الملصق المسرحي لمن؟

الملصق المسرحي لمن؟

نجيب طلال

 مـفارقات:

              أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، وذلك من أجل النقاش والمناقشة وإبداء الرأي، وطرح الرؤى والتموفقات الفكرية والفنية، لخلق جو من التصورات والإنماء الفكري والجدلي بين المسرحيين، ومختلف المشارب الفنية، وذلك محاولة لإعادة الروح الثقافية والابداعية لأوج صولتها، فالملاحظ عن كثب للساحة الفنية والمتتبع لمعْـطياتها، يجد نفسه في حيرة، لما آلت إليه الأمور من تراجع رهيب و تقهقر حاد، أنتجت حالة من الاغـتراب بمختلف أبعاده والمتمثلة في اللامعنى  واللامعيارية، ومرد هذا ليس للدعم المسرحي وحده السبب، بل تتداخل عوامل شتى وأسباب أخرى، بما فيها الريع المستباح، ولم تعد هنالك تلك الحرارة. حتى أنه أمست هنالك شبه قطيعة بين المسرح  والإعلام،  بكل أطيافه.

    فلماذا الإعلام؟ هو البنية الصلبة لدعم أي تصور أو مشروع كيفما كانت نوعيته، ومن خلاله امتدت شرايين المسرح في المغرب واتخذ موقعه في البنية الثقافية والإبداعية، مما كان  نشيطا، ديناميا، مستقطبا العديد من الرواد والشباب. لكن هذا التقهقر وشبه انفصام، هل العيب في رجالات الإعلام، أم في المسرحين؟ لنخرج من دائرة هـذا السؤال لسؤال أعمق: كيف لبلد متعدد الجامعات وبداخلها شعبة للدرس المسرحي، ومعهد للتنشيط المسرحي، لا نتوفر على مجلات وصحف مختصة، فحتى مجلة الفنون التابعة لوزارة الثقافة توقفت في عددها “السابع” ولو أنها لم تحاول أن تلامس أو تغوص في الإشكالات الحقيقية  التي تنخـر جَـسد المسرح في المغرب والإبداع  بشكل عام؟

    لأن المنبر الإعلامي المختص سواء الإلكتروني أو الورقي أو المجلاتي، بمثابة موجه ومنبه للعـديد من السلبيات أو الهفوات أو الأخطاء التي تمرر في النسيج المسرحي، منها مسألة: الملصق/ l’affiche؟

   كـل شيء له عتبته، وعتبة العرض المسرحي “الملصق” الذي يستخلص أويختزل العمل المسرحي في تنفيذه، وصانعه أو مصممه، فنان تشكيلي مختص، ليضفي عليه الروح الفنية والجمالية، عبر الألوان وتناسقها، بالحروف والكلمات وبالبعْـد الإخراجي والرؤية العامة للعرض، إن اقتضى الأمر وهذا يرتبط بمسألة  تكوين التشكيلي مسرحيا؟ ونلاحظ  هذا في الملصقات العالمية، عرض مسرحي ذو نكهة رومانسية أو عبثية أو ملحمية… نشعر بها مجسدة في الملصق، أما الملصقات السينمائية، فأفلام (رعاة البقر/الويستيرن) تتميز بملصقاتها، والتي تختلف عن ملصقات  الأفلام الكوميدية أو أفلام الرعب أو الأفلام البوليسية… باعتبار أن الملصق / البوستير:عمل فني بالدرجة الأولى وتشكيلي بامتياز. لأنه يشكل عامل انبهار للمتلقي؛ وفي حـد ذاته عـنصر جذب وتشويق لمشاهدة العرض المسرحي. لكن بنظرة لملصقاتنا الحالية، يبدو لي أنها متفردة عن ملصقات العالم، من زاوية الشكل والتشكيل، ولا أستبعد جازما: بأنها تنجز إما عبر الحاسوب، الذي لا يضفي روحا جمالية للملصق؟ وبالتأكيد ينجز من لدن مسرحي هاوي ملصقات، وإعلانات، وذلك من أجل توفير بعض الدريهمات! من لدن المقاولة الفنية أو الجمعية المسرحية، لا فرق (الآن) والمسألة ليست الاقتصادية صرفة، بل طريقة من طرق نهب المال العام! وتوضيحا لواقع الصورة، كمفارقات مضحكة! فالعـديد من الممثلين والتقنيين والكومبارس والمساعدين… تهضم حقوقهم المالية ! فكيف لا يتم هَـضم حقوق الملصق في جماليته وبعده الفني والتي يضفيها الفنان التشكيلي (؟)

