الذاكرة وأفق الهوية: أولاد امحمد امزاب

الذاكرة وأفق الهوية: أولاد امحمد امزاب

أحمد لعيوني

       نظم مختبر السرديات التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وبتنسيق مع الثانوية الإعدادية أولاد امحمد، وجماعة أولاد امحمد، يوم الثلاثاء 23 أبريل، اللقاء الخامس ضمن جولته في أرجاء الشاوية، تحت عنوان “الأيام السبعة، الذاكرة : أفق الهوية والقيم العليا”.

   كانت هذه المحطة بجماعة أولاد امحمد، بفضاء الثانوية الإعدادية، تزامنا مع انعقاد مهرجانها الربيعي. وفي بداية انطلاق التظاهرة، تمت زيارة معرض المؤسسة التعليمية الذي يتضمن نماذج من التراث المحلي المادي واللامادي الذي تحتفظ به قبيلة أولاد امحمد منذ عصور. وبعد تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم تلاها الطالب محمد أبضار، كان اللقاء مع مجموعة من المداخلات والمحاضرات، افتتحها رئيس المجلس الجماعي لأولاد امحمد عبد المجيد مغني، مرحبا بالحضور، ومثنيا بالشكر على المجهود الجبار الذي يقوم به مختبر السرديات حيث يولي طاقمه اهتماما خاصا بالتنقل إلى المناطق النائية، حاملا مشعل العلم والمعرفة خارج أسوار الجامعة لتنوير عقول الساكنة، وتحفيز تلاميذ المؤسسة التعليمية على التطلع إلى آفاق التحصيل العلمي، وإعداد مستقبلهم، وبناء شخصيتهم.

   وانصبت كلمة مدير الثانوية على الترحيب بقدوم أساتذة الجامعة والباحثين في تاريخ المنطقة إلى فضاء قروي، ومشاركة التلاميذ في الاحتفال بالأسبوع الثقافي للمؤسسة التعليمية. ويرى أن هذا التلاقي العلمي يعطي للمتعلمين دفعة نوعية لتقوية شخصيتهم من أجل تكوين مواطنين صالحين في المستقبل يساهمون بجدية في استكمال بناء الوطن وتنمية البلاد.

   كما نوه المدير الإقليمي للتربية والتكوين بسطات، بهذه المبادرة الطيبة التي تقوم بها الجامعة من أجل مشاركة المؤسسات التعليمية أنشطتها، والاستفادة من تجارب المؤطرين وخبرتهم، مما يؤدي إلى تشجيع التلميذات والتلاميذ على متابعة الدراسة، ومناشدة التفوق، والقدوة بهم لرسم معالم طريق المستقبل، وخاصة بمؤسسة تتواجد بالعالم القروي.

   وفي كلمة الدكتور شعيب حليفي، رئيس مختبر السرديات، أكد بأن دور هذا اللقاء هو نزول الجامعة إلى الناس للتعريف بسكان الأرض المغربية التي أنجبت شخصيات لازال التاريخ يذكرها عبر أجيال. ومن واجبنا الاحتفاء بهم، ونقل أخبارهم إلى الناشئة. وذكّر بقدم سكان المغرب، والدليل العلمي الواضح هو اكتشاف آثار أول إنسان عاقل بجبل إيغود، مما يدل على أن هذا الإنسان الذي عمّر الكرة الأرضية بأكملها انطلق من أرض المغرب. وأضاف بأن دور الأستاذ الجامعي والباحث والمثقف أن ينزل إلى أرض الواقع. وأشار من خلال حديثه إلى كون هذا اللقاء يدخل ضمن برنامج شامل، أطلق عليه “ركْبٌ ثقافي في سبعة أيام : ميراث البهجة بالمغرب” انطلق من الدار البيضاء، مديونة، بنمعاشو، أولاد حريز، أولاد امحمد، ثم سيليه بجعد ومولاي بوعزة، يشارك فيه باحثون من كل أصناف المعرفة، وورش علمي متطور حداثي، يعلن حبه الكبير لهذه الأرض، إنسانا وتاريخا وحضارة، وهذا الإنسان هو ثروة يملك منها بلدنا الشيء الكثير. كما أكد بأنه في هذه الجلسة سيقوم المتدخلون بالكشف عن الموروث الثقافي للمنطقة ومن ضمنه رجالات قبيلة أولاد امحمد ومناقبهم، حيث سجلوا في التاريخ ملاحم شهدتها هذه الأماكن، منهم امحمد ولد بوعبيد وبوعزة بنعامر العتيوي وبوشعيب بن يسف، رفاق لحمر بنمنصور المذكوري. وحث بالمناسبة الباحثين والمثقفين على محاولة كتابة تاريخ هذه الملاحم التي تركها الإنسان وخلدها التاريخ، ليطلع عليها الجيل الصاعد والأجيال القادمة، وذلك بنقلها من الرواية الشفهية إلى التدوين.

