوب تلوح في الأفق، مما يدفعنا لإعادة تقييم مسار الثورة المضادة ومدى نجاحها أو فشلها.
*سوريا: انتصار الشعب وهزيمة النظام الوظيفي
بعد سنوات من القمع والتدخلات الخارجية، حققت الثورة السورية انتصاراً ساحقاً على نظام الأسد، الذي لعب دوراً وظيفياً في حماية مصالح الدول العظمى وإسرائيل لأكثر من خمسة عقود. هذا الانتصار ليس مجرد هزيمة لنظام مستبد، بل هو هزيمة لمشروع الثورة المضادة التي سعت لإبقاء الأنظمة القمعية تحت ذريعة “الاستقرار”. سقوط الأسد يعني سقوط أحد أهم ركائز الثورة المضادة في المنطقة، ويفتح الباب أمام إعادة بناء سوريا حرة وديمقراطية.
*السودان: هزيمة الدعم السريع وانتصار الجيش
في السودان، حقق الجيش الوطني انتصاراً على قوات الدعم السريع المدعومة إماراتياً، والتي كانت أداة رئيسية في الثورة المضادة. هذا الانتصار يعكس فشل المحاولات الخارجية لفرض أنظمة موالية على حساب إرادة الشعوب. السودان الآن أمام فرصة تاريخية لبناء دولة مدنية تعكس تطلعات شعبها، بعيداً عن التدخلات الخارجية.
*اليمن: تراجع الحوثي وآفاق الانتصار
في اليمن، تتلقى ميليشيات الحوثي المدعومة إيرانياً ضربات موجعة، مما قد يكون بداية لانتصار الثورة اليمنية. إذا نجحت القوى الوطنية في توحيد صفوفها، فقد تلحق اليمن بركب الدول التي تخلصت من أدوات الثورة المضادة، وتعيد بناء دولة يمنية موحدة وقوية.
*ليبيا: نهاية حفتر وآفاق الوحدة
في ليبيا، يتراجع دور خليفة حفتر المدعوم إماراتياً، مما يفتح الباب أمام توحيد البلاد وإنهاء الانقسام. ليبيا، بثرواتها النفطية الهائلة، يمكن أن تصبح نموذجاً لدولة قوية ومستقرة إذا نجحت في تجاوز مرحلة الصراع المدعوم خارجياً.
*تونس ومصر: تحديات ما بعد الثورة المضادة
في تونس ومصر، حيث نجحت الثورة المضادة بدعم إماراتي في إعادة إنتاج أنظمة قمعية، يبقى التحدي قائماً أمام الشعوب لاستعادة مسار الثورة. تونس، رغم التحديات، ما زالت تمثل نموذجاً للمقاومة السلمية، بينما في مصر، يستمر النضال ضد النظام العسكري.
*الجزائر: استمرار النظام القديم
في الجزائر، استمر النظام على نهج بوتفليقة، مع تقارب أكبر مع إيران، التي تعتبر مصدراً للشرور في المنطقة العربية. هذا التقارب يعكس أزمة النظام في البحث عن حلفاء خارجيين لتعزيز بقائه، لكنه لا يلبي تطلعات الشعب الجزائري نحو التغيير.
*هل يبدأ ربيع عربي جديد؟
الانتصارات الأخيرة في سوريا والسودان ولاحقا اليمن قد تشجع على موجة جديدة من الثورات في دول أخرى. دول مثل **الجزائر** و**العراق** قد تكون مرشحة لحراك شعبي جديد، خاصة مع استمرار الأزمات الاقتصادية والسياسية.
*دور الإمارات: هل حان وقت المراجعة؟
الإمارات، التي قادت الثورة المضادة ودعمتها بمليارات الدولارات، تقف اليوم أمام مفترق طرق. استمرارها في سياساتها المعادية لحقوق الشعوب العربية لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار. الأجدر بها أن تعيد النظر في سياساتها وتدعم تطلعات الشعوب نحو التنمية والحرية بدلاً من القمع.
*لماذا تخشى دول الخليج من الثورات؟
رغم أن طبيعة وتركيبة دول الخليج تختلف عن الدول التي شهدت ثورات، إلا أن الخوف من امتداد الحراك الشعبي يبقى قائماً. هذا الخوف غير مبرر، خاصة أن شعوب الخليج تعيش في رفاهية نسبية مقارنة بباقي الشعوب العربية. بدلاً من دعم الثورة المضادة، يمكن لدول الخليج أن تلعب دوراً إيجابياً في دعم الاستقرار والتنمية في المنطقة.
*الخلاصة
الثورة المضادة لم تفشل فشلاً تاماً، لكنها تتعرض لانتكاسات كبيرة في عدة دول. انتصارات الشعوب في سوريا والسودان واليمن تعكس إرادة لا تقهر نحو الحرية والعدالة. المنطقة العربية تقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، قد تشهد موجة ثانية من الربيع العربي، تعيد رسم خريطة المنطقة بما يتوافق مع تطلعات شعوبها. السؤال الآن: هل ستتعلم القوى الداعمة للثورة المضادة من دروس الماضي، أم ستستمر في سياساتها الفاشلة؟ المستقبل وحده سيجيب.