غزّة: إسرائيل.. حماس وحركة فتح  

غزّة: إسرائيل.. حماس وحركة فتح  

ترجمة: سعيد بوخليط

            شكّلت هذه المحاور مضمون تحقيق هيّأته جريدة لوموند،عن غزة وحماس بعد الهجمة البربرية الإسرائيلية العسكرية يوم 27 دجنبر 2008.

بعد مرور عقدين عن معطيات تلك المرحلة وجزئياتها،وقد اختفت عن المشهد مجموعة من صانعي القرار الواردة أسماؤهم في هذا التوثيق التاريخي،لكن أسباب الصّراع وطبيعة معطياته لازالت تقريبا نفسها،مثلما كانت دائما منذ بداية النّكبة وتوطّد طبيعة الزواج الأبدي بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية،من أجل اجتثاث كلّ دواعي السلام والتعايش بين شعوب المنطقة.

أولا- حوار مع أنطوني كورديسمان،المسؤول الكبير السابق في جهاز الخارجية والدفاع:

حسب تصوّر أنطوني كوردسمان، محلّل بالمركز الاستراتيجي للدراسات بواشنطن، ومستشار سابق للسيناتور جون ماكين في قضايا الأمن القومي،تتجلّى ثلاثة حلول لحسم قضية غزة:

ـ أن تبقى غزة مخيَّما ضخما للسُّجناء تحت سيطرة حركة حماس.

ـ أن تحتلّها إسرائيل من جديد.

ـ استعادة حركة فتح زمام القيادة، وهو أفضل حلّ في تقديره.

س ـ ما هي في نظركَ أهداف الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة؟

ج- يكمن الإشكال في أنّ إسرائيل لم تحدّد هدفا استراتيجيا.هل يتعلّق الأمر بتحجيم قدرة. حماس على الإساءة إليها، أو تحويل غزة إلى منطقة تتوقّف ممارسة عداوتها تحت إشراف إدارة سياسية بديلة؟ لكن الأمثل بالنسبة لإسرائيل،خلق فراغ حول الجماعة الإسلامية، وتهيئ الأجواء المناسبة داخل غزة قصد التّمهيد لعودة حركة فتح إلى السلطة. يشكّل هذا المسعى،انتصارا استراتيجيا. هل يمكن بلورته على أرض الواقع؟ لا أظنّ.

س ـ لماذا تمثّل عودة حركة فتح "حلاّ مثاليا"بالنسبة لإسرائيل؟

ج- هناك ثلاث إمكانيات. أن تبقى غزة معتقلا كبيرا بسماء مفتوحة، تحت سيطرة حماس. أو تحتلّها إسرائيل ثانية.قد تستعيد حركة فتح زمام الأمر،مهما كانت تحفّظاتها الحالية. يتناسب الحلّ الأوّل، في جانب منه مع الوضع الراهن. بينما، لاترغب إسرائيل في التصوّر الثاني.لذلك، يبقى المعطى الثالث هو الأفضل. إذا لم يظهر تأثير معيّن، فقد تطمح إسرائيل إلى وقف إطلاق النار تحت مراقبة دولية بهدف كبح قدرات حماس على التحرّك. غير أنّ الأمور ستظلّ في العمق على حالها.بوسع قوّة دولية ضبط الأمن،لكن غزة تمثّل باستمرار حالة حرجة، مادامت نسبة البطالة تصل تقريبا إلى %80.

س ـ رفضت إسرائيل دائما قوّة دولية للفصل.لماذا يصير اليوم هذا المطلب مناسبا؟

ج- لا أتكلّم عن قوّة تدخّل بل مراقبين دوليين.تختلف غزة عن الضفّة الغربية: لاتعتبر إسرائيل أبدا القطاع، جزءا من أراضيها. إذا تعلّق الأمر بانتشار على امتداد الخطّ الأخضر (حدود إسرائيل قبل احتلال الأراضي الفلسطينية سنة 1967)، سيكون ذلك أكثر تعقيدا، غير أنّه ممكن حول غزة.مهما فعلت إسرائيل عسكريا دون حلّ سياسي واقتصادي، فلا يمكنها تقديم أيّ شيء سوى ربح مزيد من الوقت إلى غاية المجابهة القادمة. بالنسبة لما تبقى، ترسّخ الوضعية الحالية سياسيا كل ما يعتبره العالم العربي والإسلامي راديكاليا. تكمن الوسيلة الوحيدة،بهدف التصدّي لذلك في الحصول على منفذ سياسي لكن الحظوظ ليست متوفّرة اليوم.

س ـ ما الأثر الحاسم لهذه العملية الإسرائيلية على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؟

ج- يرتكز الأساسي على تحديد الأثر الحاسم للصّراع الإسرائيلي الفلسطيني. من الضّروري، أن تبرز واشنطن للبلدان العربية والإسلامية، وجود مجموعة نقط التقاء مشتركة معهم. يكمن المفتاح في المحافظة على مصداقيتنا، ونظهر لهم عدم سعي الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة عليهم. لكن سواء حدثت أزمة في غزة، أم لا، لن تتّسم الإدارة الأمريكية بالفاعلية نحو الشرق الأوسط يوم 21 يناير. يتطلّب وضع استراتيجية، وتعيين المشرفين عليها، شهورا عديدة.حينما يتقلّد باراك أوباما منصبه، ستظهر وقائع جديدة على الساحة. من الضروري بالنسبة إليه، إعطاء السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني أولوية أمريكية جوهرية. بناء على الصعوبات السياسية، تقتضي الخطوة الأولى التنسيق مع الأوروبيين وكذا حلفائنا من أجل تحسين وضعية الفلسطينيين الاقتصادية، وإن لم يتبلور بعد هذا الاختيار. في الواقع، أكّدت توصية دينس روس ومارتن إنديك، مستشاران سابقان للرئيس كلينتون في قضايا الشرق الأوسط،على أنّ السّعي نحو طرح شمولي، يعتبر الأفضل. لقد ظهر مسار المفاوضات التدريجي غير عملي: مع كل محطة، قد يمارس المتطرّفون من كلا الجانبين تأثيرا قصد الحيلولة دون تطوّرها. إلا أنّ الموقف منقسم بين الطّرفين، ثم تتعقّد القضية أكثر، في حالة فوز ليكود بنيامين نتنياهو بانتخابات 10 فبراير.

س ـ كيف يمكن للولايات المتحدة الأمريكية، أن تتصوّر وحدة حكومة وحدة فلسطينية وطنية، طريقة لإدخال حماس إلى المفاوضات؟

ج- إشكالية هذا الاقتراح السعودي،مدى معرفة وجود عدد كاف من العناصر المعتدلة ضمن صفوف حماس،تجيز الالتحاق بحكومة فتح قادرة على التّفاوض مع إسرائيل وإخماد الصّراعات المقسِّمة للصَفَّ الفلسطيني. تتوق بعض شخصيات حماس إلى تسوية، لكن قيادتها تتألف بشكل واسع من عقائديين متصلّبين، بحيث أنّ كل تفاوض يحدث بسرعة صراعا فلسطينيا داخليا.السؤال الحقيقي: ضمن أيّ نطاق قد تضعف حماس أكثر، بغية تمكُّن محمود عباس من إعادة السلطة الفلسطينية إلى مركزها؟ التوقّع غير ممكن.تظلّ مسألة رؤية سلام حقيقي سنة 2010 أو 2011 محدودة جدا، حتى دون استحضار هذه العملية العسكرية. يفتقد هذا الطّرف أو ذاك، كثيرا على المستوى السياسي بخصوص معطيات القوّة أو الوحدة. لذا، تتطلّب التّسوية النّهائية وقتا.

س ـ ما تقييمك للفكرة التي تقول بأنّ إسرائيل سعت إلى التحرّك قبل تسلّم أوباما مقاليد السلطة؟

ج – لا أعتقد ذلك. قد يتراجع بعض الإسرائيليين عن إيمانه بهذه الفكرة. الأكيد، رغبة إسرائيل كي تنهي قضية إطلاق الصّواريخ. غير ذلك، يغيب التّآلف داخل الحكومة الإسرائيلية. لن تغيّر عملية غزة أيّ شيء بخصوص ما يتوخّى باراك أوباما القيام به، لاسيما، إذا تعقّدت المشاكل أكثر ولم يعمل على حلّها. يرتبط بإسرائيل تبلور الموقف الأمريكي، وتترقّب واشنطن في نفس الوقت طبيعة المواقف التي ستتّخذها الحكومات العربية نحو إيران، حزب الله، القاعدة، إلخ.

س ـ ترى التّأويلات الأمريكية، بأنّ إيران انتصرت سياسيا من الهجوم الإسرائيلي، بسبب تمكّنها من مضاعفة نفوذها على امتداد العالم العربي- الإسلامي؟

ج- لست متّفقا. فالتّحالف الأمريكي الإسرائيلي مستمرّ دائما. يدرك العالم العربي ذلك وإيران لن تغيّره، يضخِّم المهتمّون نجاحات إيران السياسية. نعم، ما يحدث في غزة يعضّد صورة طهران عند الرأي العام الإسلامي. بيد أنّه معطى، لن يغيِّر شيئا الصّلة بين البلدان العربية وإيران. أن تدعم طهران حماس، لا يعني عدم استمرار العرب في النّظر إلى الإيرانيين باعتبارهم فارسيين، ويتعامل معهم أهل السُّنة باعتبارهم شيعة.

س ـ تصوّر أوباما "إعلانا للعالم الإسلامي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من فترته الرئاسية، هل أصبحت المهمّة أكثر صعوبة بعد عملية غزة؟

ج – لن يختلف، ما بوسع أوباما قوله، حتى مع عدم حدوث عملية غزة. يلزمه إعادة تحريك مسار السلام،وتعّهده بأن يكرّس لذلك مجهودا دائما. ضرورة، إعادته النّظر في مفهوم الحرب ضدّ الإرهاب، والدّفاع عن القيم الإسلامية المحلية، ثم الإصلاحات وكذا التّعاون الأمني مع البلدان الإسلامية دون إحساسها بالتّهديد من الخارج. من المفروض على أوباما، أن يكون ملهم عملية شراكة،ثم يحتاط جدا في توظيف القوة وعدم استخدامها دائما، والتخلّص من فكرة تغيير الشرق الأوسط. من جهة أخرى، كان صائبا حينما تجنّب الإفصاح عن موقفه بخصوص عملية غزة. أيّ اختيار لن يكون جيدا. الاختلاف، بين ما قد يقوله وما تؤمن به إدارة بوش، سيكون عديم الفائدة بالنسبة للطّرفين.

س ـ هل تظنّ في إمكانية تبنّي أوباما لمواقف أكثر عدائية نحو المصالح الإسرائيلية مقارنة مع جورج بوش؟

ج- من المجازفة جدا التفكير في إمكانية تغيير واشنطن لمسار علاقتها مع إسرائيل بـمائة وثمانين درجة. لكن، ربما حتى تتقدّم الأمور، فمن واجب الرئيس الضّغط أكثر على إسرائيل، ضدّ مواصلتها الاستيطان مثلا. ربّما، يشتغل بشكل مباشر أكثر مع البلدان العربية. الرّهان، الاقتراب من مشروع الاتّفاق الذي سبق التّفاوض بشأنه في طابا (بين مفاوضين رسميين إسرائيليين وفلسطينيين في يناير سنة 2001). تكمن قضية الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على وضع متوازن، يخوّل الوصول إلى اتّفاق مفيد سواء للفلسطينيين أو الإسرائيليين ثمّ تقوية حظوظ سلام إسرائيلي سوري. إذا تخيّل شخص بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية تفرض هيمنتها على جهة ما. أمر لن يحدث قط.

ثانيا ـ حركة حماس في تسعة أسئلة:

على امتداد عشرين سنة، أثبتت حركة المقاومة الإسلامية ذاتها كفاعل مركزي داخل الأراضي الفلسطينية. إذا كانت تشرف على أمور غزة، يمتدّ أيضا تأثيرها صوب الضفة الغربية.

