حين زارت فاتن حمامة بيروت عام 2001 وفكرت في فيلم عن الجنوب

حين زارت فاتن حمامة بيروت عام 2001 وفكرت في فيلم عن الجنوب

فاطمة حوحو

يوم 17 يناير  ـــــ كانون الثاني 2015 وعن عمر يناهز 83 عاما، غابت سيدة الشاشة العربية، التي أغنت السينما بـــ 94 فيلما من افضل الانتاجات، ومسلسلات ما تزال تجد لها مساحة في عروض محطات تلفزيونية، لا تبخل على المشاهد بتقديم أعمال الكبار.

التقيت فاتن حمامة في العام 2001 عندما حضرت إلى بيروت لمناسبة نيلها جائزة المرأة العربية، وزرات الجنوب اللبناني وقد رافقتها آنذاك في تلك الرحلة حيث اعتبرت تكريمها في لبنان تكريما لكل إمراة عربية وعاشت أياما قليلة تستذكر بحب الأماكن التي مثلت فيها أفلاما مع اهم الممثلين والفنانين المصريين والعرب.

بحسب قولها آنذاك، لم تكن فاتن حمامة تتوقع الاحتفاء اللبناني بها “والحب الذي قوبلت به. منذ زمن وأنا أفكّر في زيارة لبنان، بيروت بالنسبة الي عزيزة وأحبائي كثر في هذه المدينة، لكنني في زيارتي هذه تعرفت على أشخاص وشعرت منذ اليوم الأول أنهم أصدقائي، الحب هو تكريم لوحده والتكريم الذي نلته بجائزة المرأة العربية كان أجمل ما نلته في حياتي، شعرت أن كل امرأة توجتني بهذا التكريم وبالجائزة، التي لها معنى كبير، أحسست حقاً أنني قمت بعمل لمصلحة المرأة، وبخطوة تصب في مصلحة المرأة العربية.

في معظم أفلامها دافعت فاتن حمامة عن المرأة وعرضت مشكلاتها فهي الشخصية المستقلة، المسؤولة، الرومانسية، وهو ما يمكن استكشافه في افلام مثل الباب المفتوح الذي يحكي عن فترة الأربعينيات وبالتحديد وقت الاحتلال البريطاني، مرورًا بحريق القاهرة وثورة 52 والعدوان الثلاثي، فتعبر بطلة الفيلم “ليلى” التي مثلت دورها فاتن حمامة عن حال الكثير من الفتيات في هذه الفترة ورغبتهن في التمرد عبر المشاركة في المظاهرات ولكن تنصدم برأي والدها الذي يرفض ذلك، ثم تجدها تنصدم بآراء منفتحة من جانب صديق شقيقها وفي النهاية، يدفعها الأخير لمحاولة البحث عن ذاتها المستقلة البعيدة عن سطوة المجتمع وأفكاره.

ومن منا لا يذكر فيلم إمبراطورية ميم حيث جسدت فاتن شخصية الأم العاملة في حقبة السبعينيات وربة المنزل، والمسؤولة عن تربية الأبناء المشاكسين ذوات الأعمار المختلفة، ورأيناها في سياق الفيلم الشخصية الحاسمة القوية التي لا تعرف الهزيمة في الحرب التي أوقعها القدر فيها.

أما فيلم “اريد حلا” فكان صرخة ودعوة الى ضرورة تغيير قانون الاحوال الشخصية وتعديله لصالح المراة واعطائها حق الطلاق والخلع من الزوج الفاسد والعنيف، وقد هاجمه التنظيمات الاسلامية بإعتباره منافي لمبادىء الشريعة.

كذلك كان فيلم “ليلة القبض على فاطمة” من اجمل أفلامها،  ملخصه كان في المشهد الأخير عندما أطلقت البطلة صرختها بكلمات “اتكلموا قولوا الحق متسكتوش.. ميضعش حق وراه مطالب”.

سألت فاتن حمامة عن أفلامها التي عرضت واقع المرأة، وأجابت بأنها كانت تتحمس لهذه الأدوار، “مثلاً دوري في فيلم “أريد حلاًّ” ليس دوراً يسعد ممثلة. المهم ليس الدور. المهم المعنى الذي توحي به الرواية والأسلوب الذي نوصل به معناها الى الناس، والرسالة التي نقدمها للرجل وندعوه للتعاطف معنا ومع مشكلاتنا وقضيانا”.

وأشارت الى التغيير الذي حصل في واقع المراة وظهر في أمور كثيرة. وبرأيها أن “المرأة العربية قوية ونعرف ما تريد، وفي اي موقع وجدت فيه تعمل بجدية واخلاص لأن هذا الموقع يشكّل لها تحدياً في حياتها، هي لا تقوم بعمل وظيفي فقط بل تحاول ان تقوم بعمل جيد بأمانة وثقة”.

لكن فاتن حمامة لم تكن مع فكرة إنتاج أعمال سينمائية تتوجه الى المرأة وتعالج قضاياها، إذ قالت لي: “الفيلم فيلم سواء كان موجهاً الى المرأة او الرجل، العمل الفني يجب ان يكون عملاً فنياً موجهاً للجميع، سواء كان هذا العمل في السينما ام في التلفزيون، المهم ان نوصل رسالة نود ان نوصلها. هناك رجال كثر كتبوا سيناريوات عن واقع المرأة بشكل جيد، طبعاً عندما تكون الكاتبة سيدة تعبّر بإحساسها عن المرأة لأنها تشعر بها أكثر، انما الحديث عن سينما خاصة بالمرأة وغيرها خاصة بالرجل، غير مقبول”.

ولكن هناك مخرجات قلن انهن يقدمن سينما المرأة؟ فتجيبني: “انا رأيي عليهم القول انهم يقدمون للجمهور فناً سينمائياً فقط”.

وعما اذا كانت السينما إستطاعت مواكبة التغييرات الطارئة على اوضاع المرأة العربية مثل الفيلم الذي قدمته في العام 1997 “ارض الاحلام” ، توضح فاتن حمامة: “بصراحة دوري كان أُماً راغبة بالاستقرار في بلدها. لكن ضغط الأولاد علي كان كبيراً من أجل السفر وتدبير أمورهم، أي الاولاد أحياناً يجبرون أهلهم على خيارات لا يريدونها. يريدون مثلاً ان تضحي الأم حتى ولو بعدت عن اهلها. وفي الختام تستطيع الام تحقيق ما تريده والاستقرار في حياتها”.

من أشهر المسلسلات التي قامت بتجسيد البطولة فيها كان مسلسل “ضمير آبلة حكمت” الذي أدت فيه دور مديرة مدرسة تعالج مشكلات الشابات، وهو اكد على مقولة أن العلم والتربية لا يزالان أساسيين في ترسيخ القيم في مجتمعنا العربي، وهنا أكدت فاتن حمامة في حديثها، “أن الكاتب اسامة انور عكاشة أراد ابراز مشكلات التعليم والقول بأن المعلم عليه ان يتعلم قبل ان يقوم بتعليم الآخرين، اي ان يكون مؤهلاً لذلك. في مصر كان هناك مشكلة كيفية رفع مستوى الأساتذة وتدريبهم لعطاء أفضل، لانهم مسؤولون عن العلم والاخلاق”.

تمنت فاتن تجسيد عمل عن لبنان وقالت “ليت ذلك يحصل. فهناك الكثير من القصص الواقعية الانسانية التي تحاكي الحقيقة ولا بد ان تكون موضوعاً لفيلم عن الجنوب مثلا”.

أستدرك لكنك لم تمثلي سابقاً افلاماً سياسية؟ فردت: “ليس من الضروري ان يرفع الفيلم شعارات كبيرة، المهم ان تكون الحكاية بسيطة وشعبية وقريبة من الناس”.

وسالتها هل تقرأين اليوم رواية ما قد تحولينها الى عمل سينمائي؟ فأجابت: “اليوم تفتحت امامي رؤية رواية عما حصل هنا في جنوب لبنان”، لكنها لم تكن تحب إستباق الأحداث فأحيانا “يمكن ان تبدأي في التفكير برواية ما وقد لا تصلين بها الى الطريق الصحيح”.

وعمن أعطاها فكرة الفيلم، قالت: “سيدات الجنوب اللواتي سمعتهن يتحدثن عن تجربتهن. شعرت انهن صادمات وقويات سواء كن من الطبقة الغنية او المتوسطة او الفقيرة. وشعرت انهن يد واحدة. رأيت اليوم نماذج نسائية من اجمل ما يمكن واوحينّ الي بعمل ما”.

وبعيدا عن ذلك سالتها عن دور المرأة الذي قامت بتمثيله وترك فيها اثراً؟

فردت فورا: “دور عزيزة في فيلم “الحرام”.

وفي تقويمها للسينما المصرية رأت أن “هناك تراجعا عاما في الاعمال السينمائية في مصر وكذلك في ايطاليا وانكلترا وفي فرنسا، لان التلفزيون سرق المتفرج، وحتى شاشات السينما أصبحت تشبه شاشات التلفزيون، هناك ازمة ليست مصرية او لبنانية انما عامة”.

