بعد حصولها على التطبيع.. هل تنصلت أمريكا من دعمها لسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية؟؟؟

بعد حصولها على التطبيع.. هل تنصلت أمريكا من دعمها لسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية؟؟؟

عبد السلام بنعيسي

   وصف محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2022، بأنه “منحاز بشكل صارخ لصالح أعداء الوحدة الترابية للمملكة”، مشيرا إلى أن “الدبلوماسية الأمريكية كانت تتوخى فيما مضى الموضوعية والحياد في تقاريرها حول المملكة، غير أن تقريرها الأخير خيب آمال المملكة المغربية لما تضمنه من افتراءات ومغالطات”. وأكد التامك في مقال نشره بتوقيع: مواطن مغربي، “أن الولايات المتحدة تراجعت بشكل غامض عن موقفها الإيجابي عقب إعلانها سيادة المغرب على صحرائه، حيث ذهبت وزارة الخارجية الأمريكية إلى حد اعتبار جبهة البوليساريو حركة تحرير، رغم علمها بأنشطتها الإرهابية ودعمها للإرهاب في منطقة الساحل جنوب الصحراء، واحتجازها لمواطنين مغاربة صحراويين في مخيمات مذلة لا تراعي أدنى مبادئ حقوق الإنسان”..

   لا يتحدث محمد صالح التامك هنا باعتباره مواطنا عاديا يدلي برأيه في قضية الصحراء المغربية، ولا يخاطبنا من موقعه كيساري عاش محنة الاعتقال السياسي في سنوات الرصاص بسبب توجهاته اليسارية، ومن منطلق القناعات المترسخة في نفسه، من حقبة انتمائه لليسار العالمي المعادي تقليديا للإمبريالية الأمريكية، التامك منحدر من الأقاليم الصحراوية، وكان عضوا من ضمن الشيوخ الأعضاء المكلفين بتحديد اللوائح الانتخابية التي يحق للمسجلين فيها التصويت في استفتاء تقرير مصير الصحراويين، الذي كان من المفترض إجراؤه سابقا. فالرجل على إلمامٍ جيد بملف الصحراء الغربية، ويتابعه بأدق تفاصيله، وهو موظفٌ سام ومقرب من دوائر صناعة القرار في المغرب، وكلامه لاشك في أنه له طبيعة رسمية، ويعكس خطابا، يراد له الوصول إلى الرأي العام المغربي، وإلى الجهة المعنية به التي هي: الخارجية الأمريكية.

   لعل التامك يعبرُ عن شعور بالقلق والغضب لدى الدوائر الرسمية المغربية، من الإدارة الأمريكية، كلام الرجل يعكس إحساسا من الدولة المغربية بأن كل الآمال التي علقتها الرباط على واشنطن للحصول منها على دعمٍ لموقف المغرب في سعيه للحفاظ على أقاليمه الصحراوية، وطي هذا الملف بشكلٍ نهائي، تبخرت وكان مصيرها الخذلان، فحين تمّ التوقيع على الاتفاق الثلاثي الذي قبل المغرب بموجبه التطبيع مع الكيان الصهيوني، أعلنت إدارة ترامب، بموجبه، عن اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، وقام الإعلام العمومي المغربي بالترويج لهذا الاعتراف الأمريكي، على أساس أنه المدخل الناجع لتأمين مغربية الصحراء، وأنه سيفضي بنا إلى القضاء النهائي على مساعي الخصوم الرامية لبتر الصحراء عن وطنها الأم.

   لقد خُلق الانطباع لدى المغاربة، بفعل الضخ الإعلامي الكثيف، أن المغرب سيتمكن، بدعم أمريكي، وبمساندة من اللوبي اليهودي المغربي، من طرد الجمهورية الصحراوية من الاتحاد الإفريقي، وتضخَّم الحلمُ لدى الكثيرين، إلى درجة صاروا يتوهمون أن أمريكا قد تبادر إلى تصنيف البوليساريو حركة إرهابية، وستضغط على كافة الدول المعترفة بها لسحب هذه الاعترافات بها، وستفرض على البوليساريو الحصار، وتمنع عنها الحصول على أي إسنادٍ مهما كان نوعه، وأن هذه الحركة الانفصالية، ستنحصر، وتذبل وتنطفئ تدريجيا، وسيتم إنهاء مشكل الصحراء بتكريس كونها مغربية، ليتفرغ المغرب لإنجاز تنميته، وتحقيق إقلاعه الاقتصادي، في ظل وحدته الترابية التي قدم الغالي والنفيس من أجل صونها.

