عندما ساهم هواري بومدين في ضرب أكراد العراق

عندما ساهم هواري بومدين في ضرب أكراد العراق

عبد السلام الوسرغيني *

    دعنا نأخذ بمنطوق ومفهوم ما حكاه لنا التاريخ وما يوحي به تطور الأحداث، وآخرها سقوط الرهان الذي كانت تعتمد عليه القيادة الجزائرية، أي رهان إسبانيا التي انصاعت للواقع الذي عرفته القضية الصحراوية.   ودعنا نفترض أن قادة الجزائر  يرغبون فعلا، وفي قرارة أنفسهم، في إنهاء الصراع المرير، الذي أنهكنا جميعا، مغاربة وجزائريين، فماذا علينا في هذه الحالة أن نفعل ؟   لقد دفعتني محاولة الجواب على هذا السؤال إلى طرح فكرة تقديم هذا العرض، لعل من يعنيهم الأمر يستخلصون منه العبرة.                      

 أمامي الآن ما سجلته عن شريط قصير بثته الفيس بوك ضمن أشرطة تبثهاعلى ما يبدولي – أجهزة مخابراتية جزائرية تحت عنوان “زمن بومدين”، وكأن هذا الزمن لم ينته منذ اثنين وأربعين سنة مرت على وفاة صاحبه أو صانعه. يعرض الشريط روبورتاجا عن مؤتمر قمة عقدته منظمة الدول المصدرة للبترول بالجزائر في يوليوز 1975، وقبل شهور قليلة من نشوب نزاع الصحراء، ولما كان للجزائر حينئذ من نفوذ، فقد حرص أكبر عدد من قادة الدول الأعضاء في المنظمة على حضور هذا المؤتمر الذي اختتم بحادث هام، أبى الرئيس بومدين إلا أن يزفه للمؤتمرين، وهو منتشيا بما حققه ذلك المؤتمر من نتائج.   

 فمن على منبرالمؤتمر، بدا صدام حسين، نائب الرئيس العراقي يومها، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، وهما يتعانقان، ثم انضم إليهما الرئيس الجزائري هواري بومدين، وهم جميعا منتشين، في جو من الانشراح والنشوة بما حققوه من إنجاز لبلدهم. فما الذي يمكن أن نستخلصه مما حدث نتيجة مصالحة العراق مع إيران في تلك الفترة بالذات؟

 لقد كانت تلك المصالحة في الواقع إيذانا بانهاء إحدى أهم حركة انفصالية شهدها الشرق الأوسط في القرن الماضي، وأقول إنهاء بدل إنتهاء، لأن نهايتها كانت بإرادة  طرفي المصالحة، لا بإرادة الأكراد، وبإيعاز من صاحب المبادرة. كانت تلك الحركة في الواقع حركة خاض بواسطتها الشعب الكردي ثورة مسلحة  طيلة عقود، محاولا تحقيق حلم تكوين نواة دولة كردية تضم شتات جميع الأكراد المنتشرين في الشرق الأوسط. لم يكن الأكراد ينطلقون من خارج أراضيهم، كما لم يكونوا يملأون الدنيا زعيقاً، محاولين مثلا الاعتماد على الجزائر، أو غيرها لفرض قضيتهم على المجتمع الدولي، كما يفعل فلول الانفصاليين الصحراويين. فالأكراد يكونون فعلا شعبا متميزا بقوميته ولغته وثقافته، ولكنهم موزعون أساسا على العراق وإيران وتركيا. بيد أن العراق التي تضم حوالي خمسة ملايين مواطن من أصل كردي، كانت أكثر تعرضا لتمرد أكرادها، الذين كانوا يتلقون الدعم والأسلحة أساسا من إيران، المدفوعة بما بينها وبين العراق من عداء مستحكم، ومن إسرائيل الساعية إلى إنهاك العراق، ومن تم العالم العربي.    

 ونصل هنا إلى نتيجة أن ما كانت قد فعلته إيران هو ما تفعله الجزائر حاليا، مع أن المغرب لا يضمر أي عداء للجزائر، وأن ما يطلبه هو احترام وحدته الترابية، وأن ليس له نزاع معها. ومع ذلك تصر الجزائر على خلق شعب من العدم وعلى حساب المغرب، وكأنه البلد الوحيد الذي يجب أن لا تكون له صحراؤه وسكان صحراويون. وعلى عكس ذلك فان الأكراد شكلوا شعبا متميزا، ولكنهم شكلوا جزء من المواطنين العراقيين وعبر فترة من التاريخ المعاصر، واعتبرت أرضهم جزء من التراب العراقي لا يمكن التخلي عنه، ولا أن تستغني العراق عن الموارد البترولية التي تدرها منابع النفط في كردستان العراق .                             

 وبمقتضى المصالحة العراقية الإيرانية، كان من الشروط غير المعلنة ومن قبيل التراضي، أن تقوم إيران بتجريد الأكراد من الأسلحة، وأن تحرم ثوارهم من المأوى. وقد أوفت إيران بتعهداتها، فكان ذك بمثابة انهيارأهم حركة انفصالية وجدت أن ليس لها من مآل سوى الانهيار كمثيلاتها في مختلف أنحاء العالم. وللتذكير فقد شهدت اسبانيا ومعها فرنسا في القرن الماضي انهيار محاولتين انفصاليتين، خاض أولاها سكان منطقة الباسك الإسبانية، ثم فشل الكطلانيون الإسبان في الانفصال بمنطقتهم الغنية اقتصاديا. أما حركة سكان منطقة لابروطاني الفرنسية فلم تكن لها خطورة تذكر.  ولقد سبق لقارتنا الافريقية أن عرفت بدورها حركات انفصالية، كان مصيرها الانهيار. وأهم هذه الحركات نشأت في كطانغا بالكونغو البلجيكي السابق، غداة استقلاله، وفي بيافرا في نيجيريا وفي كزمانس بالسنغال. ويبدو أنه لن ينجح الانفصال في الكامرون، حيث يتصارع الفرنكفونيون مع الانجلوفونيين مهددين البلاد بالانقسام. أما عندنا في المنطقة المغاربية فلن تنجح أبدا محالات فلول الانفصاليين الصحراويين مهما تبذله الجزائر من جهود ومهما تبذره من أموال.                                        

والواقع أن حكاية المغرب مع الجزائر لم تعد سرا يستطيع قادة الجزائر أن يخفوا معها أهدافهم. وبانكشاف اللعبة وانقلاب السحر على الساحر، تراجعت بشكل ملحوظ الاعترافات بالكيان الصحراوي الوهمي وفي أفريقيا على الخصوص، بحيث لم يعد من المستبعد أن يتم إلغاء عضوية ذلك الكيان الوهمي في الاتحاد الافريقي، أو على الأقل تجميد عضويته.                                                   

فماذا يمكن للمسؤولين الجزائريين أن يفعلوه الآن، غير ما فعله الإيرانيون إزاء حركتهم الانفصالية، وبإيعاز من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، عندما نجح في وساطة المصالحة العراقية الإيرانية؟  وفي اعتقادي أن الظروف الحالية مواتية، بل وتفرض عليهم إنهاء الصراع مع المغرب، تمهيدا لتسوية نزاع الصحراء، وهم يملكون بكل تأكيد مفاتيح التسوية. فهل هم فاعلون؟ ومتى يحدث ذلك؟

* صحفي مغربي

Visited 10 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

السؤال الآن

منصة إلكترونية مستقلة