    فالمعضلة تكمن عندنا: بأن التخصصات لا تتفاعل ولا تتقاطع مع المسرح والمسرحيين، فالجل يتطاول على اختصاصات الآخر؟ وبناء عل هاته المفارقات الغريبة والتي تعيشها جل المجالات والاهتمامات! فمن النادر يتم تنفيذ “الملصق”! من قبل فنانين تشكيليين متخصصين، ودليلنا تشابه الألوان والتصاميم والإخراج، والمثير أننا نقف أمام (ملصقات) يبدو في نظر أصحابها أو الساهرين عليها، قمة فنية وتحفة مائزة، كإعلان واضح لعرضهم المسرحي، لكن من الزاوية النقدية / المقارباتي. فأغلب تلك (الملصقات) بتفاصيلها وتضاريسها، هجينة، ومهجنة ومشوهـة. وفاقدة  لقوة الدلالة والإرسالية، بحيث نلاحظ دونما تعمق تفكيكي: ماهي “بوستير” مسرحي صـرف [ك] (تيريكـَت/الرامود/ إكستازيا /…) ولا هي “بوستير” سينمائي عملي وعلمي [ك] (فِـراق  مقاومة الماء/عَـدم/ التي قالت/ يوم ماطر/ الريح/…)، ولا هي أفيشات للسهرات والمهرجانات[ك] (أبي لم يمت/ ريحة البارود/ الفيشطا / دوما سنغني/..؟ فهاته اللخبطة من المسؤول عنها؟ هذا موضوع شاق ويطول الإبحار فيه. ويحتاج لنقاش أعمق، ربما مستقبلا: لأن النسيج المسرحي (الآن) أنسج ظاهرة الصم والبكم، ولا يهمهم سوى الركض وراء “الدريهمات” التي أفـسدت الحياة الفنية والمشهد الإبداعي؟

 عناوين العروض:

     والعجائبي في ملصقاتنا! يكمن في (العنوان) بالدرجة الأولى، والذي لا يمكـن الاستغناء عنه أو التغاضي عنه، مهما كانت الأسباب، أو قوالب التجريب  بحكم أنه يندرج ضمن جماليات التلقي، والعتبة الأساس التي تـُدخل المتلقي في حوار ضمني  معه، قبل مشاهدة العرض. باعتباره أحد المفاتيح الأساس ودال من الدلالات لنسيج العرض المسرحي، ناهينا عن خلفيته الدافعة للفضول المعرفـي، بغـية  التعامل معه. قبل التأويل والقراءة، أو كمؤشر إغرائي لاقتناص المتلقي/ المشاهد الذي ينصبه مُـنجز “الملصق” كطـُعم!!

    وبناء على موضوعنا؛ نلاحظ العـديد من الملصقات لا تفرض عليك التفاعل معها، بل تدفعك لتتساءل حولها، انطلاقا من الاستفزاز السلبي، وإن كان هذا حكما مسبقا. فهل أصحابها: سواء- فرقة ومقاولات وجمعيات، يدركون ماذا يفعلون؟ وهل لديهم وعي متمأسس على قناعة راسخة؟ حينما يكتبون عناوين عروضهم؟ لأنه أصلا فالعنوان، من خلال المقاربات السيميولوجية. لا يوضع هكذا اعتباطيا أو عفويا في الملصق، لأننا نلاحظ عناوين إما:

1) بالعربية والفرنسية  كأننا أمام قاموس للترجمة، ولسنا أمام ملصق (مثل):

 – (La facture / الفاتورة)- (عدم /  Néant)- (الرحلة/ le voyage)- (رجل الخبز الحافي/l’ homme du pain nu) – (سقوط الورد/ Chute des roses)- (كرنفال/CARNAVAL)- (بريندا/BRENDA)- ( في قاعة الانتظار/ salle d’attente)-  (….) – ( فلاش باك/ Flash Bach)- (…) 

 2) بالعَـر نسية والشرابية (le charabia):

(كلام ليل/ KLAM LIL) – (المقامة البهلوانية/AL MAQAMA AL BAHLAWANIA)- (دون قيشوح/DonQUICHOHE) – (قنديل الباتول/KENDIIL LBATOUL) – (ريح/ Ri7) –  (كلام الجوف/KLAM JOUF)- (شاطارا/ CHATARRA) ( الرهوط/ Rhoute)- (جا وجاب/ jaw jab)-  (اوسويفان/ AUSWIFANN) – (لافيراي/LA FERRAILLE)- )جيل شو/JiL Chow )-  (أش داني/Ach DANi)- (الرامود/ Erra moud) –(Az’Men/الزّمان) – (شابكة / Chabka)- (الماتش/ LEMATH)

 3) بالأمازيغية والعَـر نسية والعربية:

 (ترينكا/TRINGA/..) – (بيريكولا/pirikula/..) (الجربة/AJJID/..)- (أفرزيز/ AFERZIZ/..)

