فائض القوة والاستقواء في عمليات الخطف
حسين عطايا
قد يكون لقوى السلاح وهجاً يُعطي حامليه نشوة فائض القوة، فيؤدي إلى خروج السلاح عن مساره الطبيعي في أنه سلاح مقاومة، هدفه شريف، ويُرادُ منه حماية الوطن وحدوده، وصد العدوان، ولكن كثرتهُ وفلتان انتشاره، وعدم استعماله في مكانه الصحيح، يجعل منه عبئاً على حامليه ومنظميه ومن يحمله ويقتنيه.
هذا، فعلاً ما حصل ويحصل في مناطق نفوذ وانتشار حزب الله في بعض المناطق اللبنانية، وعلى وجه الخصوص في الضاحية الجنوبية وبعض مناطق البقاع اللبناني حيث أصبحت هذه الآفة تغزو المجتمع وتعيثُ به فساداً لا مثيل له، خصوصاً ما يُسمع من عمليات قتل وتعدي على الممتلكات وأصحابها وعلى الحريات العامة، نتيجة خطف الأشخاص للمطالبة بفدية، عدا عن جرائم القتل والاغتصاب والسرقات على أنواعها، مما يجعل موقف حزب الله في وضعٍ لا يُحسدُ عليه، وبالتالي فهو يتحمل مسؤلية ما يحصل، لأن ذلك أتى نتيجة سياسة زرع مفهوم القوة والإفلات من المحاسبة والعقاب، وخاصية الحماية للأشخاص الذين يدورون في فلكه، والذين لايخضعون إلا لسلطته وتوجهاته، وبالتالي ما يحصل في هذه المناطق من جرائم خطف وتعدٍ على المواطنين في أرزاقهم وأرواحهم وممتلكاتهم، وكأن مناطقهم مُستباحة لهم ولأعمالهم القذرة دون حسيب أو رقيب، على الرغم مما تقوم به بعض الأجهزة الأمنية والقوى العسكرية بين الحين والآخر، إلا أن ذلك يُبقي بعض البؤر سائبة بالنظر للقدرات القليلة التي تمتلكها هذه الأجهزة الرسمية والأوضاع الصعبة التي تمُر بها عناصرها في هذه الاوقات العصيبة والحرجة التي تعيشها بالنظر الى الوضع الاقتصادي المتردي والناتج عن انهيار العملة الوطنية وبالتالي الظروف الصعبة التي تعيشها المؤسسات الامنية والعسكرية .
هنا يتحمل المسؤلية الكُبرى حزب الله واجهزته والتي تمتلك المال والسلاح ويعيش عناصره حياةً مُترفة بالنسبة لحياة أفراد المؤسسات الأمنية والعسكرية، لأن عناصره وأجهزته يقبضون رواتبهم بـ”الفْرِشْ دولار” وليس بالعملة الوطنية،وما يتلقونه من تأمينات وضمانات صحية وغذائية تفوق عشرات المرات ما تتلقاه عناصر المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية.
لابد من أن يلتفت حزب الله إلى بيئته وإلى مناطق انتشاره وهيمنته على معالجة هذه الأمور، نتيجة ما تعيشه هذه المناطق من ظروف الخروج عن القانون اللبناني، والذي سيدفع ثمنها بالتحديد البيئة اللصيقة بحزب الله، لأن هذه الآفة بدأت وبشكلٍ مباشر تسبب الأضرار الفادحة والكُبرى لبيئته. فمثلاً تسعون في المئة من عمليات تصنيع وترويج المخدرات أصبحت محصورة في مناطق هيمنته، وتحديداً في بعض قرى وبلدات البقاع الشمالي القريبة من الحدود السورية اللبنانية، حيث تنشط عمليات التصنيع والتهريب، بمساعدة من أفراد وقادة الفرقة الرابعة السورية، التي تنسب قيادتها لماهر الأسد شقيق الرئيس بشار الأسد، والتي تُعتبر نفط سوريا والمصدر الرئيسي للعائدات والواردات، مما يجعلها بمثابة الأوكسيجين الذي يتنفس من خلاله النظام السوري اليوم.
كما أن منطقة الضاحية الجنوبية، والتي تُمثل القاعدة الخلفية الحصينة لتجارة وترويج المخدرات، وما تشهده من عمليات سلب وخطف وتعدٍ على المواطنين اللبنانيين والأجانب، ولن تكون آخرها عملية خطف المواطن السعودي العامل في شركة الطيران السعودي في لبنان، على طريق المطار، آخر العناقيد السيئة النتاجة عن الفلتان الأمني والاجتماعي الذي تعيشه هذه المنطقة، خصوصاً أن طريق المنفذ الجوي الوحيد، أو بوابة لبنان على الخارج، أي مطار بيروت الدولي، يمر من هذه المنطقة، وبالتالي فإن مثل هذه الأعمال ستُؤثر سلبا على موسم الصيف الحالي، والذي تٌظهر كافة المؤشرات على أنه موسم واعد جداً.
لذا على حزب الله، وبدل التغني بانتصارتٍ وهمية، وما يزرعه في ذهن مناصريه على أنهم فوق القانون أو المحاسبة، أن يلتفت لهذا الأمر بشكلٍ جدي وحاسم، إلا إذا كان هذا جزء من سياسته ليستمر في المحافظة والسيطرة على بيئته، وهذا ما سيعود عليه، ولا ريب، وعلى بيئته بانعكاسات كبيرة مؤذية ومُقلقة جداً.
إن سياسة الهروب إلى الأمام، وسياسة فائض القوة، وكل نتائجها التي بدأت بالظهور، وانعكاساتها على المجتمع المحيط ببيئته، بدأت تؤرق لبنان على كامل مساحته، فهذا الأمر أصبح يطال معظم اللبنانيين ومناطقهم، وحري بحزب الله، بدل التلهي بمناورات عسكرية هنا وشحن سياسي هناك في مواجهة المعارضات اللبنانية وسياسة الاستقواء بالسلاح، حتى على الأجهزة العسكرية والأمنية الرسمية، إذ بدأت مناطقه تعيش حالة عزلة وسيدفع مواطنو بيئته اللصيقة الثمن غالياً نتيجة ما يسود هذه المناطق من اشتباكات شبه يومية بين عصابات الأحياء وخلافاتهم على مناطق النفوذ وفي شتى المجالات، فتحصين المجتمع الذي أخذ يتفلت من الضوابط القانونية والأخلاقية باستباحة القوانين والأعراف والتقاليد، وبدأ يُرخي بِظلاله على مجتمع حزب الله، ولهذا تطلب قيادة حزب الله التدخل من الجيش وبقية الأجهزة الأمنية أحياناً، وبالرغم من كل ذلك لن يستتب الأمن، إلا إذا تغير خطاب حزب الله الديني والسياسي والأخلاقي، إن كان فعلاً يرغب ويُريد إصلاح ما زرع في فكر مناصريه من تربية سيئة مجبولة بالحقد والكراهية على كل من يعارضهم أو يختلف معهم، وبالتالي فإن خطابات النصر المزعوم لا تُجدي نفعاً حين يتفلت المجتمع من ضوابط الأخلاق ومن القوانين والعقل، حين تتجه الأمور نحو الغرائزية وأوهام التميز عن بقية أبناء الوطن والاستقواء عليهم.
Visited 1 times, 1 visit(s) today