إجرام الأسلحة الحادة والمُشفرة.. محاولة لفهم الظاهرة

إجرام الأسلحة الحادة والمُشفرة.. محاولة لفهم الظاهرة
Criminalité liée aux armes tranchantes et cryptées

عبد الله النملي

           وصلت حالة الإجرام بالأسلحة الحادة والمشفرة حدا لا يمكن السكوت عنه، بعد التنامي المطرد للظاهرة وتوالي عمليات “الكريساج”، حتى أصبح الخوف من قطاع الطرق والمجرمين أكثر من الخوف من “داعش”، حيث شكل هؤلاء السّياب الجُدُد، ظاهرة شبابية إجرامية قلقة، فتحت أعين المغاربة على أشكال إجرامية غير مألوفة، بحيث لم يكن يتوقع أحد أن تصل وقاحة المجرمين حدّ توثيق محاولات السلب والنهب والضرب والجرح والاعتراض والسرقة والاغتصاب والاحتجاز في وضح النهار. ولم يكن يتصور أحد أن تصل جرأة المجرمين حدّ اقتحام البيوت الآمنة بحثا عن “الغنائم والسبايا”.وحتى المدرسة امتد إليها الإجرام ليطال العاملين تحت سقفها، من خلال اعتداءات التلاميذ على بعضهم البعض، وعلى موظفي وأساتذة المدرسة. و خير مثال على ذلك قضية الاعتداء الجسدي على التلميذة سلمى بواسطة شفرة حلاقة على مستوى وجهها من طرف زميلة لها في الدراسة، والتي لقيت استنكارا واسعا من طرف المغاربة الذين استشاطوا غضبا من الحالة المتردية التي وصل إليها فضاء التربية والتعليم في بلادنا، وكذلك حادثة أستاذة أرفود التي توفيت متأثرة بجروحها على يد أحد طلابها، والتي عرفت تضامنا افتراضيا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وخرجت دعوات بين صفوف الأساتذة للاحتجاج في مختلف المدن، من أجل إعادة الاعتبار لكرامة رجال ونساء التعليم، بعد أن أسقط بعض التلاميذ هالة التقديس والاحترام عن المدرسة والفاعلين فيها، ولم يعد للأستاذ حق التبجيل والاحترام، وأصبح الأساتذة يخافون على حياتهم، ويميلون أكثر إلى اتباع “السبل السلمية” في طريقة توبيخ التلميذ إذا ما اقترف فعلا يخالف أعراف المدرسة وتقاليدها، درءا لأي تصرف عنيف قد يصدر عنه. والنتيجة انتشار صور الاعتداءات على المدرسين، جعلت بعضهم يصاب بمرض نفسي، يزورون بسببه الطبيب بحثا عن الراحة، بعد أن أرهقتهم كثرة الضغوط الممارسة عليهم، التي تجعل منهم ضحية تلميذ “منحرف” داخل القسم أو خارجه.

والأخبار التي تتناقلها الصحافة، وشبكات التواصل الاجتماعي، والملفات الرائجة في المحاكم، كافية لكشف الستار عن المنحى التصاعدي الذي اتّخذه الإجرام بالمغرب. وقد بدأت الظاهرة في بعض المدن، ثم انتشرت جغرافيا في باقي البلاد، حيث لقيت اهتماما واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، لتصل إلى قبة البرلمان، بعد أن صار تجول مواطن حاملا حقيبة أو مُتحدثا في هاتفه تصرفا بطوليا.

ونتيجة لذلك، ارتفعت الحملات الداعية لمحاربة الاعتداءات المسلحة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أطلق نشطاء حملة “زيرو كريساج” تطالب بالتدخل لوقف الظاهرة الإجرامية. وقد أجْرَت المختبرات الجهوية للتسجيلات الرقمية والإلكترونية تحريات واسعة بشأن صور وفيديوهات تسربت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر مجرمين وجانحين يستعرضون سواطير وخناجر، وسكاكين كبيرة الحجم تقطر بالدماء، وسيوف مختلفة الأحجام، بعضها يُحيل على تلك المستعملة بالأفلام التاريخية وأفلام “الأكشن”، وكذلك عصي كهربائية وبخاخات، ويتباهون بغنائم تحصلوا عليها من عمليات سرقة وسطو.

وكانت وزارة الداخلية قد وجهت في السابق دورية إلى الولاة وعمال الأقاليم، تطلب منهم اتخاذ التدابير الكفيلة بالقضاء على استهلاك المواد المهلوسة، والتصدي لظاهرة الاتجار وصناعة الأسلحة البيضاء التي صارت اكسسوارا ملازما “للمشرملين”، بعد أن اتضح أن استهلاك القرقوبي واستعمال الأسلحة البيضاء يقفان وراء ظاهرة الإجرام المتصاعد. الأمر الذي استدعى توقيف العديد من الأشخاص على خلفية تورطهم في قضايا تتعلق بالسكر العلني والعربدة وإحداث الفوضى والمشاركة في مشاجرات، واعتقال آخرين لتورطهم في حيازة السلاح الأبيض دون سند مشروع، والتهديد بارتكاب جنايات وجنح ضد الأشخاص والممتلكات، وعدم الامتثال لإجراءات الضبط، وإبداء المقاومة العنيفة عن طريق الكلاب من فصيلة خطيرة. ولدرء هذه التهديدات الخطيرة والوشيكة المسجلة، اضطر رجال الأمن أحيانا لاستخدام السلاح الوظيفي بشكل احترازي.