س ـ متى ولماذا تأسّست حركة حماس؟

ج- ظهرت حركة المقاومة الإسلامية، المختزلة في لفظة حماس أي الاندفاع  حسب معاني اللغة العربية، يوم 9 دجنبر 1987 بقطاع غزة مع بداية الانتفاضة الأولى، من طرف ستّة عناصر مرتبطة بالإخوان المسلمين الأردنيين.شكّلت نشأتها قطيعة مع السياسة السابقة للإخوان المسلمين الفلسطينيين،الذين وضعوا جانبا مقاومة إسرائيل عسكريا داخل الأراضي المحتلّة سنة 1967، وفضّلوا بدل ذلك العمل على إعادة أسلمة المجتمع. أمّا الجناح المسلّح للحركة، المسمّى ألوية عز الدين القسام، فقد ظهر إلى الوجود سنة 1989. يعتبر أحمد ياسين ـ واحدا من المشاركين في تأسيسها ـ قائدها الروحي إلى غاية اغتياله من قبل إسرائيل سنة 2004. المصير ذاته، سيعرفه خلفه عبد العزيز الرنتيسي. في حين يشرف عليها اليوم خالد مشعل انطلاقا من منفاه بدمشق.

س ـ هل ارتبط قيام حماس بصعود الإسلام السياسي في المنطقة؟

ج– عندما اختارت حركة حماس الكفاح المسلح،فقد اقتفت خطى تنظيم الجهاد الإسلامي الذي تشكّل سنة 1980،من طرف فتحي الشقاقي أحد النّاصريين القدامى،تحوّل نحو الإخوان المسلمين غداة هزيمة العرب في حرب الستّة أيام شهر يونيو 1967. بالنسبة، للإخوان المسلمين المصريين، تفضي إعادة تربية المجتمع إسلاميا صوب تحرير فلسطين. بينما، تظنّ الجهاد بأولية التّحرير وتعتبره مدخلا.أما حماس، فقد سعت إلى التأليف بين المقاربتين. تأثّرت الجهاد بالثورة الإسلامية الإيرانية،في حين لا يمكن فصل حماس عن تجذير المجتمع الفلسطيني كي يواجه الاحتلال. يندرج، تموضعها في إطار امتدادات الإسلام السياسي داخل منطقة الشرق الأوسط.لكن،تظل حماس تشكيلة وطنية دينية متمركزة على قضية الأرض. موقف، لايستسيغه السلفيون الجهاديون.

س ـ ما هو الموقف الإسرائيلي من حماس؟

ج- استفاد أحمد ياسين بداية من رعاية الإسرائيليين، الذين وجّهوا الصّراع ضدّ منظمّة التّحرير الفلسطينية،محور الحركة الوطنية الفلسطينية. مع بداية سنوات 1970، عمل أرييل شارون المسؤول العسكري المكلّف بشؤون غزة خلال تلك الحقبة، وذلك بشكل سرّي على تمويل مساجد الإخوان المسلمين.أتاح تأسيس الحركة سبيل التّصدّي للحضور المطلق لفتح وياسر عرفات.لكن تطوّر حماس وجهة الصّراع المسلّح، أدّى إلى تغيير مطلق في الموقف الإسرائيلي،خاصة وأنّ الإسلاميين عارضوا اتّفاقيات أوسلو (13 سبتمبر 1993).

لم تكن حماس أبدا فصيلا داخل منظمة التحرير الفلسطينية ـ هُمِّشت بعد أوسلو كما حوربت بشراسة من طرف الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي تحملت بناء على هاته الاتفاقيات مهمّة تدبير جزئي للأراضي الفلسطينية- استثمرت حماس إخفاق مسلسل السلام. كما أنّ نضالها باللجوء إلى القتال ضاعف من شعبيتها.مقابل تلوّث سمعة حركة فتح نتيجة الفساد والزبونية.

س ـ لماذا فرضت حماس ذاتها أثناء الانتفاضة الثانية؟

ج- عُزِلت حركة حماس،غداة اتفاقيات أوسلو.ازدادت شعبيتها،بعد فشل المفاوضات (1993- 2000)،وبشكل مضاعف أثناء الانتفاضة الثانية (انطلقت يوم 29 شتنبر 2000)، حينما استفحلت الأزمة الاقتصادية نتيجة الحصار الإسرائيلي، التفت كثير من الفلسطينيين صوب شبكة حماس الفعالة جدا على مستوى المؤسّسات الخيرية. هيّأت الأوضاع الصّعبة طيلة السنوات الخمسة الأخيرة،مسألة الانطواء على الدّين داخل مجتمع يعتبر أصلا محافظا. وضع، يعكس تصلّب حماس في مواجهتها مع الإسرائيليين إلى جانب عدد كبير من الموتى والسجناء ضمن صفوف عناصرها. كل ذلك، ساهم في ترسيخ شعبيتها لدى أغلبية الشعب الفلسطيني.كما أنّ الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة شهر غشت 2005، يعود مصدره إلى نتائج مقاومة حماس. لكن استراتيجية الحركة الإسلامية، لا تفسر وحدها هذه الظاهرة. فحركة فتح المهيمنة على إدارة الحياة السياسية الفلسطينية منذ اثنتي عشرة سنة، عجزت عن تحقيق أدنى تقدم في حسم الصراع مع الإسرائيليين، مما دفع الكثير من الفلسطينيين، بمن فيهم أتباع فتح كي يقتربوا من الإسلاميين.

س ـ بناء على أيّ برنامج انتُخبت حماس يوم 25 يناير 2006؟

ج – خلال الحملة، ركّز مرشّحو حماس الذين انضووا تحت لائحة التغيير والإصلاح على محاربة الفساد وتحسين الحياة اليومية مع احترام القيم الإسلامية. أيضا، أكد برنامجهم على الصّراع ضدّ الاحتلال أي تبنِّي خيار الكفاح المسلّح. بالنسبة لحماس، فلسطين التاريخية بمثابة وقف، إرث عربي ـ  إسلامي. بالتالي، من حقّ الفلسطينيين استرجاعه لإقامة دولة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين. لقد شكل انتصارها في الانتخابات مفاجأة، تضمن رفضا مطلقا لحركة فتح دون أن يعني ذلك قبولا من الناخبين لكل أطروحات حماس. آنيا، يعبر زعماء حماس عن موقف أكثر برغماتية حينما انصاعوا لشرط دولة فلسطينية على حدود 1967، عاصمتها القدس الشرقية. بهذا الصدد، اقترحوا هدنة تمتدّ لعشرين سنة على الأقل، لكنهم يرفضون الاعتراف بالدولة اليهودية حتى ولو أقرّوا بأنّها تمثّل اليوم حقيقة يستحيل عدم أخذها بعين الاعتبار.

س ـ ماذا يقول ميثاق حماس؟

ج- تكوّن الميثاق المدوّن شهر غشت 1988 من ستة وثلاثين مادّة. تحدّد الحركة نفسها باعتبارها فرعا من الإخوان المسلمين الفلسطينيين. يتحدّث الفصل الثامن من الميثاق بأنّ الله غايتها، الرسول قائدها، القرآن دستورها، الجهاد أسلوبها، والموت في سبيل الله هو أغلى أمانيها الهدف  تحرير فلسطين فهي ملك مشترك لجميع المسلمين. يستبعد الميثاق الحلول الدبلوماسية. يتضمن البند 22 وكذا 28 معاداة للسامية بالإحالة على بروتوكولات حكماء صهيون. يصنّف أعداء تمثلهم المحافل الماسونية، و أندية الروتاري والأسود، وأظهرهم بمثابة محرّضين على الثورة الفرنسية وكذا الحربين العالميتين الأولى والثانية وأصحاب فكرة خلق الأمم المتحدة والقانون الدولي. لكن منذ مدة طويلة،لم تعد حماس تحيل على هذا الميثاق.

س ـ ما هو ثقل حماس بين صفوف المجتمع الفلسطيني؟

ج- حركة حماس نشطة جدا ضمن المؤسّسات الجامعية والتّنظيمات المهنية، تعيش في إطار وضعية اتّصال مع الجماهير. بادرت إلى تأسيس عشرة آلاف جمعية في الأحياء للنساء والأطفالـ تكوين مهني، تدريس القرآن، التربية على الوقاية والاعتناء بالصحّة ـ مما وطّد قبضتها خاصة داخل المناطق المحرومة. فوزها بالانتخابات البلدية التي سبقت التشريعية لـ 25 يناير 2006، خوّل لها مسؤوليات جديدة بخصوص تدبير الشّأن اليومي في أغلب المدن الكبرى،وأعطاها إمكانية توسيع مجال حضورها بسبب تنظيمها الفعال وتأطيرها الجيّد. عملت إسرائيل منذ الانقلاب العسكري لحماس في قطاع غزة منتصف يونيو 2007، على إغلاق عدد من المنظمات الخيرية بتهمة تمويل الإرهابيين، كما قامت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بمباشرة مجموعة اعتقالات.

س ـ هل تنقسم حماس إلى راديكاليين وبراغماتيين؟

ج- من الأكيد تواجد التّيارين. يعتقد المعتدلون بخطأ، إزاحة فتح من قبل حماس بالقوة يوم 15 يونيو 2007. ثلاثة أشهر قبل ذلك تحديدا يوم 8 فبراير 2007، تشكّلت حكومة وحدة وطنية بعد اتفاقيات مكّة. لكن بالنسبة للراديكاليين، إيجاد تسوية مع فتح لم تكن قط ممكنة. ثم زاد تأثيرها بعد الحصار الإسرائيلي، وتبلور فكر الانتقام عند قسم من حركة فتح إضافة إلى تعنّت المنتظم الدولي.

س ـ ما هو موقف القوى الكبرى؟

ج- حافظت الإدارة الأمريكية على علاقاتها مع حماس غاية سنة 1992، حينما أدرجتها واشنطن ضمن قائمة التّنظيمات الإرهابية. بعدها، قطع الأمريكيون كل اتّصال رسمي، وتبعهم الأوروبيون في ذلك. بينما حثّت المجموعة الدولية حماس كي تشارك في انتخابات 2006. لكن، حينما انتصرت: فقد فرضت ثلاثة شروط على الحركة الإسلامية كمقدّمة للتّعاون: الاعتراف بإسرائيل، الإقرار بالاتّفاقيات التي عقدت معها منذ 1993، التخلّي عن العنف. رفضت حماس ذلك باستمرار، كما دعا رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، إلى قيام دولة فلسطين على حدود 1967، والحفاظ على هدنة طويلة مع إسرائيل دون الاعتراف بشرعيتها.

ثالثاـ غزة: بؤرة توتّر دائم.

منذ ستّين سنة وبالضّبط يوم 31 دجنبر 1948، اتّخذ بن غوريون قرارا ترتّبت عليه نتائج جسيمة. حينما أعلن الأب المؤسِّس للدولة الإسرائيلية، عن قراره يوم 14 مايو بوضع نقطة انتهاء لحرب الاستقلال، بينما،كانت المجموعات الإسرائيلية بصدد الهجوم على الجيوش العربية المتمركزة فيما أصبح يسمى بقطاع غزة.

هكذا أسرع يغال آلون قائد جبهة الجنوب،غاضبا نحو تل أبيب ساعيا إلى إقناع بن غوريون بالتّراجع عن غلطته. يريد أن يخبره بالتّطويق الكلي للعدو العربي، ولم يعد الوضع يتطلّب غير بضعة أيام للقضاء على جيب المقاومة.

أبدت الأغلبية تقريبا من أركان الحرب، عن رغبتها قصد مواصلة المعارك، حتى تتجنّب إسرائيل شوكة مزعجة قد تنبت بجوارها، لكن بن غوريون رفض الاستجابة معتبرا

ضرورة معرفة كيفية إنهاء الحرب مع الاحتفاظ للخصم بكرامته. نفس الرأي، أفصح عنه جيمس ماكدونالد السفير الأمريكي. هكذا، تبلور موضوع قطاع غزة. لكنها مدينة وجدت منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة قبل المسيح. غزة، التي تعني القويّ أو القلعة، شكّلت باستمرار مركزا تجاريا مهمّا، ملتقى مرور القافلات وصارت مدينة للفلسطينيين، من بين خمسة مدن أخرى. فلسطين شعب البحر، أقام أيضا ما يسمى اليوم بمدينتي أشكلون (عسقلان) و أشدود.

واجه ألكسندر الأكبر مختلف الصّعوبات قبل اقتحام غزة بعد شهرين من الحصار وذلك عام 332 قبل المسيح. احتَلّها الرُّومان، العرب والصليبيون تم استعادها صلاح الدين (1187) وأشرف عليها العثمانيون طيلة أربعة قرون. أما نابليون بونابارت، فقد احتلّ غزة قصد العثور على منفذ نحو مصر.

جسّدت غزة باستمرار موضوع طمع، نظرا لطبيعة موقعها عند ملتقى طريق استراتيجي داخل هذه البؤرة من البحر الأبيض المتوسط. إنّها عبارة عن حقل أركيولوجي واسع، تعاقب عليها طيلة سبعة آلاف سنة حشد متنوّع من الغزاة.

عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الثانية، سلّمت جمعية الأوطان للبريطانيين، هذه المنطقة التي تشكِّل جزءا متمِّما لفلسطين، غاية قرار التّقسيم الصادر عن الأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر 1947. حينها،لم يتم الحديث بعد عن قطاع غزة. فقد ضم الإقليم أكبر مساحة عبر مدينتي عسقلان وأشدود، على امتداد مسافة بلغت تقريبا مائة كلم داخل صحراء النّجف،على امتداد الحدود المصرية.

تأسّست أربعة أخماس هذا الكيان، في شكل مُرتدّة ضمّتها إسرائيل بعد ذلك. دمّرت نجد التي صارت مدينة سديروت،وطردت ساكنتها التي تبلغ سبعمائة وتسعة عشر نسمة صوب غزة. كما تعرّض الفلسطينيون بـقرية مجدل عسقلان حاليا،إلى الإبعاد يوم 17 غشت 1950،واقتيادهم نحو غزة فالتحقوا بعشرات الآلاف من اللاجئين القادمين من، واللِدْ ثم أمكنة أخرى.بلغ العدد الأصلي لسكان قطاع غزة سبعين ألفا،تضاعف على نحو ثلاث مرات. ولدت داخل المخيّمات الثّمانية للاّجئين،المتواجدة غالبا في قواعد بريطانية قديمة، أولى الرّموز الرّاغبة في إقرار حقوق الفلسطينيين. أصبح هؤلاء اللاجئون فيما بعد، تربة للعصيان وخميرة جملة تطلُّعات.

وُضع قطاع غزة تحت السيطرة الإدارية لمصر، التي تجنّبت منح المواطنة لهؤلاء المقتَلَعين من جذورهم،وهي تأمل كي يعودوا يوما ما إلى ديارهم.

باستثناء فاصل زماني قصير،امتدّ من نوفمبر 1956 غاية مارس 1957، انتقلت خلاله السيطرة على قطاع غزة إلى الإسرائيليين بعد حملة السويس المأساوية، فقد استمرّ إشراف المصريين غاية حرب الستّة أيّام شهر يونيو 1967. حينما استوطنت الدولة اليهودية هذه القطعة من الأرض التي تبلغ مساحتها 362 كلم²، بعد أن رسّخ بن غوريون مصيرها. بعد ذلك، رغب الأخير في نقل السيادة صوب الضفة الغربية.لحظتها، بدأ تاريخ آخر أكثر صخبا بالنّسبة لما أضحى بقعة توتّرات دائمة. بؤرة تفجير، دفعت إسحاق رابين إلى التّرويج لشعار: ضرورة إلقاء غزة في البحر. اليوم،

يتعجّبون باللغة العبرية قائلين: اذهب إلى غزة! يعني بوضوح: ارحل إلى الشيطان !  

لم تتوقّف غزة المتمرّدة عن مقاومة الاحتلال. تجلّيات عنف أكثر فأكثر، مما دفع إسرائيل كي تحوّل المكان الذي تغمره رمال كثيرة إلى أرض للمستوطنات. أقامت الأولى في كفر قدوم سنة 1970.سنتان بعد ذلك، جاءت مستوطنة نتساريم. على امتداد ثلاثين سنة، قارب العدد سبعة عشر، شملت أفضل الأراضي من الجزء الساحلي للقطاع.

تواجد المنشآت وسط ساكنة كثيفة جدا، طرح أمام إسرائيل قضايا ضخمة على مستوى الأمن، وتفاقم معها الشعور باحتلال وخنق الفلسطينيين. تطوّرت المقاومة، وتضاعفت محاولاتها، لذلك، مع بداية سنوات السبعينات، قرر أرييل شارون قائد منطقة الجنوب تنقية وكر الإرهابيين، بعد موت طفلي مستوطنين من أصل بريطاني يوم 2 فبراير 1971،

جرّاء انفجار قنبلة يدويّة أُلْقِي بها على سيّارة الأبوين. كتب أرييل شارون في مذكّراته: قتلنا مائة و أربع إرهابي،كما اعتقلنا سبعمائة واثنين وأربعين آخر على امتداد سبعة أشهر، من يوليوز 1971 إلى فبراير 1972.

نُفي، البعض أيضا. وأضاف قائلا: لقد شكّلت هذه المرحلة المضادّة للإرهاب غاية حرب كيبور شهر أكتوبر 1973، أكبر المراحل دلالة في تجربتي العسكرية.

لقد فهم أريك مثلما كانوا يلقبونه، بأنّ قضية اللاجئين، ستغدو مصدرا يراكم المشاكل بالنسبة للقوّة المحتلة، مقترحا إذن كتسوية نهائية، توزيع قسم منهم داخل قطاع غزة، والقسم الآخر في الضفة الغربية، ثم الباقي في المدن العربية الإسرائيلية.

بداية، رفض المقترح كل من ليفي أشكول، غولدا مائير، وكذا عدوّها القديم موشي دايان. نفس الموقف، أفصح عنه مناحيم بيغن فيما بعد. حاليا، استُتِبّ الأمن. لكن، كما أشارت الباحثة في علم الاجتماع ليتيسيا باكاي بين صفحات كتابها غزة: عنف السلام (1998):

أدّى الاحتلال الإسرائيلي إلى فصل قطاع غزة عن باقي العالم العربي.أعاقت المقاييس الإسرائيلية تطوّره الذاتي، مع ربط مصيره كليّا بالدولة الإسرائيلية. خلال نهاية سنوات السبعينات، اتّجهت ثلثا الصّادرات نحو السوق الإسرائيلية و %91 من الواردات تأتي منه. تسيطر القوّة المحتلّة على التّجارة، كما تفرض قيودا على الفلاحة، وتجبر السكان على بيع قوة عملهم إلى إسرائيل. قبل الانتفاضة الأولى، اشتغل سبعون ألف من مواطني غزة بإسرائيل.

