لافروف على حق… هتلر هو الجدُّ الأكبر للصهاينة
عبد السلام بنعيسي
الضجَّةُ التي أثارها تصريحُ وزير خارجية الاتحاد الروسي سيرجي لافروف حول الأصول اليهودية للرئيس الألماني النازي أدولف هتلر، والإنكار الصهيوني الذي قوبل به هذا التصريح، مع ما صاحبه من شجب وتنديد، تُذكرنا بمقالٍ نُشِرَ في الصحافة المصرية، وكان كاتبُه المصري قد تناول بشكلٍ نقدي ساخر الصهيوني شمعون بيريز حين كان يمارس القمع والاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني، وهو في منصب رئيس وزراء دولة الاحتلال، وكان الكاتب المصري قد شبَّهَ، في ذلك المقال، قمعَ بيريز للفلسطينيين بقمع النازيين الألمان، لمواطني دول الجوار، خلال غزوهم واحتلالهم لتلك الدول…
ورفض بريز وقتها أن يتمَّ تشبيهه بالنازي، واصطنع الغضب والزعل، كما يفعل في هذه الأيام، بينيت، ولابيد، وبني غانتس في زعلهم، من تصريح لافروف حول الأصول اليهودية لهتلر، ونشرت الصحافة العبرية حينئذ تقارير تتحدث عن زعل بيريز من تشبيهه بالنازي، ولما قيل للكاتب المصري بأن بيريز زعل من تشبيهك له بالنازي، كان ردُّ ذلك الكاتب الساخر مختصرا، وفي كلمات موجزة: أنا افتكرت النازي الذي زعل…
النازية، في جوهرها، إيديولوجية عنصرية تؤمن بتفوق العرق الآري على باقي الأعراق البشرية الأخرى، وبأن لأهلها الحق في غزو البلدان الأخرى، واحتلالها، وفرض السيطرة على سكانها، وانتزاع أرضهم وممتلكاتهم المادية والرمزية منهم، وجعلهم خدما عندها، فتحْت شعار تفوق العنصر الآري، شنَّ النازيون الألمان حروبا على دول الجوار وغزوها، بغية استعبادها، وتسببوا نتيجة لذلك، في كوارث، لا تعد ولا تحصى لأهلها، وللبشرية جمعاء…
وهذا ذاته ما تقوم به دولة الاحتلال الصهيوني منذ إنشائها إلى اليوم، إنها كيان أنشئ بقرار غربي، وتم زرعه في الأرض الفلسطينية، بعد اقتلاع الفلسطينيين سكانها الأصليين منها، ورميهم لاجئين خارجها، ومن تبقى منهم في أرضه ظلت القوات الصهيونية تمارس ضدهم كل أشكال البطش والاضطهاد، وترتكب في حقهم المجازر والمذابح الجماعية، ويمكن القول، إن الكيان الصهيوني حطّم الأرقام القياسية في اقترافه جرائم القتل، والتهجير، والإبعاد، وانتزاع الأرض من أصحابها الفلسطينيين، واعتقالهم، وسجنهم، وشن الحروب عليهم، وهدم منازلهم فوق رؤوسهم…
يحدث ذلك أمام أنظار العالم الذي يعتبر نفسه متحضرا، ولا من يحرك ساكنا لإيقاف إسرائيل عند حدِّها، فكل الأبواب مُشرعة في وجهها لكي تفعل في الفلسطيني ما يروق لها، فهل هناك دولة واحدة في العالم، تقوم بهدم منزل عائلة، والرمي بكامل أفرادها في العراء، لأن أحد أفراد العائلة قام بعملية فدائية ضد القوات التي تحتل أرضه؟ أليس هذا عقابا جماعيا؟ وهل هناك دولة واحدة في هذه الدنيا تعتقل، لسنوات وسنوات، دون محاكمة، الآلاف من أبناء الوطن الخاضع لاحتلالها، اعتقالا إداريا، أي على الشبهة؟
