أحزاب اليَسار في المغرب : اِنْحِرَاف إِضَافِي نَحو اليَمِين

رحمان النوضة
خلال يوم السّبت 22 فبراير 2025، وبمناسبة تخليد ذكرى وفاة المناضل محمد بنسعيد آيت إيدر، نظّم “الحزب الاشتـراكي المُوحّد” مَهرجانًا سيّاسيًّا، ودعى فيه إلى تشكيل «جبهة يسارية موحدة»، وإلى «إعادة إحياء الكتلة الوطنية»، و«رسم خارطة طريق نحو مغرب الديموقراطية، والعدالة الاجتماعية». وحضر رسميا في هذا المهرجان، كل من: “حزب الاشتـراكي المُوحّد”، و”حزب فيديرالية اليسار الديموقراطي”، و”حزب النّهج الدِّيموقراطي”، و”حزب الاتحاد الاشتـراكي”، و”حزب التـقدم والاشتـراكية”، و”حزب البديل الحضاري”، الخ.
وَيُجَسِّد هذا اللـقاء اِنْحِرَافًا آخر نحو اليَمِين، وَيُعْتَبَر خَطَأً اِسْتْراتيجيًّا قَاتلًا، وَيُغَدِّي أَوهامًا إصلاحية قَديمة، وفاشلة، وَعَقِيمة. ولماذا ؟ للأسباب السَّبْـعَة التّالية:
1) “حزب الاتحاد الاشتـراكي”، و”حزب التـقدّم والاشتـراكية”، ومنذ عشرات السِّنِين، لم يَعُودا حزبين «يَساريَّيْن»، وَلَا «مُناضلين»، وَلَا «وَطنيّين»، وَلَا «دِيمُوقراطيَّين». بَل تَحوّلا إلى حزبين «مُحافظين»، و«يَمِينِيَّين»، و«إداريَّين»، و«انتهازيَّين». وأصبحا من بين «الخُدّام الأوفيّاء لِلنظام السياسي الاستبدادي القائم»(1). وكل مَن يظنّ أنّ أيّ حزب يَبْـقَـى كما كان عند نَشْأَتِه، وَلَا يُخطئ، أو لَا يَتطوّر، أو لَا يَنحرف أبدًا، فهو إِمَّا وَاهِم، وإمّا جَاهل، وإمّأ مُخادع.
2) قَادَة “حزب الاتحاد الاشتـراكي”، و”حزب التـقدم والاشتـراكية”، ظَلُّوا خلال عشرات السِّنِين، يُشاركون في العَدِيد مِن الحَكومات المُتَـعَاقِبَة، وفي البرلمانات، وفي الجماعات المحلّية، ولم يُنجزوا أيّ شَيء ذِي أهمِّية لمصلحة الشّعب. بَل ظلّوا يَخْدُمُون النظام السياسي، وَيَخدمون مصالحهم الشّخصية الانتهازية. وَكانوا دائمًا يُزَكُّون كلّ عَمليّات الـقَمع، والتَزْوِير، والـفَساد، والخِدَاع، الجَارية في السّاحة السيّاسية. وَلَا يُرْجَى منهم أيّ خَيْر يُذْكَر.
3) قادة، وأعضاء، “حزب الاتحاد الاشتـراكي”، و”حزب التـقدم والاشتـراكية”، ومنذ قُرابة 1990، تَخلّوا كُلّيًّا، وَنِهَائِيًّا، عن الشّعب، وَعَن المَبَادِئ، وَعَن «الوطنية»، وعن «التَـقدّمية»، وعن «اليسارية»، وعن «الماركسية»، وعن «الاشتـراكية»، وعن «النضال الثّوري». كما تَخلّوا عن «الأخلاق النضالية»(2)، وَارْتَدُّوا عن كلّ «المبادئ النضالية».
وهذه الأحزاب (باستثناء “حزب النهج”)، التي تخلّت كلّيًّا عن «الاشتراكية»، تَسْتَمِرّ في وَصْف نفسها بِـ «الاشتراكية»، وفي نفس الوقت، تُناصر «الرّأسمالية» المُفترسة.
وأصبح “حزب الاتحاد الاشتـراكي”، و”حزب التـقدّم والاشتراكية”، حِزْبَيْن «مُحافظين»، و «يَمِينِيَّين»، و «انتهازيَّين». ومن الوَهْم الـفَاقِع الاعتـقاد بإمكانية تَحْوِيلهما إلى أحزاب مُلتزمة بِالنضال الوطني، أو التـقدّمي، أو الديموقراطي، أو الثّوري، أو الاشتراكي. فَمَا الـفائدة مِن مُساعدتهما على العَودة إلى الحُكومة؟
4) “حزب الاتحاد الاشتـراكي”، و”حزب التـقدّم والاشتـراكية”، كانا دائمًا يُدَعِّمُون، أو يَرتَضُون، أو يُسايِرُون، قَمْعَ «حركة 20 فبراير»، و«حِرَاك مَنطقة الرِّيـف»، و«حراك فِيجِيج»، و«حِرَاك اجْرَادَة»، والكثير مِن النضالات الجماهيرية الأخرى.
5) الـفِئَات السّائِدَة في “حزب الاتحاد الاشتـراكي”، وفي “حزب التـقدّم والاشتـراكية”، هي فِئَات البُورجوازية الصَّغِيرة والمُتَوَسِّطَة، وهي الفِئَات الأكثر اِنـتهازيةً، وَخِدَاعًا، وَنِـفَاقًا. وَمِيزَتهم الأساسية هي الأنانية، والْاِسْتِلَاب (aliénation)، والانـتهازية. والتجارب التاريخية تُوكّد أن هذين الحزبين لَا يَختلـفان عن أحزاب “التجمّع الوطني للأحرار”، و”الاتحاد الدّستوري”، و”الأصالة والمعاصرة”، و”الحركة الشعبية”، الخ.
6) هل دعوة “حزب الاشتـراكي الموحّد”، إلى التَـعاون مع “حزب الاتحاد الاشتـراكي”، ومع “حزب التـقدم والاشتـراكية”، هل تَعني هذه الدّعوة أنّ “حزب الاشتـراكي المُوحّد” يَطمح إلى أنْ يُصبح هو أيضًا حزبًا انـتهازيًّا مثلهما؟ أَلَا تَـعـنـي هذه الدَّعوة أنّ التِيَّار السيّاسي اليَمِينِي والانـتهازي هو الذي أصبح سَائِدًا داخل “حزب الاشتاركي المُوحّد”؟
7) كَيـف يُـعقل أنْ نَتـعامل مع “حزب الاتحاد الاشتـراكي”، و”حزب التـقدّم والاشتـراكي”، كَأحزاب «يَسارية»، أو «مُناضلة»، أو «اشتـراكية»، أو «ثورية»، بينما هما في الواقع حِزْبَين مِن بَيْن «الخُدّام الأوفيّاء لِلنظام السياسي الاستبدادي القائم»؟
أَتَمَـنَّـى أنْ يَنْسحب “حزب النهج الدِّيموقراطي العُمّالي” من كلّ تَجَمُّع حزبي يُشارك فيه “حزب الاتحاد الاشتـراكي”، أو “حزب التـقدّم والاشتـراكية”، أو أيّ حزب آخر مِن بين «خُدّام النظام السياسي القائم»، لكي يَتَلَافَى “حزب النّهج” إِصَابَتَه بِـعَدْوَى الانحراف، واليَمينية، والانتهازية.
في 28 فبراير 2025.
_________________________________________________________________________________
(1) أنظر كتاب : رحمان النوضة، نـقد أحزاب اليسار، نشر 2012، الصفحات 314، الصيغة 60.
(2) أنظر دراسة: رحمان النوضة، العلاقة بين الأخلاق والسياسة، من خلال نـقد محمد سبيلا، نشر 2018، الصفحات 25، الصيغة 7.