“منسج ليام” لمحمد ناجي: تغريبة زجلية بعمق إنساني شامل

“منسج ليام” لمحمد ناجي: تغريبة زجلية بعمق إنساني شامل

 

محمد علوط

           ينهض التشكيل الشعري لديوان [حر الشاوية] للزجال الملهم محمد ناجي على ثلاثة مباصم جوهرية تصوغ روح الهوية الإبداعية لتجربته الزجلية التي راكم من خلالها العديد من الإصدارات على امتداد المرحلة من التسعينات إلى الآن.

ترتكز هذه المباصم الأسلوبية المميزة على:

 أولا –  النهل من السجلات العميقة التواشج مع متخيل الذاكرة الشعبية، ومجموع تمثلاته لأشكال الحياة اليومية ومخزون الذاكرة الجماعية، لهذا تضعنا لغة محمد ناجي في صميم إيقاع رمزيات وبلاغة الأمثال والحكم والطرفة والنادرة وأشكال السخرية والرثاء والحجاج والخطابة المتوغلة في النسيج العام للثقافة الشعبية.

ثانيا – المزج بين التخييل الزجلي والمحكي المعاش لرصد الأحوال والعلامات الفارقة في سيرورة مجتمع مغربي يمتد منذ عهد الحماية و الاستعمار إبى زمن بناء المغرب الجديد. وهي خلفية اجتماعية وتاريخية تنفتح على المحيط العربي من خلال القضية الفلسطينية والوحدة العربية وهما موضوعان يتكرران في كتابات محمد ناجي الزجلية. أضف إلى ذلك تميزه اللاقط الراصد لتحولات المجتمع المغربي يسبر أغوارها من خلال قضايا الهجرة و”الحريك” وقضية البطالة والتهميش واستفحال مظاهر ابتذال القيم من خلال تفشي الرشوة والتزوير الانتخابي وتشكل حياة المدينة من خلال التعارض الساخر بين قيم الحداثة و قيم البداوة .

ثالثا – الطابع المميز لأسلوبية إنشادية غنائية بالأساس، لكنها تسعى باستمرار إلى التوأمة بين ضميم المتكلم  (الأنا الشعري) وضمير متكلم الجماعة  (النحن)، وهي توأمة معبرة عن نبرة صوت مجروح بعذابات الهامش الاجتماعي المدقع في الفقر والحرمان بمختلف تجلياته. نبرة صوت معبر عن افتقاد البطولة والملاحم في زمن الخيبات المتتالية كما يجلو ذلك الاستدلال الزجلي التالي:

 كيف ذاك العام

كيف هاذ الشهر

لا ميمون

لا زهر

بظفري نحك الصبر

نتسنّى سعدي

يوم يطل

بغيتو يثبّت وتادي

يكٓعّد وسادي

ما بغيتو ف جلايلو

يعثر

 على هذه الغنائية التي يتدثر فيها ضمير المتكلم بضمير الجماعة ينتسج النص الزجلي من غور لغة تنصلت من وهج المدائح الملحمية لتغرق في نشيج لرثاء الأزمنة الكسيرة وتفجع مدارات ومآل المصير الفردي والجماعي لذوات حلمت كثيرا لكنها دوما تسقط على عتبة فجر طالع من جوف المحو والنسيان: 

 هاذ الدنياآش مخبيا لينا

ساكتة على ما فيها

مرّة تجرحنا

مرّة تكوينا

وسر بلادي

شيّب شبابي

ومنازل الشّر

مدفكٓى ف بنادم

وفيها تجدّر

فعفع وتادي

بلا قدر 

ومرشّة الزهر

لتراب لقبر

ما خوات

حتى طلع الفجر

 هو استدلال شعري بليغ لرسم صورة عالم يرثي خسارات الوجود و الكائن، وفيه تتواتر أشكال التعبير الرمزي من خلال استعارات مأثور النص الغنائي المغربي  (لا زهر – لا ميمون / من يكعد وسادي) كما تتواتر فسيفساء من الاستعارات والكنايات  (مرشة الزهر /  تراب القبر / طلع الفجر ) في نسيج متضافر تفضي معانيه المجازية نحو تشريح فيزياء الفقدان.

أحيانا كثيرة يتخلى الزجال محمد ناجي عن وجع لغة التحسر وبكاء أزمنة الحلم ليجنح إلى لغة نقدية ساخرة وتصحيحية لأوضاع الواقع الاجتماعي والإنساني، وأنا أحبذ هذا النزوح لدية الذي سنسميه بـ [النقد الساخر أو السخرية الناقدة] التي نقف على تجليات كثيرة لها في أنحاء الديوان كما في كل دواوينه السابقة وكما يشهد على ذلك الاستدلال الزجلي التالي المكتظ بالمفارقات الساخرة التي تصور مشهد “حركة” فرسان بلا بطولة ولا ملاحم:

 تخبل الحرير

وراس الخيط

ما عرفناه فين اتلّا

والمنجج اللّي غزل

خيوط السرج

تخبلوا خيوطو شلّا

تشتات السربة

وصوت البارود

ما سمعناه ف المحرك

ما عرفنا لا اهنا

ولا تما

و مقدم السربة

طاح ما سمّى

تقطع اللجام

والزغراتة طاح ليها اللثام

وتفرّقت المحلة

الخيل ما وردت

 من ضاية الجران

والمحلة ما محات

حوافر المنكر

نختتم هذا التقديم بالإشارة إلى مسألة تعدد مشارب لغة الزجل عند محمد ناجي، فهي تارة تذهب للتجذر في صلب القصيدة الزجلية الحديثة بنزعتها المساوقة والمتشاكلة مع عمران الشكل التعبيري للقصيدة المعربة  (الفصيحة)، وتارة يميل الشاعر إلى أسلوب [كتاب كلمات الأغاني] أو يمزج بين المذهبين . وعلى العموم هي مجرد اختيارات فنية جمالية لا تعيب جوهر الكتابة لأن في مبتدأ ومنهى الأشياء [المعنى هو أساس البناء في القصيدة والقصيدة هي أساسا موقف و التزام].. ذاك هو محمد ناجي جملة وتفصيلا.

شارك هذا الموضوع

محمد علوط

شاعر وناقد مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: المحتوى محمي !!