إسرائيل دولة تصنفها منظمات عالمية تُعنى بحقوق الإنسان، ولا يرقى الشك لحيادها ونزاهتها، بأنها دولةٌ عنصريةٌ، ونفسُ الحكم يُصدرهُ في حقها بعض كتابها، والكثير من المفكرين اليهود النزهاء الذين يعيشون خارجها، وهي تقول عن نفسها، إنها دولة خاصة باليهود، والعرب الذين يوجدون في أراضي 1948، تعتبرهم مواطنين من درجة عاشرة، وليس لديهم ذات الحقوق التي لدى باقي مواطنيها من اليهود، وهي منذ ما يقرب من 20 سنة، تفرض حصارا نازيا على أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة…
وحتى جيران إسرائيل العرب لم يسلموا من أذاها، وشنت حروبا عليهم، واحتلت أراضيهم، وترفض الانسحاب منها، طبقا لقرارات الشرعية الدولية التي تدعوها للانسحاب. وكل الحروب التي خاضتها أمريكا ومعها الغرب، على دول المنطقة، سواء في العراق، أو سوريا، أو لبنان، أو ليبيا، وسقط أتناءها ملايين الضحايا، كانت حروبا من أجل أمن إسرائيل، وضمان استمرار تفوقها العسكري، والعلمي، والتنموي على جيرانها، وكل الدمار والخراب الذي حلَّ بالمنطقة، كان الهدف منه أن تظل إسرائيل آمنة مطمئنة على وجودها، بخلق الفراغ والدمار من حولها.
الحصار الخانق المفروض حاليا على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس سببه البرنامج النووي الإيراني، كما يقع الترويج لذلك، السبب الرئيسي هو الخوف على إسرائيل، من الدعم الذي تقدمه طهران للمقاومة، وحتى النزاعات المفتعلة بين إيران والدول العربية المجاورة لها، فإنها من صنع أمريكا والغرب، خدمة للمصلحة الإسرائيلية. استتباب الأمن والاستقرار، وتحقيق التنمية الاقتصادية والعلمية في الدول العربية والإسلامية، تعتبره الدولة العبرية تهديدا وجوديا لها، وتعمل على إحباطه، ومنع حصوله، إلا بالمقدار الذي يروق لها…
دولة من هذا الصنف، بماذا تختلف عن الدولة النازية؟ وبماذا يختلف قادتها، القدامى والجدد، في تصرفاتهم هذه، عن الزعيم النازي أدولف هتلر، بماذا تتميز سياساتهم عن السياسة التي كان هتلر ينهجها؟ ألا تضاهيها وتتفوق عليها في ممارسة الجور والظلم على ضحاياها؟ ولماذا لا يكون لافروف على حق عندما يعتبر أن هتلر، هو جد الأكبر للقادة اليهود الصهاينة، وأنهم حفدته، ومن أصوله، ألا يقترفون نفس الجرائم التي كان يقترفها؟
مهما كان الجواب، فإن اليهود الصهاينة المزروعين في منطقتنا، بالنسبة للعرب والمسلمين، يبزُّون في جرائمهم المقترفة ضدنا، الجرائم التي ارتكبها هتلر في ألمانيا، وفي أوروبا، وإذا كان العالم الغربي قد توحّد، وأوقف جرائم هتلر، وأنهاه ودولته النازية، فإن هذا العالم الغربي لا يزال يوفر للكيان الصهيوني الحماية والأمن، للاستمرار في عدوانه ونازيته ضد الفلسطينيين، وضد جيرانه العرب، في لبنان، وفي سوريا، وفي العراق، وفي اليمن…
والمفارقة هي أن هذا الغرب الذي قاوم هتلر، وقضى عليه، بسبب نازيته، لا يتردد في تعاطيه مع المقاومة الفلسطينية والعربية التي تتصدى للكيان الصهيوني، في سمها بالإرهاب، فالغرب رفض عنصرية هتلر وحروبه، وتصدى لها، وأسقط النازية، ولكنه يرعى ويحفظ الصهيونية التي هي صنو النازية في منطقتنا؟ أليست هذه ازدواجية في المعايير؟ أليس في هذا التصرف نفاقٌ وتجاوزٌ للقيم القانونية والأخلاقية التي يتبجح الغرب علينا بكونه يحترمها ويتقيد بها، ويزعم أنه يسعى لنشرها في عموم الكرة الأرضية؟؟؟