كلية العلوم الحقوق بمكناس تحتفي باليوم الوطني للمجتمع

كلية العلوم الحقوق بمكناس تحتفي باليوم الوطني للمجتمع

عصام خايف الله 

      أشرف الدكتور عبد الرحيم شميعة، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس، يوم الخميس 13 مارس 2025، على افتتاح ندوة علمية بعنوان “الالتقائية بين الجامعة والمجتمع المدني في تحقيق التنمية وترسيخ قيم المواطنة”. وتندرج هذه الندوة الهامة في إطار الأسبوع الثقافي الذي تنظمه جامعة مولاي إسماعيل تحت شعار “طلبة جامعة مولاي إسماعيل في خدمة المجتمع” ، تخليدا لليوم الوطني للمجتمع المدني

وفي كلمته الافتتاحية، أكد الدكتور شميعة على الدور المحوري للجامعة كمؤسسة أكاديمية في مد جسور التواصل مع المجتمع المدني، مشدداً على أهمية تعزيز التفاعل البناء بين الطرفين لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية. وأشار إلى أن هذا التلاقي يشكل المدخل الأساسي لنشر قيم التسامح والمواطنة الحقة، التي تسهم في تعزيز المهارات الميدانية واللقاءات المهنية والمعرفية، مما يعزز الوعي المجتمعي ويدعم أسس التنمية البشرية.

كما أبرز عميد الكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس على أهمية انخراط الطلبة في العمل المدني، باعتباره أداة فعالة لدعم تحصيلهم العلمي والمعرفي، وتحقيق تطلعاتهم المهنية والوظيفية، مؤكدا أن الجامعة تسعى دائماً لأن تكون في صلب التفاعل الإيجابي والهادف مع مختلف التحديات التنموية.

من جانبه، ثمن الدكتور مولاي علي الراشدي، مدير مركز التميز بالكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس ومسير الجلسة، الكلمة الافتتاحية للسيد العميد، مشيدا بالإشارات الدالة التي قدمها حول تعزيز أدوار المجتمع المدني وتكامله مع الأهداف البيداغوجية للجامعة. وأشار إلى أن تخليد الجامعة لهذا اليوم يعد رسالة قوية لتثمين دور المجتمع المدني كرافعة أساسية لتحسين شروط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كما ذكر بالتحديات الكبيرة التي تواجه العالم اليوم، داعياً إلى إرساء تنمية شاملة تجمع بين الفكر والممارسة العملية.

وقد حضر الندوة لتنشيطها ثلة من الباحثين والأكاديميين والمزاولين، في مقدمتهم الدكتور محمد الهزاط، أستاذ باحث في القانون العام، والدكتور عصام زين الدين أستاذ باحث في القانون الخاص، والأستاذ حسن جبوري، رئيس الفضاء الجمعوي للتنمية التشاركية بمكناس، الذين ساهموا بشكل فعال في نجاح هذا اللقاء من خلال القائهم لعروض زاوجت بين النظرية الأكاديمية والعمل الجمعوي الميداني، مما يعكس أهمية التعاون بين الجامعة والمجتمع المدني لتحقيق التنمية المستدامة.

مداخلة الدكتور محمد الهزاط: المجتمع المدني كركيزة للتنمية ومواجهة تحديات العصر

      افتتح الدكتور محمد الهزاط مداخلته بالتأكيد على الأهمية الاستراتيجية للمجتمع المدني، مقدماً قراءة تحليلية شاملة للأدوار التي يؤديها على المستويين المحلي والدولي. وأشار إلى أن فاعلية المجتمع المدني تتجاوز الجانب الاجتماعي لتشمل الأبعاد الفكرية والاقتصادية، خاصة في ظل تصاعد المد الليبرالي الذي يقوض دور الدولة الاجتماعية.

وأكد الدكتور محمد الهزاط أن ظهور مؤسسة المجتمع المدني جاء كرد فعل لتوازن القوى ضد التوغل الذي شهدته السياسات التقليدية. حيث أحدثت المنظمات غير الحكومية تغييراً جذرياً، محولة المجتمع من كيان تسيطر عليه الدولة إلى مجتمع يعتمد على أدوار جديدة لفاعلين مستقلين. واستطاعت هذه المنظمات، بعد نهاية الحرب الباردة والحقبة العالمية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، توسيع نفوذها لتشمل قضايا حقوق الإنسان والبيئة، مستفيدة من ديناميكية العولمة وتكنولوجيا الاتصال التي تجاوزت الحدود الوطنية.

