أمَّةُ اقرأ…!!

أمَّةُ اقرأ…!!

نجيب طلال

             هناك فيديو ينتقل من فرد لفرد، بدوري قمت بتوزيعه للعديد من الأصدقاء والزملاء. لكن المثير (في حدود علمي) لا أحد من مريدي وموظفي الفايسبوك الذين ينشرون أخباراً وصوراً على مدار الساعة، ترصد للفيديو وسعى قدر المستطاع أن يحلله أو يناقشه، علماً أنه يستحق التحليل. إذ فحوى الفيديو الذي ظهرت فيه سيدة أنيقة المظهر، بشوشة الوجه ومنضبطة في مخارج حروفها، لا أشك بأنها سورية الأصل مقيمة في الدنمارك.

مصدر خطابها من قلب مكتبة عامرة وشاسعة الأرجاء والأجنحة بالدنمارك، لأنها لم تحدد المدينة، بقدر ما حددت أجواء المكتبة التي تزورها باستمرار، وفي كل مرة تبحث عن جناح كتب لغة الضاد (العرب)؛ بحيث تلك المكتبة تخصص لكل دولة جناحاً لمنشوراتها: هناك أجنحة لرومانيا وجناح صربيا وجناح ألمانيا… إلا جناح العرب لم تجده، فاضطرت في زيارة أخرى لمساءلة أي عامل/ موظف في المكتبة، عن جناح أمة (اقرأ) فأحالها أحدهم للمشرف العام عن المكتبة:

– إذا سمحتَ، مرارًا أزور هاته المكتبة، ولم أعثر على قسم اللغة العربية، ولم أسألكم من قبل، احتراماً لكثرة القراء والزبائن التي تتعاملون معها يومياً.

– بخجل يا سيدتي، أقول لك: حذفنا جناح اللغة العربية، نظراً لأن لا أحد من العرب اقتنى كتاباً أو زار الجناح!!

– يا الله، يا جماعة اقرأ، أينكم.. أينكم؟

حوار مقتضب، يكشف عن ضعف وشلل لغة الضاد في مواجهة اللغات الأخرى، وثانياً نتبجح في الندوات والملتقيات بحماية اللغة العربية: كيف؟ والحوار كاشف ومختصر لحقيقة الواقع العربي، في دولة (الدنمارك) الذي ينعكس على الجغرافيا العالمية، وخاصة في عقر ديارنا: بأننا أمة لا تقرأ، لماذا لا نقرأ بالشكل المرتجى؟ أليست المعرفة سلطة وعبوراً نحو الألمعية؟ ألسنا أمة “ن والقلم وما يسطرون”؟ أكيد أن عدم المقروئية ليست وليدة اليوم بل هي تاريخية.

ولقد أشارت إليها العديد من المجلات العربية فترة الثلاثينات من (ق. م) ونحن نحدد خطابنا (في) [بلادنا/ المغرب]: لكن الذي يحير العقل ويصعب تفسيره، كأن الصورة طلاسم -مفادها- كثرة المطبوعات ونشر الكتب والدواوين والمجاميع القصصية… في غياب شبه المقروئية، تقابلها كثرة الكليات والجامعات والمؤسسات التعليمية، يقابلها إغلاق العديد من المكتبات، وبعض الكتبيين وأصحاب الأكشاك يواجهون شبح الإفلاس والإغلاق بسبب قلة الزوار وانعدام حس القراءة لدينا، وبالتالي: “فالأمة التي لا تقرأ تموت قبل أوانها” كما أشار [مالك بن نبي].

والأغرب من كل هذا هنالك مكتبات في دور أندية الشباب، تم إغلاقها وإتلاف محتوياتها من كتب ومجلات ودوريات؟ وهناك جمعيات متعددة تدعو للقراءة، وتسعى لتقريب الكتاب (نعم)، الكتاب الذي قال فيه الجاحظ كلاماً بليغاً في منجزه {المحاسن والأضداد}: “الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك، والمستمع الذي لا يستريثك، والجار الذي لا يستبطيك، والصاحب الذي لا يريد ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق، ولا يحتال لك بالكذب…” للتلامذة والشباب وتتجول في المؤسسات التعليمية لتحبيب القراءة ثم القراءة. أغلب أعضائها لا يقرأون، وهذا ليس حكم غيب أو حكم قيمة بل هي وقائع معاشة.

ومن الطرائف في مهرجان المسرح الوطني الذي يقام بمدينة (تطوان) مؤلفان يدعيان التأليف المسرحي، أعمالهما مسفهة مائلة للخطاب الحواري والمواخير، فمنذ المهرجان لم يزورا معرض الكتاب، ولم يقتنيا أي منهما كتاباً بشهادة “الكتبي” الذي كان هناك مشرفاً، ولقد اشتكى من ضعف بيع الكتب والتي كانت موازية للمسرح وشؤونه. ولاسيما أنني شخصياً كنت أراقب ذانك المؤلفين (؟) قبل بدء أي عرض مسرحي، فمن خلال تحركاتهما ونزقيتهما وسط الجموع، تشعر بأنهما يلهثان نحو جائزة التأليف (؟) غباء ما بعده غباء: هل انحطاط المستوى المعرفي الواضح في أعمالهما، والذي يكشف عن زيف الوعي الممزوج بالتخلف الفكري، يطمحان لجائزة (الوهم)؟ هكذا أغلبهم (!!).

هنا أستوضح تموقفي: بأنني لا أتحامل عليهما أو على غيرهما، لأنني لست “مشاركاً” اليوم وغداً في المسرح الذي يدعي (الاحتراف) ولا علاقة لنا بالدعم، بقدر ما قدمنا سلوكاً من سلوكيات اللا قراء، وهم يكتبون نصوصاً للمسرح، الذي تجمعنا به علاقة عشق مسرحي يوم انهار وتم اغتيال مسرح الهواة/ التجريبي ببلادنا من لدن المهرولين نحو الدعم.

شارك هذا الموضوع

نجيب طلال

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!