دار المغرب بباريس.. مختبر سياسي لثلاثة أجيال

دار المغرب بباريس.. مختبر سياسي لثلاثة أجيال
باريس- المعطي قبال
  لدى الحديث عن دار المغرب، الواقعة بالحي الجامعي بالمقاطعة الرابعة عشرة بباريس، علينا أن «نرد لسيزار ما لسيزار» والاعتراف بأن هذا الفضاء الذي تلاحقت عليه ثلاثة أجيال منذ تدشينه عام 1953 هو منتوج كولونيالي قبل أن يصبح معلمة مغربية. فقد صمم البناية وأشرف عليها الفرنسي ألبير لابراد (1883- 1978). عمل هذا الأخير ما بين 1915-1919 ملحقا بالإقامة الفرنسية العامة حيث كان مساعدا لهنري بروست، المهندس المعماري للجنرال ليوطي. كما أنه من أشرف على هندسة الإقامة العامة بالرباط والمنارة البحرية للعنق الدارالبيضاء. ومن بين إنجازاته العديدة في فرنسا دار المغرب التي اشتغل على تصميمها وبنائها لمدة 4 سنوات (1949-1953). وتعود فكرة تأسيسها عام 1949 للجنرال ألفونس جوان ودشنت عام 1953 بمدة قليلة قبل نفي السلطان محمد بن يوسف. وقد مر تسييرها بعدة مراحل: مرحلة التسيير الذاتي ما بين 1968 و1970 ثم مراحل الإضرابات عن الطعام، الاستيلاء على غرف الدار ثم مرحلة الإصلاحات.
   يكاد أغلب القاطنين الذين مروا بالدار أو الذين يسكنونها حاليا يجهلون بعضا من هذه المعطيات التاريخية. كما قد يجهلون بأن الحسن الثاني كان من وراء ترميم وإصلاح فضاء كان بؤرة فائرة لليسار بمختلف أطيافه السياسية. وقد كانت الدار شاهدا على مرور ثلاثة أجيال متباينة من المقيمين، فيهم الوطني، الماركسي، العروبي، التقدمي، الإسلامي والتكنوقراطي. شكلت هذه التشكيلة القسم الأهم من النخبة السياسية والثقافية المغربية التي صنعت مغرب القسم الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين.
  إلى الآن، تتوفر لكن بشكل متشظي، كتابات وخلاصات عن دار المغرب، لكنها كانت بحاجة إلى دراسة تحليلية ونقدية لذاكرة هذا المكان الذي يتحدث عنه اليوم الذين عاشروه بنوع من الحنين. يأتي مؤلف «دار المغرب بالحي الجامعي. مكان لذاكرة طلبة المغرب بباريس» الصادر عن منشورات ريفنوف من توقيع مصطفى بوعزيز وغيوم دينجلوس لمحاولة سد هذا الفراغ.
  مصطفى بوعزيز حاصل على دبلوم من السوربون ومن مدرسة الدراسات العليا ومن جامعة عين الشق. كما أشرف على إدارة المركز المغربي للعلوم الاجتماعية وكان مستشارا علميا لمجلة زمان.
  أما غيوم دينجلوس فهو دكتور في التاريخ، خريج جامعة السوربون ومتخصص في تاريخ المغرب العربي للقرن العشرين وتاريخ الدفاع الوطني الفرنسي. هذه الدراسة تملأ نسبيا ثغرة هذه الدار التي كانت حاضنة ليوطوبيا التغيير بل الثورة، مصنعا للحب والأحلام والخيبات. تاريخ الدار يحتاج أن يسرد في ألف حكاية وحكاية: من سهر الليالي البيضاء إلى النقاشات والمشادات اللانهائية، مرورا بحكايات الغرام العابرة.. وكانت الأسماء الثورية تسكن المكان: المهدي بنبركة، تشي غيفارا، هوشي مينه، كارل ماركس، لينين، ماو تسي تونغ، ياسر عرفات، جورج حبش، الثورة الفلسطينية، ألتوسير الخ… كانت هذه المرجعية زاد جيل بأكمله قبل أن تطفو على السطح أسماء سيد قطب، الشيخ ياسين، الشيخ بن لادن…تغيرت آنذاك المرجعية السياسية لتوافق المرحلة الجديدة وذلك بانبثاق الإسلاميين والإسلامويين. يشير المؤلفان إلى أن الهدف من تأسيس دار المغرب عام 1949 هو إخضاع الطلبة المغاربة للمراقبة من طرف السلطات الفرنسية، لكن الدار أصبحت وبالرغم من ذلك أحد الأمكنة المغاربية الصاخبة سياسيا بامتياز.      يأوي هذا المكان قرابة 300 طالب. ويبقى شهيرا بالمعمار والهندسة. غير أن أن الوثائق والأرشيفات التي يمكن أن تساعد الباحث على إعادة تشكيل ذاكرة المكان انفقد بعضها أو ضاع وبالأخص أرشيف لجان القاطنين خلال أشغال الإصلاح لأعوام 2002-2008 واستحالة تفقد ومراجعة الملفات الشخصية للقاطنين. لكن وبتقاطع عدة أرشيفات ووثائق من عهد الحماية إلى اليوم تم تجميع وتكوين قسم هام للتاريخ الاجتماعي والسياسي للمغرب. اعتبر القاطنون دار المغرب وطنا لهم. كانت من 1953 إلى 2001 مكانا للذاكرة، اندمجت فيه مختلف أجيال الشبيبة المغربية ، طلبة، قاطنون بحيث منحوه شكلا مميزا من خلال التظاهرات التي تستقبلها الدار.
   ابتداء من 1960 أصبح لاتحاد طلبة المغرب حضور ونشاط كثيف. وقد جعل الاتحاد، المعارض لسياسة الحسن الثاني آنذاك، من دار المغرب مقره الرئيسي وذلك إلى غاية 1980. دار المغرب هي مغرب مصغر بالحي الدولي، كما أن التكوين الاجتماعي للقاطنين هو عينة ممثلة للمجتمع المغربي. فيما مضى كانت الدار مختبرا سياسيا أما اليوم فهي مكان للإقامة بالمعنى السكني حيث للطلبة طموحات نفعية بحثة: التفرغ للدراسة بغية الحصول على الدبلوم الذي يفتح لهم أبواب الشغل. أما السياسة، في نظرهم، فيتبعها الغاوون!
Visited 1 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".