ومع ذلك، أشار الباحث إلى أن هذا التحول لم يكن بلا تحديات. فقد أدى تصاعد العولمة وتراجع دور الدولة إلى تآكل الهويات الوطنية وموارد القطاع العام، مما فتح الباب أمام سيطرة القطاع الخاص على المجالات الاجتماعية. ونتيجة لذلك، واجهت جمعيات المجتمع المدني تحديات كبيرة في تعزيز الأمن الاجتماعي وترسيخ الديمقراطية النظرية والممارساتية، خاصة في ظل تنامي تمويل المنظمات الدولية التي تسعى لتحقيق الصالح العام عبر الحوار مع الفاعلين المدنيين.

وشدد الدكتور محمد الهزاط على ضرورة توظيف أدوات “القوة الناعمة” التي تعتمد على الإقناع بدلا من الإكراه، لضمان استمرارية دور المجتمع المدني كوسيط بين الدولة والمجتمع. وأكد أن تحقيق التكافل الاجتماعي والاستقرار السياسي يتطلب تعزيز الروابط بين المؤسسات والمجتمع عبر سياسات إنسانية تدعم الاندماج الاجتماعي وتحافظ على التوازنات الداخلية، بما يضمن بقاء الدولة فاعلة في صياغة سياسات تخدم الإنسان وتحقق التنمية المستدامة.

مداخلة الدكتور عصام زين الدين: “الجامعة المغربية ودورها المحوري في بناء مجتمع متفاعل ومبدع” 

      استهل الدكتور عصام زين الدين مداخلته بالتأكيد على الدور الجديد الذي تضطلع به الجامعة المغربية، متخذًا من جامعة مولاي إسماعيل نموذجا يحتذى به. وأشار إلى أن تخصيص ندوة علمية لمناقشة قضايا المجتمع المدني داخل الحرم الجامعي يعكس أهمية الموضوع ومحورية الجامعة كمؤسسة تعليمية وبحثية في البناء الاجتماعي والمعرفي. وأكد أن هذا التوجه يتجاوز الطابع الحيادي التقليدي للجامعة، ليضعها في صلب التفاعل النوعي مع المجتمع المدني باعتباره قوة دافعة للتغيير الإيجابي.

وشدد الدكتور عصام زين الدين على أن التحولات العالمية المتسارعة على الأصعدة الاجتماعية والفكرية والتكنولوجية، خاصة في ظل الثورة الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، تفرض على الجامعة القيام بأدوارها الترافعية والتنموية. وأوضح أن اختيار شعار الندوة “الالتقائية بين الجامعة والمجتمع المدني” ليس مجرد فكرة أكاديمية، بل هو انعكاس واقعي لمتطلبات العصر وتحدياته، حيث أصبحت العلاقة بين الجامعة والمجتمع ضرورة حتمية لفهم التحولات المجتمعية وتفكيك خلفياتها الفكرية والتنموية.

وأكد الباحث أن انفتاح الجامعة على المجتمع المدني يشكل قيمة مضافة للبحث العلمي، إذ يعزز روح التواصل والانفتاح على الخبرات والتجارب المختلفة، ويساهم في بناء جيل واعٍ بمسؤولياته وأدواره. كما دعا إلى إعادة صياغة الأدوار الجامعية لتتجاوز الصور النمطية التقليدية المرتبطة بالتفاعل النظري، وصولا إلى تصور دامج يعيد هيكلة العلاقة بين الجامعة ومحيطها السوسيواقتصادي.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور عصام زين الدين على أهمية توظيف البحث العلمي والمعرفة الأكاديمية لخدمة المجتمع عبر دعم المشاريع الجمعوية التي تعكس احتياجات وتطلعات المجتمع. وأشار إلى أن تعزيز الإبداع والابتكار داخل الجامعة يمكن أن يكون رافعة أساسية لنشر البحوث والتجارب الداعمة لتحقيق التنمية المستدامة، بما يحقق النفع العام ويواكب تحديات العصر. وختم مداخلته بالدعوة إلى إعادة بناء الأدوار الجامعية لتكون أكثر تفاعلا مع المجتمع المدني، مؤكدا أن ذلك يعد مدخلا أساسيا لتحفيز التغيير الإيجابي واحتضان المشاريع الجمعوية المرتبطة بقضايا المجتمع واحتياجاته.

مداخلة الأستاذ حسن جبوري حسن: دور المجتمع المدني في تعزيز التنمية المحلية وترسيخ قيم المواطنة

     الأستاذ حسن جبوري، رئيس الفضاء الجمعوي للتنمية التشاركية بمكناس، سلط الضوء في مداخلته على الدور المحوري للمجتمع المدني في تعزيز التنمية المحلية، معربا عن امتنانه لدعوة الكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس، لهذه الندوة التي يعكس شعارها أهمية التعاون بين الجامعة والمجتمع المدني. وأبرز أن هذا التعاون ليس فقط دعما لمسارات التنمية المحلية، بل أيضا ترسيخا لقيم المواطنة من خلال انفتاح الجامعة على المحيط الاجتماعي بكل تنوعاته الفكرية والثقافية والإعلامية والجمعوية.

