رحيل الحقوقي المغربي البارز عبد العزيز النويضي
السؤال الآن:
عمَّ الحزن والأسى الساحة الحقوقية والنضالية في المغرب، بعد الإعلان عن الوفاة المفاجئة للأستاذ الأكاديمي والمحامي الدكتور عبد العزيز النويضي، الذي وافته المنية ظهر يوم أمس، إثر أزمة قلبية ألمت به، في لحظة كان يستعد فيها لحوار مصور بمكتب الموقع الإلكتروني “ذو ڤويس“ في الرباط. أثناء التصوير، يروي مدير الموقع (يونس مسكين) “أخبر النويضي محاوره أنه يحس بوخز على مستوى الصدر، لكنه رغم ذلك قرر إجراء الحوار، قبل أن يطرق رأسه بكل هدوء ويسلم الروح إلى باريها”.
وقد أجمعت العديد من الفعاليات والهيئات المختلفة بكل الأطياف، على حجم الخسارة الكبرى التي رزئ بها المغرب في هذا الفقدان الأليم، فقدان رجل اعتبر من طينة الكبار، تمتع قيد حياته بحضور دائم، واستطاع “أن يضفي طابعا خاصا على كل مكان ومبادرة شارك فيها”. وهو “الحاضر دوما في مختلف المحافل الدولية دفاعا عن كفاح الشعب الفلسطيني وضد الاحتلال والأبارتهايد الصهيوني”.
كما وُصِف الراحل د. عبد العزيز النويضي بـ”صديق المعتقلين السياسيين والمطرودين النقابيين وكل المظلومين”، الذين دافع عنهم بكل شجاعة في المحاكم ولدى الدوائر الحكومية. ولم يتوان في تسجيل نيابته في ملفات القضايا المتعلقة بحرية الرأي والاحتجاج والتعبير، آخرها نيابته في ملف اليوتيوبر محمد رضا الطاوجني.
بذلك كان الراحل النويضي واحدا من رجالات النضال الحقوقي والديمقراطي في المغرب، ساهم من عدة مواقع في الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الضحايا المظلومين، وتحمل مسؤولية تاريخية في معالجة ملفات التعويض لضحايا سنوات الجمر والرصاص، كمستشار حقوقي للوزير الأول المرحوم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، فضلا عن تأسيسه للجمعية الحقوقية “عدالة”، وتوليه مهمة الكتابة العامة لـ”ترانسبرنسي المغرب” (الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة)، وعضويته ضمن “الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح القضاء”.
رافع الراحل النويضي وألَّف كتبا وأنجز دراسات ومقالات قانونية وحقوقية، بما اكتسبه وراكمه من كفاءة حقوقية وأكاديمية، عبر رحلة طويلة من الدفاع عن قيم الحق والعدل والحرية، رحلة امتدت على ما يزيد عن ثلاثة عقود، فكان بحق رجل حوار، عرف ببذله مجهودات كثيرة من أجل تقريب وجهات النظر بين مختلف الفاعلين، يذكر رفاقه وزملاؤه، أن الفقيد كان دائما يحاول “البحث عن نقط الاتفاق أكثر من الحفر في ما يفرق”. كما يشهدون له بالإخلاص والصدق: “كان لا يتحدث بلسانه وإنما بقلبه، مرات ذرف الدمع أثناء مرافعاته بقاعات المحاكم، منتصرا للحق بكل جوارحه”.
أما زميله ورفيقه المحامي محمود عمر بنجلون، فتحدث عن الإطار القيمي للفقيد، وهو إطار “تحمله شخصيات وهويات يستحضرها (النويضي) على الدوام، كالشهيد عمر بنجلون، والفقيد عبد الرحمان اليوسفي، والقائد العمالي نوبير الأموي، والمحامي عبد الرحيم برادة،. أو شخصيات كان يرافقها الفقيد على الدوام، كالمحامي عبد الرحيم الجامعي والأستاذ الجامعي محمد الساسي”.
وأضاف: “لقد كان النويضي “شخصية مركبة، تتقن المرح والبساطة والصرامة والشعبية والإيتيكيت في آن، يجتهد فقها وممارسة باحترام كبير لنضالات الرواد، يجعل من تغيير المواقع، وأحيانا المواقف، ميزة أخلاقية، كونها تعلن عن هدف الانتقال الجماعي للأفضل. وكان آخر انتمائه هو حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي”.
ونعاه صديقه الأستاذ الجامعي والحقوقي د. المعطي منجب بكلمة مؤثرة، نقتبس منها: “(…) دافع الراحل عنِّي وعن أصدقائي المتابعين معي، ليس فقط أمام المحاكم، ولكن كذالك أمام الرأي العام وفي الإعلام. هاجمه الإعلام المخابراتي وشهر به أيما تشهير. بل إنه أسرَّ لي لما اعتقلوا ابنه لينتقموا منه، بأن أحد معارفه من كبار النظام عاتبه على اعتقال ابنه، الذي لايمكن أن يُلام على التزامات الأب السياسية: “إن السياسة هي هاذي، وانت آصاحبي فين ما كان شي صحفي عدو الوطن أو شي أستاذ متطرف تبقى تدافع عليه… حقيقة لم يظلموك.. ولكن أعترف ظلموا ابنك“… “لنفس السبب، أي الدفاع عن المعارضين، هاجمه بالباطل وشهّر به كذلك بعض صغار “المحامين”، أو لنقل بعض من يدعون الانتماء للمحاماة، وهي مهنة الحق بامتياز… وأصبح الأستاذ النويضي موضوعا للتشهير وللضغط القضائي منذ مباشرته الدفاع عن أصحاب البيوت المشمعة، ثم (النشطاء الستة)، ثم عن الصحفي توفيق بوعشرين كملاحظ لصالح هيومن رايتس ووتش، وفي قضايا حقوقية أخرى… أتذكر أنه أصبح يعاني صحيا منذ اعتقال ابنه، بل إنه فقد 14 كيلوغراما بسبب الحزن والإحساس بالظلم، كما أصبح يتعب لما نتمشى كثيرا، وكنا نقوم بذلك بشكل منتظم منذ سنوات طويلة”.
حزن جارف خلفه رحيل الفقيد، وإجماع أعلنت عنه مختلف الفعاليات، تحدثت كلها عن “تميز الراحل النويضي ونظافة يده ونقاء سريرته”، وهو إجماع قلما يحدث أو يتكرر، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من سياسيين وحقوقيين وأساتذة وطلبة، من مسؤولين، ومن مواطنين بسطاء من عامة الشعب.