“الرَّعوانية” في السياسة

“الرَّعوانية” في السياسة

اليزيد البركة

         لعل كلمة الرعوانية بحمولتها في الدارجة المغربية أتت من كلمة الرعونة في اللغة العربية، وتكاد تتطابق كلمة الرعواني مع مثل مغربي حول الجمل يقول “للي حرثو الجمل يدكو”. وهذا إذا كان يحرث طبعا، أما إذا لم يكن يحرث فإنه يدك ما يحرثه الآخرون.

بدأت الرعوانية السياسية تشق طريقها في المغرب منذ مدة ليست بالقصيرة،  وقد أصبحت لها اليوم، قدم في الساحة بمريدين ومنظرين يدفعون بها لأن يصبح لها موقع في الثقافة السياسية.

الشعب الفلسطيني تحت استعمار بشع منذ ما يقارب لمئة سنة، كلها قتل ودماء وتهجير ومذابح جماعية واغتصاب للأراضي، وهذا المشهد يتكرر عبر الزمن ويتصاعد ويزحف شيئا فشيئا، ومنذ البداية كل الحركات التقدمية في العالم الجديرة بهذا الاسم، وكل الشعوب المحبة للسلم والمناهضة للظلم والاستعمار ناصرت حق الشعب الفلسطيني وأيدت المقاومة بكل أشكالها. وكل الشعوب التي كانت تحت الاستعمار عرفت حركات مسلحة وحركات سلمية، وكل يقدم من التضحيات ما يستطيع، ولا يعقل أن نقدم نصائح لشعب تحت استعمار بشع بأن يختار المقاومة السلمية وحدها دون غيرها، إن لدى الشعب الفلسطيني قوى وعقول راكمت من التجارب السياسية وغيرها أكثر مما راكم أي شعب آخر.

في المغرب وقفت الحركة التقدمية واليسارية بقوة مع فصائل فلسطينية عندما رفعت السلاح ضد المحتل، ولم يكن هناك من كان له صوت مسموع محترم يعارض المقاومة المسلحة، إلا من كان قريبا من الرجعية، بعد اتفاق أوسلو ولما ظهر أن مسلسله انقلب عليه اليمين الإسرائيلي، ومعه تيار أمريكي يميني قوي، ولما أصبح الشعب الفلسطيني يعيش نفس الوضع الذي كان قبل أوسلو وأسوأ منه، مع المزيد من الاستيلاء على الأراضي، حدث تحول في مواقف الفصائل الفلسطينية، وبرز من مع المقاومة المسلحة ومن ضدها من جديد، طرف مصر على السير في نهج أو سلو، ولو توقف وطرف ابتدع أساليب جديدة في المقاومة المسلحة والسلمية.

الموقف التقدمي اليساري المغربي الواعي، لم يؤيد يوما حماس ويوقع شيكا على بياض، كان ينتقدها باحترام، نظرا لتضحياتها، لكن يحصل النقد أثناء الفترات التي تسكت فيها أصوات الرصاص من طرفها، لأن أصوات رصاص الاستعمار لم تسكت أبدا، لكن عندما تندلع الحرب، فإن الموقف الصحيح كان دائما هو الوقوف مع المستعمْر المضطهْد. موقفان خاطئان للرعوانية السياسية:

أولا، محاولة تدجين الموقف التقدمي اليساري المغربي الواجب الآن وفي الشروط الحالية من القضية الفلسطينية، في موقف تاريخي لما كانت فصائل محددة مع المقاومة المسلحة، كعقد وقدر لا مفر منه حتى ولو تخلت عن المقاومة أو ناهضتها.

الثاني، هو التلويح بأن حماس هي التي سببت المآسي والحروب واغتصاب الأراضي والإبادة.. وغيرها على الشعب الفلسطيني، ومحاولة التغطية على الحقيقة المرة، وهي أن مخطط الصهيونية يستهدف الشعب الفلسطيني ككل، حماس لا تحكم الضفة الغربية ولا تحكم القدس فما معنى ما يجري؟ ورغم تذلل الرئيس عباس فإن زعماء إسرائيل يصرحون ليل نهار بـ: لا لحماس ولا لفتح ولا لمنظمة التحرير الفلسطينية.

الموقف الواعي هو مع الشعب الفلسطيني، في أن نكون ضد من يستعمره ويغتصب أرضه ويقتل أبناءه ويشرده، من هو مع هذا الخط من الفصائل الفلسطينية نقف معه وندعمه، ومن يعارض هذا الموقف من تلك الفصائل دون أن يسقط في التعاطي مع المستعمر، نترك أمر ذلك الخلاف للتداول الداخلي الفلسطيني ونعمل قدر المستطاع على حله بالدفع إلى الحوار وألا نشجع على التطاحن.

إذن الوضع الفلسطيني يمر بمنعرج خطير ، ولا يحتمل أن نخبط فيه خبط عشواء.

Visited 17 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

اليزيد البركة

كاتب وصحفي مغربي