برحيل البابا فرنسيس: هل سيتراجع صوت السلام بوصول بابا “ترامبي”؟!

عبد الرحيم التوراني
خلفت وفاة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية (السادس والستون بعد المائتين)، أصداء حزن وتعاطف واسع عبر أرجاء العالم. إذ اعتبر رحيله (عن عمر 88 عاما) “خسارة كبيرة للإنسانية جمعاء، فهو كان نصيرًا للفقراء والمظلومين ومن أشد الداعين لاعتماد الحوار سبيلاً لحل الخلافات”، وفق تدوينة للزعيم اللبناني الدرزي، الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط.
إجماع عربي
في حين نعاه أغلب الحاكمين العرب، من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى الملك المغربي محمد السادس، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
كما بادر إلى نعي البابا فرنسيس، شيخ الأزهر أحمد الطيب، وأيضا أحزاب وأبرز تيارات ما يسمى بالإسلام السياسي، من بينها حزب الله اللبناني، وحركة “حماس” الفلسطينية، وحزب حركة “النهضة” في تونس، وحركة “العدل والإحسان” شبه المحظورة في المغرب.
في برقيات العزاء العربية تكررت كلمات الإجماع على كون البابا فرنسيس كان “صاحب إرث إنساني عظيم”، بالتركيز على دعوته إلى تعزيز التسامح والتفاهم بين الأديان وبناء جسور الحوار بين الشعوب، ومناصرته للقضية الفلسطينية وأهل غزة المضطهدين، من منطلق دفاعه عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. مع التأكيد على أن وفاة البابا فرنسيس “خسارة جسيمة للعالم أجمع حيث كان صوت السلام والمحبة والرحمة ومثالا يحتذى به في الإخلاص للقيم النبيلة”.
وطبعا، كما اعتدنا عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، طلعت بعض التدوينات المريضة، التي أفتى أصحابها بأنه “لا يجوز الترحم على غير المسلمين”.
من سيخلف البابا فرنسيس؟
برحيل البابا فرنسيس، انطلقت مباشرة وسائل الإعلام الدولية تتحدث عمن سيخلفه في “الكرسي الرسولي”، وانتشر بعض الخوف من أن يكون خليفته من خارج ما يعتبر بـ”الجناح التقدمي” في الكنيسة، الذي كان البابا فرنسيس يعد متزعما له.
غير أن الأعراف، أو القوانين التي تتبع داخل الفاتيكان تقول إنه عندما يغيب البابا، بالاستقالة أو الموت، يتم انتخاب خليفته من قبل لجنة من الكرادلة، وهم أهم قادة الكنيسة الكاثوليكية، من الذين يعينهم البابا شخصيا، وعادة على أساس أولئك الذين يشعر أنهم الأقرب إليه أو الأكثر استحقاقا للترقية، وأيضا مع الأخذ في الاعتبار التمثيل الجغرافي والتيارات المختلفة داخل الكنيسة.
في السنوات الاثنتي عشرة التي قضاها في البابوية، عيّن 108 كاردينالاً من بين 135 الذين سيختارون خليفته، أي ما يقرب من 80 بالمائة. ومن بين الكرادلة السبعة والعشرين المتبقين، تم تعيين 22 منهم من قبل بنديكتوس السادس عشر، وخمسة منهم من قبل يوحنا بولس الثاني.
وبالرغم من أن ديناميكيات لجنة الكرادلة التي تنتخب البابا الجديد، تجري وفقًا لطقوس وقواعد محددة للغاية، تظل غير قابلة للفهم من الخارج، فإن المفاجأة دائما حاضرة، فقد يتم انتخاب كاردينال من الفصيل المحافظ، بسبب عناصر أخرى لها وزنها تقليديا في اختيار البابا، منها الأصل الجغرافي والعمر والخبرة ووفقًا لمصادر صحفية مقربة من حظيرة الفاتيكان.
إلا أن تفاؤل بعض المتفائلين لا يغيب، بأن هناك فرصة جيدة أن يكون البابا القادم من الفصيل التقدمي في الكنيسة، تماما مثل فرنسيس.
الأخبار المتسربة من حظيرة الفاتيكان تشير إلى 22 اسما قد يكون واحدا منها خليفة محتملا للبابا الراحل. تتوزع جنسياتهم الأصلية على البرتغال، وفلسطين، وهولندا، والكونغو الديمقراطية، وجنوب أفريقيا، والبرازيل، والفلبين، ولوكسمبورغ، وسويسرا، إضافة إلى مرشحين من إيطاليا يعتبران من أبرز المرشحين المفضلين بعد وفاة البابا.
حداد لبناني وجنازة عالمية
بمجرد الإعلان عن موت البابا جرى إعلان الحداد الوطني في إيطاليا، ودول أوروبية أخرى، أما في العالم العربي فقد انفرد لبنان بقرار الحداد، ووفق بيان لرئاسة مجلس الوزراء على منصة “إكس”،
“أعلن رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام الحداد الرسمي على وفاة الحبر الأعظم قداسة البابا فرنسيس لمدة ثلاثة أيام اعتبارا من تاريخه ولغاية يوم الأربعاء الواقع في 23 نيسان (أبريل) 2025 ضمنا”.
ومن المنتظر أن يحضر أغلب زعماء العالم جنازة البابا فرانسيس السبت المقبل.
وقد أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالفعل حضوره. وكتب تدوينة جاء فيها: “أنا وميلانيا سنذهب إلى جنازة البابا فرانسيس. سنكون هناك”.
ومن المؤكد أن زيارة ترامب ستكون لها تداعيات تتجاوز الدين إلى حد كبير.
وسيكون الرئيس الأوكراني زيلينسكي حاضرا، كما أعلن الأرجنتيني خافيير ميلي أيضًا أنه سيكون في روما لحضور الجنازة.
في الوقت الذي يتردد فيه كلام عن احتمال صعود بابا للكنيسة الكاثوليكية، من الجناح اليميني المناصر لسياسة ترامب، وقد أطلقت بعض المواقع الصحفية الإيطالية ساخرة على القادم الجديد لقب “البابا الترامبي”.
صوت السلام الذي يصعب أن يتكرر
غير أن الفيلسوف والسياسي الإيطالي المعروف ماسيمو كاتشاري، صرح بأن البابا فرنسيس:
“شكّل انقطاعًا واضحًا في حياة الكنيسة فيما يتعلق بالتقاليد الأوروبية، وفيما يتعلق بالبُعد الأوروبي المركزي الذي ميّزها دائمًا. وفي الوقت نفسه، كان البابا صوت السلام في وجه جميع الحروب الأهلية”.
مضيفًا: “سيكون من الصعب العثور على خليفة – كما يدعي المثقفون – قادر على مواصلة الإصلاح الداخلي للكنيسة بطريقة جذرية، وفي الوقت نفسه صوت السلام في وقت لا تظهر فيه الصراعات أي علامة على التراجع”.