   ومن بين المتدخلين في هذه الجلسة، الأستاذ جمال بامي، الذي قدم محاضرة بعنوان: “الثقافة المحلية والعلم المعاصر” عن النباتات الطبية بأرض لعشاش. وذكّر بالبحث الذي قام به لمدة عشر سنوات طاف خلالها المنطقة لجمع أصناف الأعشاب الطبية، ومعالجتها تطبيقا وبحثا وتحليلا، وتمت مناقشة أطروحة البحث سنة 2002. وموضوعه متعلق بالأرض وبالطبيعة وبالصحة، ويرتبط بالحاضر وبالمستقبل. وأتى المحاضر على ذكر العديد من الأعشاب التي تنبت بالمنطقة، وتحتوي على فوائد هامة للصحة. وقد استعملت في أزمنة سابقة للعلاج. وتتطلب في الحاضر الخضوع للتحليل العلمي للانتفاع بفوائدها. وأوضح بأن الغطاء النباتي لدى الإيكولوجيين يقسم إلى ثلاث طبقات: الطبقة الشجرية والطبقة الشجيرية والطبقة العشبية حولية أو معمرة. وأضاف بأن المعرفة الطبية للنباتات في البادية قلت، وذلك لسببين، إما باستعمال المبيدات لمحاربة الأعشاب الطفيلية، مع أن 55% منها هي طبية بامتياز، وذكر منها على سبيل المثال (بلعمان، الحريشة، الحريكة، نوارة الجمرة، الكركاز، الكحيلة، الحلحال، الخزامى وغيرها). والسبب الثاني يعود للتبدل التدريجي للفضاء على مستوى الطبقة العشبية التي تحدثها دورات الجفاف. وفي ختام مداخلته اقترح مشروعا مستقبليا بإنشاء حديقة بجوار الثانوية، وذلك عن طريق عقد شراكة ما بين الثانوية والجماعة المحلية وبعض الجمعيات، لزراعة النباتات الطبية.

   الباحث في التراث اللامادي لمنطقة امزاب، الأستاذ ياسين مروسي، انطلق في مداخلته من خلال الهوية لمزابية وقيم الجماعة، محللا الثقافة السائدة في المنطقة، ومكونات المزاج لمزابي من منظور العديد من الأمثال الشعبية الشائعة محليا، وباعتبارها هوية جماعية، منها “لمزابي عناد وزناد”. وأن لمزابي أينما حل وارتحل يفتخر بهويته القبلية، وتشبثه بالشخصية لمزابية.

   أما مداخلة الأستاذ حميد خطراني، فتناول من خلالها التراث الثقافي المعماري، المتمثل في القصبات والأسوار والأضرحة والزوايا، أو التراث الحضاري المتجلي في اللباس والأطعمة والطقوس والتقاليد والعادات. وأتى على ذكر الأصول التاريخية للعديد من قبائل امزاب وعلاقتها بالقبائل المجاورة لها. كما ذكّر بالمقاومة بقبائل الشاوية للوقوف في وجه الاحتلال الفرنسي بالمنطقة سنة 1908، ثم ظهور رجال الحركة الوطنية المحلية مع بداية أربعينيات القرن الماضي، وارتباطهم بالحركة الوطنية الأم.

   ومن جهته تحدث الباحث في تراث امزاب، علي فقير عن مناقب العديد من صلحاء المنطقة وعلمائها ومتصوفيها ومقاوميها. وذكر بارتباط التراث الشعبي والأسطورة المحلية ببقايا آثار الإمارة البورغواطية، وبعض مخلفات الدولة المرينية والوطاسية بعدد من الأماكن بامزاب، وعلى الخصوص بقبيلة أولاد امحمد. وأعطى نبذة عن الشيخ محمد بن الطيب البوعزاوي، الذي كان له تأثير كبير على إذكاء الحماسة في صفوف جماعة الرماية الذين وقفوا في وجه الاحتلال الفرنسي، وخاضوا معارك طاحنة ضد قوات الجنرال داماد.

   ولم تخل هذه الندوة من مشاركة تلاميذ المؤسسة التعليمية بقراءة قصائد زجلية نظموها تمجيدا للملاحم والبطولات التي عرفتها قبيلة أولاد امحمد في الأزمنة الماضية. نقتصر على ذكر بعض الأبيات من قصيدة جادت بها قريحة التلميذة آية القرافي:

وصْلت خيل ورجلية

بويا بوشعيب ما بانش ليا

مات قايدي زين السميا

حُرْكَت تادلا ما تنسا ليا

ندبت لحناك وزدت الصدر

صوّطت لفخاذ وحلكَت الشعر

هدمت الخيمة وطفيت المجمر

Visited 107 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

أحمد لعيوني

باحث في تاريخ امزاب