وضعت حرب الحجارة التي ابتدأت سنة 1987، خاتمة لحقبة لم يتردّد أثناءها الإسرائيليون في الدّخول إلى غزة من أجل التسوّق أو تناول الغذاء في مطاعمها المطلّة على البحر، والتّجارة مع الفلسطينيين. اليوم، يتذكَّرون تلك الفترة بحنين يعيد تمثُّل الزمن القديم الجميل عندما كان قطاع غزة تحت السيطرة. لكن وقوع حادث مبتذل يوم 8 دجنبر أشعل توتُّرا متفاقما.داخل مخيّم جباليا،صدمت شاحنة،سيارة أجرة فلسطينية،أودت بحياة أربعة أشخاص.اندلعت التّظاهرات.أطلق الجنود الرّصاص،اتّسعت الانتفاضة لتشمل الضفة الغربية وبعد ذلك فلسطين بأكملها. استمرّت طيلة سنوات عديدة، عمليا غاية اتّفاقية أوسلو، يوم 13 سبتمبر 1993. رغم تراجع حدّتها في السنوات الأخيرة بسبب القمع الشرس، لاسيما بعد مؤتمر مدريد يوم 30 أكتوبر 1991. رجع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، إلى غزة منتصرا شهر يوليوز سنة 1994. قامت السلطة الفلسطينية. سحبت إسرائيل من قطاع غزة جزءا كبيرا من جنودها. تدشين مطار جنوبا بالقرب من رفح،حطّت على أرضه طائرة بيل كلينتون يوم 13 دجنبر 1998.

صرّح قائلا: للمرّة الأولى في تاريخ الحركة الوطنية، أصبح بإمكان الشعب الفلسطيني وممثليه المنتخبين،أخذ مصيرهم بأيديهم فوق أرضهم". لكن مسلسل السلام انكمش.تصاعد داخل غزة موقف الرفض نحو المسؤولين الفلسطينيين المتّهمين بالفساد والتسيُّب وكذا المحسوبية.

لم تتردّد حماس حركة المقاومة الإسلامية التي نشأت يومين بعد بداية الانتفاضة، كي توجّه انتقادات نحو أشخاص متّهمين بممارسة التّسلّط.استحسن الإسرائيليون بداية بل ساعدوا على انبثاق حماس المستندة في حيّزها الأكبر على المؤسّسات الخيرية والجماعات الدينية،سعيا منهم إلى إضعاف الحضور الكلّي والقويّ لمنظمة التحرير الفلسطينية وتنظيمها الأساسي حركة فتح.

عمل الإسلاميون بأناة من أجل بناء شعبيتهم وكذا تجذرهم في المجتمع الفلسطيني اعتمادا على مساعدتهم للأكثر بؤسا. شيئا فشيئا، انتزعت حماس من حركة فتح شعلة الريادة في مقاومة المحتلّ الإسرائيلي.قاطع معارضون صارمون لاتّفاقيات أوسلو، الانتخابات الفلسطينية الأولى سنة 1996. كان عليهم مواجهة القمع الشّرس لأجهزة أمن ياسر عرفات التي يشرف عليها محمد دحلان.

فشل مفاوضات السلام في كامب ديفيد وبداية الانتفاضة الثانية شهر سبتمبر 2000، أعطى مبرِّرا لرموز هذه الحركة المعارضين،ما اعتبروه دائما بيعا رخيصا للسّلام.صار الإسلاميون مصدر موجة عمليات انتحارية انطلقت مع بداية هذا العقد من السنين، ممّا جعلهم عرضة لحرب قاسية من طرف الإسرائيليين الذين اغتالوا على التّوالي سنة 2004 الشيخ أحمد عبد السلام ياسين مؤسّس الحركة ثم الرجل الثاني في التنظيم عبد العزيز الرنتيسي.

أصبح قطاع غزة مجال مواجهات دائمة بين المجموعات المسحة ثم ما يعرف عبريا بتساهال (الجيش النظامي الإسرائيلي) التي غذّت الاغتيالات الذكيّة. توالت الهجمات، دكّت الجرّافات الإسرائيلية مدرّجات المطار الحديث العهد. كما، قذفوا الميناء بالقنابل. مقابل ذلك، ازدادت محاولات الاعتداء على المستوطنين، بتوظيف أولى صواريخ القسام، محليّة الصّنع. هكذا، صارت تكلفه الأمن باهضة بالنسبة لإسرائيل. حينها صدر قرار أرييل شارون سنة 2004، بضرورة الانفصال عن الكائن الحقير، واستعمال القوّة للقيام بترحيل ثمانية ألف مستوطن يقيمون في غوش قطيف التي ضمّت واحدا وعشرين مستوطنة. أمّا آخر جندي إسرائيلي، فقد غادر القطاع يوم 12 سبتمبر 2005، بعد تدمير تلك المنشآت.

أتاح هذا الرّحيل الاضطراري هامشا من الحرية لساكنة غزة. كثيرون منهم، لم يروا البحر قط، رغم أنّهم يعيشون على بعد كيلومترات فقط منه. هكذا، تسارعوا نحوه فغرق ما يقارب عشرين فردا. تخلّصت غزة من التّواجد العسكري الإسرائيلي، وتطمح إلى نوع من الانبعاث.

جرى الحديث في هذا السياق عن خلق سنغافورة الشرق الأوسط، تحفيز السيّاح على القدوم، وبناء محطّات حمّامات.غير أنّ مدى الآمال بدا قصيرا. غادر الإسرائيليون، لكنّهم ظلّوا بجوار الباب. أبواب تُفتح بصعوبة.