(دون قيشوح/DonQUICHOHE/..) (كلام الليل/..) (في أعالي البحر/…)

4) بالأمازيغية والعَـر نسية:

 (أفرزيز/ AFERAZALZ)- (ماليطا /..)- (بضاض/ badadd) – ( تيركيت/..) ( الجربة/

(كلام الليل/ AWAR N DJIRE)

5) بالإنكليزية: 

(النزهة / Picnic )- (مقاومة الماء/)- water resist…) 

اسـتــنــتاجات:

     هاته الملصقات وغيرها كثير، لعروض مسرحية مغربية، مرسلة لمن؟ هل للمواطنين المغاربة أم لمواطنين مغاربة فرانكفونين؟ أم للجالية الفرنسية المقيمة في المغرب؟ هل  للمغاربة الأمازيغيين؟

    أي سؤال هاهنا جوابه باطل، إذا ما تعمقنا في سوسيولوجيا المسرح في المغرب. فتلك العروض متلقيها من بعض بعض المسرحيين/ شباب (فقط) وإبان المهرجانات/ شباب ورواد( فقط)، أو أمام لجن (الدعم) باستثناء بعض العروض ذات الطابع الفكاهي، وتحديدا فرقة مسرح الخامس، لها جمهور “مخملي” يريد التفكه والضحك سويعات (!) فلهذا ما جدوى التلاعب باللغة (فرنسية/ عرنسية/ أمازيغية/ إنكليزية/)؟ والغريب أن خطاب تلك العروض: بالعامية/ الدارجة التي كانت مظاهرا من مظاهر الإيمان بالفكر الاشتراكي، وتوجيه الخطاب للطبقة الشعبية، فأين هو الفكر الإشتراكي، وأين هي الطبقة الشعبية؟ وأغلبية العروض يشاهدها أقل من [ثلاثين] فرد، أما المشاركين في المهرجانات ; فأغلبهم لا يعرفون ” اللغة الأمازيغية” مما لا يحضرون أو ينسحبون، بعد اتخاذهم مقعدا-  نموذج مسرحية[ اشاوشاون/  أنمسوال/ أفرزيز/…/] ففي هذا السياق،لا ننكر بأن المسرح الأمازيغي، استطاع أن يحقق إضافة نوعية في المشهد المسرحي في المغرب، لكن في محيطه الأصلي/ الناظور/ الحسيمة/ أكادير/الخميسات/…/ لكن الخطير بأن بعض المخرجين (؟؟) لا يفهمون اللغة الأمازيغية ولا يعرفونها حتى! ويقومون بإنجاز بعض العروض الأمازيغية: إنها قمة الاستهتار في المشهد المسرحي، وفي هذاالباب، هل تلك العناوين (الملصقات) وضعت بتوجيه من جهات (خفية) لتمييع اللغة الفرنسية أم اللغة العربية؟ أم لإضفاء جمالية على الملصق، أم هي طريقة للمشاركة في المراكز الثقافية الأجنبية؟ أو رهان قبلي للاختيار والتسلل لبرامج الجولات المسرحية الموجهة لمغاربة العالم، والتي تنظمها وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج؟

    لا أرى جوابا، إلا في اللغة (العربية/ الأمازيغية) التي تشكل جزء مهما واساسيا؛ من الهوية المغربية ومن خلالها يتم ترسيخ ثقافته، وتراثه المادي واللامادي. والملصق ليست مسألة عابرة أو تافهة، بل هوجزء لا يتجزآ من التاريخ المغربي: بمعنى ستصبح تلك الملصقات وثيقة مادية لفهم البنية الذهنية للمسرحيين المغاربة. لكن حينما نجد ملصقا لعرض (محدد) يتغير عِـدة مرات، وبأنماط مختلفة. نموذج: (أبي لم يمت/ الرامود/ تيركيت/ الرهوط / جنب الحيط/ جا وجاب/ ريح/ فلاش باك/ تكنزا/ شابكة/ اوسويفان/  كلام الليل/ في أعالي البحر/ صولو/الباركينغ…) تزداد قناعة التحليل،  قبل أن نصل إلى تلك المرحلة التاريخية لتفكيك وشرح الملصقات المسرحية، نستشف بأن هنالك انفصاما حادا للمسرحي، وازدواجية في تركيبته النفسية وفي لغته الأم، فهي تركيب ذهني قبل أن تكون لِسْني أو لساني، وبالتالي فالذهن يتخندق في عوالم الهجانة وفساد ذوقي وجمالي، فمن هنا نجد عروضنا الحالية دونما مستوى إبداعي يذكر؟؟

    فحتى وإن قبلنا عن قناعة فكرة ابتكار عمق الملصقات واستنباط أساليب جديدة، والتي تندرج تجاوزا في زمن ما بعد الحداثة؟ فأصلا هو زمن انفصالي فوضوي، لا ماضي له ولا مستقبل. وبالتالي. إنه زمن متناثر متغير باستمرارومتشظي لحظويا، لا رابط له بين التحول والتاريخ، الذي تتحكم فيه جغرافية المكان “المغرب”.

    إذن، أين يمكن أن نضع ملصقات مشوهة و ليست هجينة بل فظيعة، أفظع من الفظاعة. بمعنى: لا تحيل إلى طبيعة  التفاعل الصادق، والإغراء الساحري لجذب  المتلقي للعمل المسرحي ورسمه قبليا، في أفق اللغة المشكلة للملصق نفسه. بحيث بعض الكلمات بالعربية تزين الملصق، والباقي بالفرنسية نموذج (الرامود/الزّمان/ عـدم/ فيشتا/ أفرزيز/ صولو/سقوط الورد/…) فهل  ياترى نحن أمام ملصقات لعروض مسرحية في المغرب أم في أوروبا؟

Visited 123 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

نجيب طلال

كاتب مغربي