أزمة الماء بين “دلاح” زاكورة و”مجهول” تافيلالت!
علي كرزازي
متلفعا بالأخضر والأبيض، جاء يمشي على استحياء، استهوته منطقة زاكورة فحطّ الرحال بها، استقبله أهلها بحفاوة، أكرموا وفادته، طاب له المقام فأقسم أن لا يرحل، ضاربا بعرض الحائط مقولة “ضيافة النبي ثلاثة أيام”…
ذلك هو “الدلاح” أو البطيخ الأحمر، الذي تمت زراعته في العقدين الأخيرين بضواحي مدينة زاكورة على نطاق واسع، اكتسح مساحات شاسعة من الأراضي التابعة للخواص وللجماعات السلالية. عمد زارعوه الى شراء الأراضي أو كرائها ، ومنهم من استفاد من تلك الاراضي على سبيل التفويت. تلك هي شرعة الاستثمار التي باركها المنتخبون المحليون وكبار الفلاحين.
اكتسب هذا المنتوج الفلاحي شهرة واسعة داخل المغرب، وفي وقت قياسي حتى غذا “ماركة مسجلة”.
المشهد الأول:
شاحنات محملة بالدلاح تتوجه نحو جميع جهات المملكة.
المشهد الثاني:
أصوات الباعة تتعالى في الأسواق: “دلاح زاكورة الحلاوة ديال بالصّح، ذوق قبل ما تشري”…
لم تمر سوى سنوات قليلة حتى طمح “دلاح” درعة إلى مغادرة التراب الوطني لتجريب حظه في أسواق أوروبا، فكان له ما أراد. وكان ذلك دليل نجاح زراعته، على الأقل بالنسبة لمنتجيه.
المشهد الثالث:
إنه موسم العطش بزاكورة والنواحي، قبل سنوات قليلة خرج سكان زاكورة والنواحي في مظاهرات حاشدة، احتجاجا على ندرة الماء وقلة الماء الشروب، ليثار السؤال بحدّة:
من يكون المسؤول يا ترى عن هذا الوضع الكارثي المنذر بأزمة لا مثيل لها ؟
هناك من قال: إنه الجفاف الذي تسبّب في قلة المياه الجوفية وتراجع منسوب الفرشة المائية، فيما أشار آخرون بأصبع الاتهام للمنتوج الوافد: “الدلاح”، مدّعين أن إنتاج “دلاحة” واحدة يكلف أربعة أضعاف وزنها من الماء، فلو أخذنا فرضا “دلاحة” تزن 10 كيلو غرام، فإنها تتطلب استهلاك 40 لترا من الماء. وبحسب بعض المعطيات المتأتية عن دراسة مُنجزة حول الإنتاج الزراعي والتدبير المائي في المنطقة، تمّ استنتاج أن كيلو غرام واحد من البطيخ الأحمر يستهلك 45 لترا من الماء في حالة الاعتماد على تقنية سقي عصرية (عملية التنقيط)، وهذا يعني أن “دلاحة” تزن 10 كيلو غرامات تستهلك 450 لتر من الماء.
أما في حالة السقي التقليدي، فإن إنتاج الكيلو غرام الواحد من “الدلاح” يتطلب 112 لترا من الماء العذب ، مما يعني أن “دلاحة” تزن 10 كيلو غرامات تستهلك 1120 لترا من الماء.
أمام اتساع الأراضي المستغلة في إنتاج هذا البطيخ، فإنه من الطبيعي أن يتم تسجيل خصاص مهول في مادة الماء، خاصة إذا علمنا أن مدينة زاكورة تنتمي جغرافيا إلى جهة درعة تافيلالت، التي يسودها مناخ شبه جاف، يتميز أساسا بقلة التساقطات المطرية وعدم انتظامها.
وبالموازاة مع انتشار هذه الضيعات الفلاحية الخاصة بإنتاج “الدلاح” في منطقة درعة، ظهرت ضيعات موازية في منطقة تافيلالت، خاصة على مستوى محور مسكي- بوذنيب، حيث شغلت مساحة تقدّر بـ 8 آلاف هكتار، تمّ تخصيصها لزارعة النخيل وبالأخص الصنف المدعو بـ”المجهول”. إضافة إلى الضيعات المستحدثة على مستوى محور أوفوس – أرفود والريصاني.
في درعة، كما في تافيلالت، أقدمت عدة فعاليات منها جمعيات وتعاونيات فلاحية على دق ناقوس الخطر، منددة بهذا التهافت على إنشاء الضيعات الفلاحية، وما يترتب عن ذلك من استغلال غير معقلن للماء، من دون الارتكاز على دراسة علمية تسهم في ترشيد استعمال الماء والحيلولة دون استنزاف الفرشة المائية للجهة، خاصة في ظل توالي سنوات الجفاف وقلة التساقطات، وكذا انخفاض حقينة السدود الخمسة للجهة، وهو الانخفاض الذي أصبح معه شبح العطش يتهدد المنطقة ككل، وبالتالي سيؤثر لا محالة على النظام الواحي بالمنطقة والذي يشكل 46 % من مجموع الواحات بالمغرب.
نحن إذن أمام خيارين أو رهانين متعارضين:
– رهان الاستثمار: الذي يدعي أصحابه الارتكاز على تنمية النشاط الفلاحي بالمنطقة، خاصة من خلال التشجيع على المزروعات المدرة للدخل، والتي تسهم في تشغيل اليد العاملة وبالتالي في تحقيق التنمية المحلية للجهة
– رهان تدبير المياه: والذي يرى أنصاره أن مسألة الاقتصاد في مجال استغلال الماء، أصبحت تفرض نفسها كتحدّ أساس، في جهة تقلّ فيها التساقطات ويسود فيها التصحر، مما ينبغي معه ترك المزروعات التي يتطلب إنتاجها وفرة في الماء ، وكذا مراقبة استهلاك أصحاب الضيعات للمياه…
وعليه فلقد بات من المستعجل إيلاء هذه المسألة ما تستحق من اهتمام من خلال إجراء دراسات ميدانية، تسعف أصحاب القرار إن محليا، أوجهويا، أو حتى وطنيا في اتخاذ الاجراءات المناسبة، والتي تأخذ بعين الاعتبار خدمة الصالح العام من جهة، والمساهمة أولا وأخيرا في التنمية المحلية لجهة درعة تافيلالت، التي تعتبر من أفقر جهات المملكة، من دون الاضرار برصيدها ومخزونها المائي، والذي قد يسبب في حال استنزافه تنامي عامل الهجرة نحو مدن الداخل مع ما يرافق ذلك من مشاكل بنيوية جمة.