لن يتمكّن أيّ عامل فلسطيني من ولوج إسرائيل.أيضا، مند مدّة بعيدة، لم يذهب الإسرائيليون إلى غزة قصد اقتناء بضائعهم. النتيجة، ازدياد حدّة فجوة التّباعد. وُقِّعَ اتِّفاق 15 دجنبر 2005، بضغط من كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، لتسهيل فتح نقط العبور وإعادة تهيئ البنية التحتية مثل الميناء والمطار، إلا أنه لن يطبق إلا جزئيا جدا قبل اندثار مضمونه، مع انتصار حماس في انتخابات 25 يناير 2006 ،ثم صار قصاصة

ورق بعد اختطاف جلعاد شاليط (عريف في الجيش الإسرائيلي) يوم 25 يونيو 2006 في معبر كيرم شالوم.

فرضت إسرائيل منذ 19 فبراير 2006، عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية، وانضمّت إليها سريعا المجموعة الأوروبية. استمرّ تدهور الوضعية بعد اختطاف شاليط، اندلع العنف من جديد، قصفت إسرائيل المحطة الكهربائية وكذا قناطر غزة ثم شنّت حملة عسكرية أودت بحياة ثلاثمائة شخص. صارت المنطقة الصناعية في معبر إيريز بالشمال، مجرّد ركام أنقاض. عكست غزة الشّاذة والمحاصَرة صورة انعزال تام، مع احتدام وتضارب الانفعالات.

خاضت حماس وفتح معركة ضارية، ومواجهة دموية بهدف السّيطرة على أرض من الرمال، تكابد العوز ومكتظَّة بالسكان. التّحضير للقيام بانقلاب ضدّ حماس اعتمادا على الأمريكيين، اضطرّها للقيام بالمبادرة، واستحواذها في منتصف يونيو 2007 على القطعة الأرضية الفقيرة، التي يعيش فيه ثلاثة أرباع الساكنة على المساعدة الغذائية الدولية، وتصل نسبة البطالة إلى 49 %، أمّا مستوى الفقر فيمسّ 70 % من أفراد غزة. ابتداء من ذاك التاريخ، انقطع خيط الاتّصال كليا.

استحوذت حماس، بالقوّة على السلطة. بالتالي، اعتبرتها المجموعة الدولية عنصرا منبوذا، أكثر من أيّ وقت مضى. سيطرت الحركة بسرعة على مختلف مؤسّسات ودواليب السّلطة بطريقة عنيفة في الغالب.

لا يسمح مجال في غزة لإبداء وجهة نظر مخالفة. يكابد الناس (مليون ونصف) أسر الحصار، وكذا عدم تسامح السلطة من مختلف النّواحي، حتى وإن لم تفرض كليا الصّرامة الإسلامية. لكن شهر يناير 2008، انبثق نور بالنسبة للفلسطينيين، حينما تطاير الجدار الذي يفصل غزة عن مصر،إلى شظايا بفعل التّفجيرات. تهافت الجميع نحو الجنوب. استمرّ هذا الوضع فقط إحدى عشرة يوما ثم توطّد ستار الإسمنت ثانية بحيث توخّت مصر، عدم ترك أقلّ فجوة ممكنة. حينها قرّر أهل غزة، التحوّل إلى مزعجين بحفرهم لأنفاق تحت الحدود حفاظا على بقائهم، وحصولهم على الأسلحة. حاليا، حطّم الإسرائيليون جزءا من تلك الأنفاق، مع سعيهم إلى إزالة ما تبقى بمساعدة المجموعة الدولية، قصد الحيلولة دون وصول الأسلحة إلى حماس.

رابعا ـ المسؤولون الإسرائيليون والهمّ الانتخابي:

* يهود باراك:

عاد ثانية إلى قيادة الحزب العمالي في يونيو 2007، بعد انهزامه سابقا أثناء انتخابات فبراير 2001. يعتبر وزير الدفاع الحالي أكثر العسكريين الإسرائيليين الذين حظوا بتوشيحات. تردد بما يكفي قبل اقتحامه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، بخصوص العملية الأرضية لمستنقع قطاع غزة. اتّخذ القرار، لقد صمّم القائد السابق لأركان الحرب على الذّهاب أقصى ما يمكنه الأمر، حتى تفقد حماس القدرة على الانبعاث مجدّدا من رمادها. مستندافي ذلك إلى مرجعية انتخابية، ينظر باراك آنيا بعين الارتياح إلى عملية الرّصاص الصلب، مادام مرشّحو حزب العمال قد عرفوا صعودا مهمّا في استطلاعات الرّأي المتعلّقة بالانتخابات التشريعية لـ 10 فبراير.

لم تنته الحرب بعد، وقصف مدرسة الأمم المتحدة بجباليا يوم 6 يناير، الذي أدّى إلى مقتل أربعين شخصا ثم العدد المرتفع للقتلى المدنيين. مختلف ذلك، سيكون وزره ثقيلا، حينما تدقّ ساعة تقييم النتائج.

* يهود أولمرت:

بعد تردّده أولا بخصوص دخول غمار هذا الصّراع الجديد، بسبب فشل الحرب الثانية في لبنان سنة 2006. كشف الوزير الأول الإسرائيلي عن نوايا حازمة لتركيع حماس، بغاية تعزيز الأمن عند سكان الجنوب. لم يستهدف فقط بهذا الموقف الحربي، تأكيده على تدارك اختلالات المعركة مع حزب الله ،لكن السنوات الثلاث من حكمه انتهت بمكسب قوامه مناهضة حماس، بسبب عجزه عن إبرام اتّفاق سلام مع الفلسطينيين المعتدلين الذين يمثّلهم محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية.

قدّم يهود أولمرت استقالته شهر سبتمبر 2008، بعد أن واجهته عدّة اتهامات جرّاء ارتكابه مجموعة تجاوزات قانونية. لن يترشّح لانتخابات 10 فبراير.

* تسيبي ليفني:

تمسّكت وزيرة الشؤون الخارجية، والمرشّحة لخلافة يهود أولمرت، بموقف التحفُّظ نحو حتمية خوض حرب لبنان عام 2006. هذه المرّة، ستتبنّى لغة عسكرية بخصوص مواجهة حماس. بالتأكيد، تطلّعاتها الانتخابية، أرست معالم الخطّ الصّارم الذي استندت عليه أثناء عملية الرّصاص الصّلب.

هذه المحامية السابقة، التي اعتُبرت بأنّها قليلة التّجربة على المستوى السياسي، انتُخبت نائبة في الكنيست سنة 1999، وسعت بالتالي إعطاء نفسها صورة محاربة كي تفرض ذاتها بين صفوف حزبها كاديما، الذي أصبحت زعيمته منذ سبتمبر 2008.