   لكن حين تصف الخارجية الأمريكية اليوم البوليساريو بأنها حركةُ تحرير، فهذا يعني أن واشنطن لم تكتف فقط بالتنصل من الالتزامات التي أبرمتها مع المغرب في الاتفاق الثلاثي، يبدو أن الإدارة الأمريكية، انضمت إلى صفوف خصوم الوحدة الترابية المغربية، وباتت إلى جانبهم، فالتصريح بكون البوليساريو حركة تحرر، يعني اعترافا أمريكيا ضمنيا بهذه البوليساريو، وبأنها طرف معني بما يجري في الصحراء، وقد يكون هذا الاعتراف مقدمة لبدء حوار أمريكي معها، يكرسها حالة تفاوضية قائمة، يتعين الركون إلى رأيها في كل قرار يُتخذ في ملف الصحراء المغربية.

   وبطبيعة الحال، فإنها بتصنيفها، البوليساريو، حركة تحرر، لا تبغي واشنطن الإنصاف، وإحقاق الحق، فأمريكا لا ترعى ولا تروج إلا للباطل، وقد لا تكون تخطط لدعم انفصال الصحراء عن المغرب، وإنشاء دويلة في جنوبه تصبح تابعة للجزائر وتحت نفوذها، واشنطن تنفذ السياسة المرسومة للمنطقة، وفقا لما تقتضيه المصلحة الأمريكية العليا، بعيدا عن مصلحة الدولتين معا، المغربية ونظيرتها الجزائرية، وواهم من يتصور، سواء كان مغربيا أو جزائريا، أن أمريكا ستسنُّ سياسة في المنطقة تكون لصالحه، وليس لفائدتها.

   الإدارة الأمريكية لا تريد لملف الصحراء الغربية أن يطوى ويركن في الزاوية، إنها مع استمراره جرحا غائرا يستنزف طاقات دول وشعوب المغرب العربي الكبير، فلو كانت أمريكا تريد لهذا المشكل أن يُحلَّ لفائدة المغرب أو الجزائر، لكانت قد ضغطت من أجل حله، في الاتجاه الذي تريده، في فترة التسعينات من القرن الماضي، ومباشرة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وعقب حرب إخراج القوات العراقية من الكويت، حيث كانت أمريكا تقود العالم بمفردها، بالإكراه والقوة، ولم يكن أحد قادرا على ردِّ كلمتها.

   الدولة المغربية وقّعت على التطبيع مع الكيان الصهيوني مراهنة على أمريكا في مساعيها طي ملف الأقاليم الصحراوية، لكن الأحداث تثبت أن الإدارة الأمريكية ليست منشغلة بحل هذا الملف، إنها أخذت من المغرب التطبيع وكشفت عن وجهها السافر في أنها مع بقائه على حاله، أطول مدة ممكنة، ما دام آلية من آليات السيطرة على المنطقة، وكما قال العلامة أحمد الريسوني، مشكلة الصحراء صناعة استعمارية. ومن العبث التعويل على دعم الإمبريالية الأمريكية وربيبتها الصهيونية العالمية لحل هذه المشكلة. طيّها يقتضي الاعتماد على الذات، ويستوجب القيام بالإصلاحات الدستورية، والسياسية، والقانونية، والاقتصادية، لتجنيد طاقات الشعب الخلاقة، وتوظيفها التوظيف الجيد للحفاظ على وحدته الترابية.

   الدولة المغربية تحظى، في ملف الأقاليم الصحراوية بالتفاف شعبي حولها لا ينضب، الرأي العام المغربي يساند الدولة في هذه القضية مساندة تامة ومطلقة، لإيمانه الراسخ بعدالتها، ولكن صانع القرار السياسي في المغرب يبدد هذا الالتفاف الشعبي، ولا يجيد توظيفه، لقد صار من اختصاص حفنة من الناس يدبرونه كما يحلو لهم. الإجماع حول مغربية الصحراء، حولوه، بالإرغام، إلى إجماع، حول كيفية تدبيرهم للملف، والنتيجة ها هي أمامنا، بيضنا الذي وضعناه كله في السلة الأمريكية، انكسر أمامنا، وباتت واشنطن تصنف اليوم البوليساريو، التي يعتبرها المغرب حركة انفصالية، وإرهابية، تصنفها، حركة تحرير. فمن هم الذين يحاسبهم المغاربة على هذا المآل الذي انتهت إليه قضيتهم، بين الأيدي الأمريكية؟؟؟؟

شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *