أفق: الأوصياء

صدوق نورالدين
ليس غريبا أن يولد البعض، وفي أفواههم، لربما أفواههن ملاعق من ذهب. تجدهم، تجدهن في كل مكان. هنا، هناك وهنالك. كأنهم يسابقون الريح. ـ أو كأن عجلة الزمن توقفت. فهم من يتحدث باسم الثقافة والأدب، ومن يغازل أوهام المتربعين على الكراسي، في حين أن لا أسماء لهم سواء هنا، هناك أو هنالك. ولدوا بدون أسماء. لا يكادون يغادرون الردهات. يطرقون أبواب المكاتب دون خجل بحثا عن سفر إلى أي مكان. هي ثقافة السياحة أو سياحة الثقافة.
ويحدث أن، فلا تجد لديهم ما يمكن أن يبرروا به وجودهم. يستبقون المواعيد حرصا على أن لا تفوتهم تظاهرة أو لقاء يمكنهم الظفر من الكعكة المقطعة بالتساوي. الأغرب أن يكون البعض طعن في الثمانين ويحلم بالموت على كرسي أو سقوط عابث، أو غيبوبة ينجو منها والعكس. يسافر المرض فيهم، ويسافرون مع المرض، ولا يرتدعون.
أما وهم يركبون قطار السفر القريب أو البعيد، فتضج صورهم عبر المواقع في مشهد وقوف أو جلوس والبسمة لا تفارق محياهم فيما صور أغلفة كتبهم تقول بأنهم ما يزالون يسودون بياضا ضجر منهم، وأنف من تكرار يسم ما يتوهمونه أعمالا أدبية يتسولون من ورائها من يمكنه الكتابة بحثا عن تلميع صورة وإعلان حضور في الخارج قبل الداخل. ثمة تنسج مكائد اللهاث خلف الجوائز. يسقط جدار الأخلاق في علاقته بالأدب. كم منهن. وكم من جائزة ضاعت في الطريق، بل ذهبت إلى من لا يستحق أن تعلن باسمه، بل اسم حاملها.
الأغرب أن ينقل الأوصياء حروب الداخل إلى الخارج. هناك ينشرون غسيل صراعات وهمية أمام أعين الغرباء ممن اعتقدوا أن أدبا مثل طليعة، يتهاوى اليوم باسم تفاهات لن تفيد واقع الأدب والثقافة. وبالرغم، فإن العرابين يريدون أن يتسيدوا المشهد ويظلون. يتدخلون لصالح هذا عند ذاك، ويتحكم الدهاة منهم بإدارة خيوط المؤتمرات والمعارض. يقصون من الأسماء من يريدون، ويستدعون من يبادلهم كأس الود المترع بالنفاق، في اعتقاد بأن الغنيمة كبيرة وليس أمام المريدين سوى التوقيع على دفتر غنيمة لا تخلف أثرا على شكل لباسهم، أو ثقافة يزعمون الحديث عنها. يتامى سيظلون دون خجل.
بيد أن وهم تخيلاتهم، يجعلهم يعتقدون بأنهم الأساتذة، والبقية طلبة أو تلاميذ ليس عليهم إلا الخضوع والاستجابة متى اقتضى المقام، وتحققت الدعوة.
وللحقيقة فإن كان البعض يقبل بلعبة الولاء لهؤلاء الأوصياء، فإن ثمة من يرفض فكرة خضوع المثقف للمثقف، الكاتب للكاتب والأديب للأديب، وإلا لم خيضت نضالات كبيرة غايتها الانتصار للحرية، حرية التعبير والوجود.
والآن، وقد انتهى الاحتفاء في ذروة تفاهاته، سيعود الأوصياء للاختفاء، منتظرين بارقة أمل ثقافي ينقضون عليها، أو كما قال صديق في مزحة بليغة، في انتظار أوان تبادل أسرى الثقافة. فإذا كنت دعوتك هنا، فأترقب أن تدعوني هنالك. وتظل الدائرة، دائرة.
أهو زمن التفاهة أم الابتذال؟