معرض الكتاب.. أين الفئة الصامتة؟

معرض الكتاب.. أين الفئة الصامتة؟

المصطفى اجماهري 

     سواء انعقد معرض الكتاب بالدار البيضاء أو بالرباط فإن نفس الأسطوانة المشروخة تعود لتشغل فئة من المهتمين بمجال الكتابة والإنتاج الفكري. بعضهم يتخذ موقف المحبذ وبعضهم يتبنى موقف الساخط. فيعبر الذين شاركوا عن رضاهم من المشاركة، بينما يعبر من أحسوا بأنفسهم قد استبعدوا عن سخطهم مما يعتبرونه إقصاء لا يستحقونه.

   بل إن البعض أصبح يتصرف بسذاجة الأطفال : حيث حينما ينادى عليه للمشاركة يلزم الصمت، وحينما لا يدرج في برنامج الأنشطة يبكي سوء حظه. أما من كانت “خالته في العرس” فإنه يحضر الحفل كل عام.

   وطبعا أتحدث هنا عن فعاليات البرنامج الرسمي للمعرض لا عن الأنشطة الموازية التي تتم في الأروقة الصغيرة والتي أحيانا لا تعدو أن تكون مجرد ترتيب شكلي، كما حين يتعلق الأمر بوضع طاولة أمام كاتب ينتظر أن يأتيه أحد ليوقع له كتابه. وكل ما يحصل عليه هذا المسكين هو مجموعة صور يؤثث بها صفحته الفيسبوكية، وهو ما سميته في مقال سابق بأوهام المعرض.

   وفي كل عام لا يخرج الأمر عن هذين الموقفين : راض وساخط. لكن ما القول في الفئة الصامتة. تتشكل هذه الفئة من غالبية المبدعين والباحثين والكتاب الذين يشتغلون طوال السنة ويطرحون الجديد كل عام دون أن ينادى عليهم للمشاركة، بل هم أصلا لا يسعون لها، علما أن لبعضهم باع طويل في المحاور التي قد تبرمج في أنشطة المعرض. هذه الفئة المترفعة تركز على مجال اشتغالها ولا تدخل في النقاش المبتور الذي يدور كل موسم حول المعرض.

   هذه الفئة الثالثة غير مسموعة لأنها لا تتكلم، ولا تتدخل إطلاقا في النقاش الموسمي الدائر بمناسبة المعرض.

   وبعيدا عن الجعجعة الإعلامية والرواج المروري الذي يعرفه المعرض، فالمهم من كل هذا الزعيق هو الكتاب وظروف إنتاجه الصعبة. ذلك أن حصيلة القراءة جد ضعيفة، والفئات القادرة على شراء الكتاب لا تشتريه. وهو عزوف ينخر خاصة فئة الأطر والمدراء والجامعيين على السواء. وما دام المغاربة لا يقرؤون فلن ننتظر معجزة من المعرض أو من غيره من التظاهرات المماثلة. وقد كشفت مختلف الإحصائيات بأن المغربي لا يخصص في المعدل سوى دقيقتين في السنة للقراءة. بمعنى آخر فنحن نكذب على أنفسنا لو اعتقدنا، بحسن نية، بأننا شعب قارئ. والحال أن أكثريتنا لا تحب سوى اجترار الكلام آناء الليل وأطراف النهار. ومن هنا فقد اعتدنا أن نلتقي، مثلا، في الأماكن العامة بخبراء يدعون الفهم في علوم الذرة وعلوم البحار والقانون الدولي ومعضلة الشرق الأوسط والأزمة الليبية دون أن يكونوا قد قرأوا يوما كتابا واحدا ولا اشتروا من المعرض مرجعا مفيدا. هؤلاء “العلماء” يكتفون باستظهار ما سمعوه في القنوات الفضائية التي سهروا أمامها إلى منتصف الليل. وتبقى الأقلية وحدها من تقوى على الانزواء في ركن مع كتاب للتأمل في أطروحته ومحاورة أفكاره.

   أما الملاحظة الثانية على المعرض فتتعلق بتخمة اللقاءات. وكما يقال فالشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده. من الأكيد أنه كان يمكن أن تكون هذه التخمة إيجابية لو كنا في سياق مغاير وبيئة مشجعة، إنما والحال على ما هو عليه فقد كان ينبغي حصر هذه اللقاءات في رقم مقبول يأخذ بعين الاعتبار معطى الواقع المغربي. فما معنى أن تعقد في نفس الوقت وفي قاعات متفرقة ثلاث لقاءات وعشر توقيعات أو أكثر يتوزع بينها جمهور قليل أصلا. لأن جمهور المعرض، كما هو معلوم، لم يأت كله لاقتناء كتاب أو لحضور ندوة. ومنه من لا يهمه كتاب ولا ندوة، حيث يفضل بعض الزوار شرب القهوة والتسكع بين الأروقة بدل الجلوس على كرسي أمام محاضر. فكل يغني على ليلاه.

   تدور عجلة السنوات ولا يتغير واقع الثقافة. فالقراء تخلقهم المدرسة ولا يخلقهم المعرض. وما دام التعليم منهكا بالبؤس والأعطاب فلن نفرح، على الأقل في المدى القريب، بوجود جمهور فاعل ونوعي. والقراءة تبدأ من المدرسة الأولية وليس عند بلوغ الجامعة. إذ عند الوصول إلى الجامعة يكون أوان التعود على القراءة قد فات.

   تتجلى أوهام المعرض، أيضا، فيما ينشره البعض على صفحته، في وسائط التواصل الاجتماعي، من صور مصحوبة بتعليقات سخية من نوع : “ها أنا أوقع آخر نسخة من كتابي”. هكذا دون معطيات دقيقة تكشف لنا هل هذه النسخة الأخيرة بيعت أم أهديت مجانا ؟ فإن كانت أهديت فهي لا تخصنا كدارسين. وإن كانت بيعت، فما عدد النسخ التي وفرها الكاتب في المعرض أو وفرها الناشر، وهل بيعت كلها في المعرض ذلك اليوم أم في عدة أيام أم هي من مخلفات مكتبة معينة؟ ذلك أن مثل هذه الأجوبة هو ما قد يوفر بعض المؤشرات عن وضعية القراءة في المغرب. 

   وأخيرا، هل ينبغي انتظار المعرض السنوي لاقتناء كتاب؟ وهل ينبغي التذكير بأن الكتب الجديدة متوفرة يوميا في المكتبات على مدار السنة في انتظار قارئ نتمنى أن يظهر في يوم من الأيام.

Visited 58 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المصطفى اجماهري

كاتب وناشر مغربي