فاتن حمامة ولدت يوم 27 مايو ــــ أيار 1931 في السنبلاوين إحدى مدن محافظة الدقهلية. في صغرها، فازت بجائزة أجمل طفلة في مصر، فأرسل والدها صورتها إلى المخرج محمد كريم، الذي كان وقتها يبحث عن طفلة تمثل بجوار الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب في فيلمه “يوم سعيد” (1940)، لتظهر حمامة على شاشة السينما وسنها لا يتجاوز 9 أعوام، ثم شاركته أيضا فيلمه “رصاصة في القلب” بعد 4 أعوام، وانطلقت لعالم الشهرة في فيلمها الثالث “دنيا” (1946).

وكانت أكدت في حوار تلفزيوني أن والديها أرادا لبنتهما الصغيرة أن تظهر في السينما، فكانا يعشقان السينما وكان صديقهما ممثلا شهيرا، فأراد وضعها في مسابقة للأطفال، جسدت فيها دور ممرضة، والتقط أحد الفنانين صورة لها رآها محمد كريم، وهكذا كانت بداية الطريق نحو الأضواء.

في نهاية خمسينيات القرن الماضي، قدمت حمامة أعظم أدوارها في فيلم “دعاء الكروان” عن قصة عميد الأدب العربي طه حسين وإخراج هنري بركات، ولعبت فيه دور الفتاة الريفية (آمنة) التي تلتحق في خدمة مهندس الري في القرية، كي تنتقم لدم أختها التي وقعت في حبه وتسبب ذلك في قتلها، لكن آمنة لا تقوى على الانتقام.

حصلت على جائزة أعظم ممثلة في الشرق وكادت أن تحصل على جائزة أعظم ممثلة في العالم في مهرجان برلين، وأن العقبة الوحيدة التي واجهتها هي أنها أفريقية.

اختار النقاد 18 فيلما من أفلامها ضمن 150 فيلما من أهم ما أنتجته السينما المصرية في احتفال مرور قرن على السينما المصرية، وفازت بميدالية الشرف من الزعيمين جمال عبد الناصر وأنور السادات.

كما منحتها الجامعة الأميركية بالقاهرة شهادة الدكتوراه الفخرية عام 1999، ومنحتها منظمة الكتاب والنقاد المصريين جائزة نجمة القرن، ومنحت وسام الأرز من لبنان، ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب، والجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001.

كما جسدت شخصيات بطلات الأديب إحسان عبد القدوس المتمردات في أفلام مختلفة، مثل “لا أنام” (1957)، “الطريق المسدود” (1958)، “لا تطفئ الشمس” (1961)، “الخيط الرفيع” (1971).

تركت فاتن حمامة مصر عام 1966 لرفضها العمل مع المخابرات المصرية، على غرار فنانات أخريات تم تجنيدهن فيما عرف بعدها بقضية انحراف المخابرات الشهيرة، وعادت إليها عام 1971 بعد وفاة جمال عبد الناصر.

وخلال حوار لها مع مجلة المصور نشر عام 1991 أكدت حمامة أنها كانت من مؤيدي ثورة يوليو ــــ تموز 1952، لكنها لم تلبث أن بدأت تشعر بأن جمال عبد الناصر مخادع عندما حدد ملكية الأراضي بـ200 فدان، صارت 100 فدان بعدها بعام، ثم انتابها القلق وهي ترى الناس يؤخذون من بيوتهم للسجن، ولم تكن تستطيع السفر خارج البلاد إلا بموافقة أمنية. وتقول حمامة عن عصر عبد الناصر “صار الحكم قاسيا وكرهت الظلم لبعض الوطنيين، عبد الناصر كان رئيسا وطنيا وأمينا لم يسرق البلد، ولكن نظامه كان قاسيا في فترات كثيرة”.

كانت قصة حبها مع الفنان العالمي عمر الشريف أشهر قصص الحب في السينما المصرية، فقد جمعهما الحب أمام الكاميرا وخلفها، وقدما معا أفلام “صراع في الوادي” و”أيامنا الحلوة” و”صراع في الميناء” و”سيدة القصر” و”نهر الحب“. ارتبطت به عام 1955، بعد طلاقها من زوجها الأول المخرج عز الدين ذو الفقار، وبعد انفصالها عن الشريف تزوجت من طبيب الأشعة الدكتور محمد عبد الوهاب عام 1975، وظلت تعيش معه حتى وفاتها، في حين بقى حبها في قلب عمر الشريف للأبد، ووصفها بالحب الوحيد في حياته.

كان آخر أدوارها في مسلسل “وجه القمر” عام 2000، حيث لعبت دور المذيعة ابتسام البستاني التي تعيش حياة أسرية مستقرة، مع زوجها وأبنائها، حتى يظهر زوجها الأول مرة أخرى الذي كانت تعتقد أنه مات أمامها، والمسلسل من تأليف ماجدة خير الله وأخرجه عادل الأعصر.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

فاطمة حوحو

صحافية وكاتبة لبنانية