إن تفشي الإجرام في وسط المراهقين والشباب عامة، أصبح ظاهرة ملفتة في المجتمع المغربي. هذه الظاهرة عنوان لمشكلة فراغ وسوء التربية والمشاكل الاجتماعية، وانشغال الوالدين في حياتهم عن مراقبة أبنائهم، مما دفع بالشريحة المذكورة إلى توظيف طاقاتها في الإجرام. وإذا كانت الظواهر الشبابية عَبّرت عن نفسها في الماضي من خلال الموسيقى والرياضة وغيرها، فإن ظاهرة الإجرام تعبير شبابي عنيف، ينم عن رفض لواقع مأزوم. شباب يحاولون اثبات وجودهم ولفت الأنظار إليهم من خلال التمرد على واقعهم، مستغلين العالم الافتراضي لعرض غنائمهم وأسلحتهم الحادة والمُشَفّرة. هذه الظاهرة، يتميز أصحابها، عما سواهم، بكلامهم غير المفهوم، وطريقة حلاقتهم اللافتة للأنظار، وتحويل أجسادهم لورش للأوشام والرسوم، وارتداء الملابس الغالية الثمن، وامتلاك أغلى الهواتف، والساعات اليدوية، والتزين بأغلى العطور، واستعمال دراجات نارية، وأحذية رياضية، واستعراض القوة من خلال تهديد الآخر.

العنف صفة مُكْتَسَبَة لا فطرية. وقد أظهرت دراسات أن لوسائل الإعلام نصيب وافر في التأثير على سلوك الأبناء، ذلك أن مشاهدة أفلام الإثارة والعنف والجريمة له دور كبير في ميل الذكور إلى العنف، باختلاف أعمارهم ودرجات تعليمهم. كما خَلُصَت أبحاث أخرى إلى أن بعض المشاهدين لتلك الأفلام يتأثرون أحيانا بتلك المشاهد. أما على صعيد أبطال أفلام المغامرات والإثارة والرعب، فالملاحظ أن أولئك الأبطال يتميزون بالبنية الجسدية الضخمة الرياضية، ويتصفون بالوسامة والقبول الإجتماعي (داخل أحداث الفيلم)، إضافة إلى سعي البطل إلى نُصْرة من حوله وكشف الحقيقة، كما يتميزون عادة بحركات احترافية وصعبة وسرعة البديهة، وفي أحيان كثيرة يميز البطل نفسه بلباس معين. وقد أوضحت دراسات مختصة أن عينة من الشباب تَمَنّوا فعليا أن يكونوا بقوة وسيطرة أبطال الأفلام، وأكدوا وجود مثل هذه النماذج البطولية في الواقع.

وهذا يؤكد أن التأثر بالصورة المُكْتَسَبَة من مشاهدة أبطال الأفلام تؤثر في المشاهدين، حتى إن البعض منهم يَأمل أن يكون نموذجا واقعيا من صورة أولئك الأبطال في تلك الأفلام. ناهيك عن آخرين أكدوا محاولتهم تقليد سلوك الأبطال في هذه الأفلام، واستعانتهم ببعض الأفكار التي شاهدوها في تلك الأفلام في حياتهم الواقعية.

 وبيّنَت الدراسات كذلك، أن الألعاب الإلكترونية الحديثة، لعبت دورا كبيرا في برمجة عقول شبابنا على استخدامها كرمز للقوة والشجاعة. فبعض الألعاب قائمة على شراء الأسلحة لقتال العدو والنيل منه للفوز عليه، والانتقال لمراحل أعلى في اللعبة.

وعلى الرغم من الأعباء الثقيلة والتضحيات الجسيمة التي يَبْذلها رجال الأمن، لازالت الجريمة في تنامي مطرد، الشيء الذي أقلق طمأنينة الناس، ذلك أن كل العمليات الإجرامية ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالخمر والمخدرات والقرقوبي والأسلحة البيضاء، والتي يعتبرهم الخبراء البيئة الخصبة لمختلف الجرائم. وكيف يطمئن القاضي إلى ميزان العدالة إذا كان المجرم يعود إليه كل بضعة أشهر بجريمة جديدة؟، وكيف يخرج الشباب من حالة الإحباط إذا كان ترويج الخمر والمخدرات والقرقوبي يتم بالقرب منهم؟. وليس من الحِكمة أن تمر التقارير التي تتحدث عن انتشار الجريمة دون الوقوف عندها والتأمل في أرقامها. وفي الوقت الذي تستفحل فيه ظاهرة الإجرام، ننتظر بالمقابل مواجهة عاجلة توازي حجم المشكلة.

Visited 9 times, 1 visit(s) today
شارك هذا الموضوع

عبد الله النملي

كاتب وباحث (المغرب)