مجنّدة سابقة في صفوف جهاز الموساد، تنتمي لعائلة من محاربي التَّنظيم العسكري اليهودي إيرغون، الذي التجأ إلى منهج الاغتيالات قبل نشأة إسرائيل. تتميّز تسيبي ليفني بكونها رصينة وحذرة، تسعى إلى مجابهة التطرف بيد من حديد.

* غابي أشكنازي:

عُيِّن قائدا لأركان الحرب في يناير 2007، بعد استقالة دان حالوتس أحد ضحايا حرب لبنان الثانية. تتّجه مهمّته صوب إعادة ترميم الجيش نتيجة الثّغرات المتعدّدة التي كشف عنها أثناء النّزاع مع حزب الله. إعادة إصلاح الصورة، مفاده: "العمل على تفعيل القيم الحقيقية للجيش الإسرائيلي، فهو جندي حقيقي"، يصرّح أوري ساغي ، جنرال متقاعد ومختصّ في القضايا العسكرية.

التحق غابي أشكنازي بلواء الصّفوة، عن سنّ الثّامنة عشر. رجل ميدان كتوم، تسلّق مختلف الرّتب العسكرية قبل الوصول إلى القمّة. كان على وشك ترك الجيش، حينما خاب أمله سنة 2005 وهو يرى وضع ترقيته جانبا عكس ما كان يظن. جاءته اليوم الفرصة للثّأر والبرهنة على كفاءاته. المسؤوليات جسيمة والمهمّة تبدو شاقة.

خامسا ـ الجانب الفلسطيني: زعماء منقسمون

* محمود عباس:

يختبر رئيس السّلطة الفلسطينية وضعية صعبة. لن يكون سعيدا، حينما يرى خروج عدوّه اللّدود جماعة حماس من عملية رّصاص الصّلب، منهكة عسكريا وسياسيا. أدان أبو مازن الهجوم البربري والإجرامي، الذي تعرّض له الفلسطينيون في قطاع غزة.

الأمر حساس جدا بالنسبة إليه، في حالة استعادته سلطة غزة ثانية على متن الدبابات الإسرائيلية، بعد أن انتزعت منه بالقوة شهر يونيو 2007. يتمسّك محمود عباس أساسا بمبدأ استبعاد الحوار ثانية مع الإسلاميين، كي يتجنّب ضرورة إجراء انتخابات سابقة لأوانها. لكنّها اليوم، تبدو مفترضة جدا، خاصة مع قرار حماس عدم الاعتراف بشرعية الرئيس مع انتهاء ولايته الرئاسية يوم 9 يناير، والتي دامت أربع سنوات.

* خالد مشعل:

رئيس المكتب السياسي لحماس. يعيش بمنفاه في دمشق. هذا الرجل الكتوم، نادرا ما أدلى بتصريح إعلامي منذ بداية العملية. تعرّض يوم 25 سبتمبر 1997 لمحاولة اغتيال في شوارع عمان بالأردن من طرف رجال الموساد.

رفض مشعل دائما الاعتراف بالدولة اليهودية، رغم إقراره بأنّها واقع لبّ القضية، مثلما أعلن يوم 10 يناير 2007، ليس وجود كيان اسمه إسرائيل، بل في عدم وجود دولة فلسطينية. أيضا، أكّد يوم 6 أكتوبر 2008: لقد رحّب دائما العالم العربي الإسلامي باليهود، وأتاح لهم إمكانية العيش في سلام. وافقت حماس بوضوح،على قيام دولة فلسطينية حرّة ومستقلّة على امتداد حدود 1967، فوق أرض غزة والضفة الغربية. ويلزم على المحتلّ،الاستجابة لمطالبنا المشروعة.

* إسماعيل هنية:

الوزير الأول في حكومة حماس ومهندس انتصار الإسلاميين في انتخابات 25 يناير 2006، يختفي تجنّبا لضربات الصواريخ الإسرائيلية، يعرف بأنّ حياته مرهونة بخيط. أما في حالة اعتقاله، فسيقضي حتما باقي سنوات عمره داخل السجن. مع ذلك، يعتبر إسماعيل هنية شخصا معتدلا مقارنة بسعيد صيام، أو محمود الزهار. ناضل طويلا من أجل قيام حكومة وحدة وطنية مع حركة فتح. قبل أن يتحقّق هذا السعي أخيرا يوم 18 مارس 2007 بعد اتّفاقية مكة التي وقّعت يوم 8 فبراير. حكومة استمرَّت فقط ثلاثة أشهر، بعد أن قامت حماس بانقلابها منتصف شهر يونيو.

منذئذ، لم يتوقّف هذا الإمام، صاحب المظهر الطيّب،عن الدعوة لاستعادة الحوار ثانية مع إنهاء إسرائيل لحصارها. لكنّ صوته، ظلّ غير مسموع.

* سلام فياض:

منذ بداية عملية الرّصاص الصّلب، لم ينطق الوزير الأول الفلسطيني، رسميا ولو بكلمة واحدة. سلام فياض، تقني، اقتصادي، ورجل يعرف طبيعة تدبير الملفات. يحظى بتقدير، الأوروبيين والأمريكيين. استطاع منذ تعيينه شهر يونيو 2007، على تحريك الآلة الإدارية الفلسطينية شيئا ما، اعتمادا على المساعدات الأوروبية. نجح في إعادة تثبيت الأمن داخل العديد من المدن الكبرى داخل الضفة الغربية. فقد عمل على تهيئ قوّات لحفظ الأمن، تستجيب لمقتضيات خريطة الطريق ومخطّط السلام الدولي. أيضا، استطاع إقناع المانحين كي يلتزموا بالوعود التي قطعوها على أنفسهم، إبّان مؤتمر باريس شهر دجنبر 2007.

سلام فياض، مستقل لا ينتمي سواء إلى فتح أو حماس. مع ذلك، أضاع رجل الأعمال فرصة سانحة، كي يبدو قريبا من شعبه.

*مرجع الدراسة:

le monde, 9 janvier 2009

شارك هذا الموضوع

سعيد بوخليط

كاتب ومترجم مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!