عامان على انفجار مرفأ بيروت… ولا يزال الجرح نازفاً

عامان على انفجار مرفأ بيروت… ولا يزال الجرح نازفاً

حسين عطايا

في سابقة دولية لم يشهدها العالم الحديث، ان تمر الذكرى الثانية على ثاني أكبر انفجار غير نووي ضرب العاصمة اللبنانية بيروت، فقتل وجرح وأصاب المئات والآلاف وشرد مئات الآلاف، ولم يتحرك التحقيق ليصل ولو إلى فك بعض الخيوط التي يمكن أن تدُلل على مفتعل التفجير، أو تكشف أسبابه الحقيقية، حيث لم يزل التحقيق في بداياته، وحتى الآن لم يستطع المحقق العدلي المكلف التحقيق في القضية من ختم تحقيقه وإصدار القرار الظني .

هذا الأمر يدل على مدى بطء العدالة في لبنان نتيجة التدخلات السياسية من منظومة حاكمة، همها الأساس حماية المقصرين والمرتكبين، من دون النظر حتى إلى تحقيق ركن العدالة، في وطنٍ تُستباح فيهِ حقوق الإنسان اللبناني كل يوم.

فعلى الرغم من مرور سنتين، أي سبعُ مائة وثلاثون يوماً، لم يتوصل التحقيق بعد لكشف خيوط الحقيقة، تم كف يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، من خلال إغراق القضاء اللبناني بسيلٍ من الدعاوى، تتمثل في شكاوى نقل ورد ونقض وكف يد المحقق العدلي، تعدادها تسع وثلاثون دعوى موزعة على عددٍ من الأشخاص المتهمين، أو الذين تحوم حولهم شُبهة اتهام، وهم على التوالي :

ــــ ثماني عشرة دعوى مقدمة من فريق “حركة أمل”، من قِبل نائبيها علي حسن خليل وغازي زعيتر  .

ـــ ستة دعاوى مقدمة من قِبل الوزير السابق يوسف فنيانوس، المنتمي لــ “تيار المردة” والذي يرأسه النائب السابق سليمان فرنجية .

ــــ أربعة دعاوى مقدمة من الموقوف بدري ضاهر المدير في الجمارك اللبنانية .

ـــ ثلاثة دعاوى من الوزير السابق نهاد المشنوق .

ـــ دعوى مقدمة من رئيس الحكومة السابق حسان دياب .

ـــ سبع دعاوى مقدمة من بعض الاشخاص يعتبرون على علاقة بقضية تفجير مرفأ بيروت .

وعلى هذا الأساس تم كف يد القاضي بيطار أربعُ مرات، ومن قبله القاضي فادي صوان، حيثُ بلغ عدد أيام التعطيل الناتجة عن دعاوى الرد والكف والنقل ما مجموعه أربعمائة وسبعة أيام من أصل سبعمائة وثلاثين يوماً، وهو ما أدى إلى ضرب التحقيق، حتى أن العديد من المواطنين والأحزاب ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها، شككوا بالحصول على نتائج من التحقيق، لما يتعرض له من صعوبات تواجه الوصول إلى معرفة الحقيقة .

وهنا لا نكشف سِراً في القول، بأن تفجير مرفأ بيروت أحد أكبر الانفجارات غير النووية في تاريخ العالم، وتسبّب في ارتدادات هزّت العاصمة بيروت ووصلت ارتداداته الى مناطق قريبة من العاصمة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 232 ضحية، وإصابة أكثر من 7000 آخرين بجراح ومنها المئات من الإعاقات الدائمة للمصابين، وقد ألحق أضراراً جسيمة بالممتلكات.

وقد أشار تحقيق أوّلي أجرته “هيومن رايتس ووتش” إلى تورط محتمل لشركات مملوكة لأجانب، فضلاً عن عدد من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في لبنان، ممن تدور حولهم العديد من شُبهات التقصير أو المشاركة بأسباب التفجير.

وبعد مرور عامَيْن، لم يتقدّم التحقيق المحلي، وما من بوادر تقدُّم تلوح في الأفق. فقد عرقلت السلطات اللبنانية مرارًا وتكرارًا سير التحقيق في الانفجار، من خلال حماية السياسيين والمسؤولين المعنيين من الاستجواب والملاحقة القضائية والاعتقال، عبر ما تقدم من شكاوى ودعاوى الرد والكف والنقض وغيرها من أساليب وممارسات يعطيها القضاء، وقد اقدم المتهمون بأستغلالها بتعسف، نتيجة ما يُسمى من حصانات نيابية وغيرها من حجج واهية الهدف الواضح منها عرقلة سير العدالة .

ووثقت “هيومن رايتس ووتش”، ومنظمة العفو الدولية، وجمعية الحركة القانونية العالمية، والمفكرة القانونية، ولجنة الحقوقيين الدولية، مجموعة من العيوب الإجرائية والمنهجية في التحقيق المحلي، بما في ذلك التدخل السياسي الصارخ، وحصانة مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى، وعدم احترام معايير المحاكمة العادلة، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة.

وقد سبق وذكرنا قيام العديد من سياسيين مشتبه بتورّطهم في القضية  تسعة وثلاثين طلبًا لإقالة القاضي طارق بيطار الذي يقود التحقيق، وعزل غيره من القضاة المشرفين على القضية، مما تسبب في تعليق مجريات التحقيق مرارًا وتكرارًا أثناء الفصل في القضايا. وأدت أحدث سلسلة من الطعون القانونية المقدمة ضد القاضي بيطار إلى تعليق التحقيق منذ 23 ديسمبر/كانون الاول 2021.

من الواضح الآن، أكثر من أي وقت مضى، أنَّ التحقيق المحلي لا يمكن أن يحقق العدالة، مما يجعل إنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أكثر إلحاحًا، وحتى يدفع الأمر بعضا من القوى السياسية ونوابًا حاليين، إلى المطالبة بلجنة تقصي حقائق، بل إلى المطالبة بتحقيق دولي، لأنه بلغ الأمر إلى حد عدم الوثوق بالتحقيق المحلي والقضاء اللبناني.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

حسين عطايا

ناشط سياسي لبناني