واستعرض الأستاذ حسن جبوري مجموعة من المحاور الأساسية، بدءا بالسياق العام لمفهوم المجتمع المدني وأدواره، مرورا بالإشكالات المرتبطة بتفعيل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية بعد إقرار دستور 2011 الذي أبرز أهمية المجتمع المدني في تقييم السياسات العمومية والتنموية على مستوى الجماعات الترابية. وأشار إلى أن الجمعيات يجب أن تلعب أدوارا مفصلية عبر طرح الحلول المناسبة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، مما يعزز الثقة العامة ويقوي المشاركة المدنية لتحقيق تنمية متوازنة وعدالة مجالية.

وأكد المتحدث على الأدوار الدستورية للجمعيات القائمة على مبادئ التطوع والاستقلالية وعدم التمييز، مشددا على أهمية الشراكة بين المجتمع المدني والجامعة والقطاع الخاص لتعزيز نموذج تنموي شامل على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية. وأوضح أن المجتمع المدني يعد قوة اقتراحية مؤثرة، سواء في التعبئة أو الحشد أو الترافع، مما يساهم في تعزيز الحريات العامة والعدالة الاجتماعية والمجالية.

على صعيد آخر، تطرق الأستاذ حسن جبوري إلى العوائق التي تواجه عمل الجمعيات، مثل ضعف القدرات التنظيمية، غياب التنسيق بين الفاعلين، تحديات الحكامة الداخلية، والبيروقراطية الإدارية. ودعا إلى معالجة هذه التحديات من خلال تحسين الإطار القانوني، ودعم القدرات المؤسساتية، وتعزيز آليات التمويل، واعتماد الرقمنة لتطوير العمل التدبيري.

ختاما، أكد على أهمية تعزيز الشراكات وإبرام علاقات تعاون فعالة مع الجهات المعنية، بما يضمن تمكين المجتمع المدني من لعب أدواره التنموية بكفاءة وفعالية.

مناقشات الحضور ركزت على أهمية تفعيل الشراكات بين الجامعة والمجتمع المدني، باعتبارها آلية أساسية لتحقيق أهداف التنمية. وقد تم التأكيد على ضرورة تطوير آليات التعاون والتنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة، بما يضمن استغلال أمثل للموارد المتاحة وتحقيق نتائج مستدامة. وعلاوة على ذلك، تم التركيز على ضرورة تعزيز قدرات المجتمع المدني من خلال برامج تدريبية وتأهيلية تمكنه من لعب دور أكثر فعالية في صنع القرار وتنفيذ المشاريع التنموية.

وقد أجمع الحاضرون على أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تبني مقاربة شمولية تقوم على الحوار البناء والعمل المشترك. فالجامعة، بوصفها مركزا للعلم والمعرفة، يمكن أن تكون شريكا استراتيجيا للمجتمع المدني في مواجهة التحديات التنموية. ومن جانب آخر، يمكن للمجتمع المدني أن يساهم بشكل فعال في إيصال احتياجات المواطنين وآرائهم إلى صناع القرار، مما يعزز من شفافية وكفاءة السياسات العمومية.

في ختام هذه الندوة العلمية التي جمعت بين نخبة من الأكاديميين والممارسين الجمعويين، تتجلى أهمية الشعار الذي رفعته كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس: “الالتقائية بين الجامعة والمجتمع المدني في تحقيق التنمية وترسيخ قيم المواطنة”. إذ أكدت المداخلات على الدور المحوري للجامعة كمؤسسة أكاديمية في تعزيز الروابط مع المجتمع المدني، عبر تقديم حلول مبتكرة لتحديات التنمية المستدامة ودعم الابتكار المجتمعي. كما أبرزت النقاشات أن التعاون الوثيق بين الجانبين يشكل مدخلاً أساسياً لتعزيز قيم المواطنة الفاعلة وتقوية التماسك الاجتماعي. وعلى ضوء هذه التوصيات، يظل الرهان اليوم هو تحويل هذه الرؤى إلى خطوات عملية تسهم في بناء مجتمع متوازن ومتكامل، يكون فيه العلم والمعرفة أداة للتغيير الإيجابي، والعمل المدني سبيلاً لتحقيق آمال التنمية ومواجهة تحديات المستقبل.

Visited 26 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة