تقاليد الأعياد الدينية الروسية

تقاليد الأعياد الدينية الروسية

د. زياد منصور

دون شك فإن التقاليد الروسية هي مجموعة من القيم الثقافية، والذي تتخذ لنفسها أشكالاً ومسالك يعبر عنها في العديد من الطقوس والمعتقدات الشعبية. موضوع هذه العادات الجديدة والقديمة، وخصوصيات التقيد بها في روسيا في هذه المقالة التي اعتمدت على مجموعة من المراجع، بالإضافة إلى التجارب الشخصية.

     تشكلت التقاليد الروسية وتبدلت على مدى قرون عديدة. بعضها جاء من الوثنية، والبعض الآخر بعد معمودية روسيا حوالي سنة 988.  أما العادات الحديثة فهي عبارة عن تقاليد وعادات جمعت ما بين الماضي والحاضر، إنه تراث ثقافي أصبح سمة مميزة للشعب الروسي.

    “هناك خط رفيع بين التقاليد والعادات لا يتم ملاحظته دائمًا. التقاليد محافظة ومستقرة وتؤثر على جميع مجالات الحياة البشرية. تتغير العادات في كثير من الأحيان ولا تهتم بالأسرة بقدر ما تهتم بقواعد السلوك في المجتمع أو طبقة اجتماعية ما أو أثنية. وهذه “يمكن تسميتها طقوس ترمز إلى الانتقال من حالة إلى أخرى”.

       من المهم أيضا معرفة أن العادات هي الصورة النمطية للسلوك وموروثة من الأجداد، ولا تحتاج إلى تبريرها، ويتم اعتمادها باعتبارها شيء مألوف لمجموعة اجتماعية أو أمة معينة. أما التقاليد فهي منظومة أفكار ومعايير وقواعد سلوك تشكلت عبر الزمن بشكل مجهول تستخدمها مجموعة كبيرة من الأفراد، وتنتقل التقاليد من جيل إلى جيل، فهي تنظم العلاقات الاجتماعية.

تقاليد الأعياد الروسية

ارتبط عدد كبير من تقاليد الأعياد في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا، ولا يزال مرتبطًا بتغيير الفصول (بداية ونهاية الأعمال الزراعية، والحصاد) وتواريخ التقويم الأرثوذكسي.

هناك العديد من المجموعات العرقية في روسيا، ولكل منها تقاليدها الخاصة والتي تشكلت اعتمادًا على المناخ والموقع والثقافة، وتحت تأثير الأحداث السياسية. تم إحداث العديد من التغييرات خلال ثورة 1917، التي استبدلت الكثير من الأعراف الدينية. واليوم فإن التقاليد السوفيتية للاحتفال بالعام الجديد وعيد العمال وعيد النصر لا تزال سائدة وبقوة، كما أنَّ عادات الاحتفال بعيد الميلاد وعيد الفصح، لا تزال حتى الآن هي من العادات الرئيسية.

– رأس السنة الجديدة (1 كانون الثاني، يناير)

حتى بداية القرن السابع عشر، كانت تحل السنة الجديدة في روسيا مع فصل الربيع – 1 آذار/مارس، ثم تحولت إلى الخريف. في عهد بطرس الأول، بدأ الاحتفال برأس السنة، كما هو الحال في أوروبا، وفقًا للتقويم الغريغوري أي في منتصف الشتاء.

حدث هذا لأول مرة في 1 كانون الثاني/يناير  1700. في الحقبة السوفيتية، بعد إلغاء الاحتفال بعيد الميلاد، أصبح الاحتفال بالسنة الجديدة احتفالًا وطنيًا.

كان من تقاليد هذا العيد في الإمبراطورية الروسية، ضرورة وضع شجرة عيد الميلاد، رجل الثلج، الهدايا؛

في النسخة السوفيتية فإن “بابا نويل” هو “ديد موروز” أو “جد الصقيع” (حيث تعني كلمة “موروز” بالروسية “صقيع”)، ويعرف باسم “موروز إيفانوفيتش” منذ عام 1840، وقد التصقت صورة “جد الصقيع” برأس السنة وليس بالأعياد المسيحية في الثلاثينيات من القرن الماضي إبان العهد السوفيتي، بعد عدة سنوات من الحظر، حيث سمح لشجرة الميلاد بالظهور مرة أخرى.وتعود النماذج الأولية لجد الصقيع إلى أصول فولكلورية سلافية، حيث يبدو كرجل عجوز يرتدي معطفاً ملوناً (باللون الأزرق أو الأحمر أو الأبيض من الفراء)، وله كذلك لحية بيضاء طويلة، ويحمل عصا في يده، ويرتدي حذاءً من اللباد، وتجر مزلاجته ثلاثة خيول.

يأتي “جد الصقيع” الروسي مع حفيدته “سنيغوروتشكا” (عروس الثلج)، وفي حقبة الاتحاد السوفيتي كان يصحبه كذلك صبي يرتدي معطفاً من الفراء الأحمر وقبعة، وغالباً ما يحمل أحدهم رقم السنة الجديدة، ثم اختفى ذلك التقليد وتلاشى مع الزمن. جد الصقيع” الموازي لـ “بابا نويل” دخل إلى التقاليد الأدبية الروسية عام 1840، بنشر مجموعة القصص الخيالية “حكاية الجد إيريناوس” بقلم الكاتب والفيلسوف الروسي، فلاديمير أودويفسكي (1803-1869)، والتي تضمنت حكاية خيالية عن العجوز “موروز إيفانوفيتش”، والتي قدمت للمرة الأولى تفسيراً أدبياً لصورة الفولكلور وطقوس تجسيد الصقيع في صورة آدمية بروسيا الوثنية.

كانت الصورة التي رسمها أودويفسكي لا تشبه إلى حد بعيد شخصية “بابا نويل” المعروفة، ولا تقتصر بربطه بالتقويم الخاص بأعياد الميلاد أو رأس السنة، بل كذلك في الربيع. فكان موروز إيفانوفيتش يعيش في بلد جليدي، يفتح المدخل إليه من خلال بئر، ولم يكن يأتي للأطفال، وإنما كان الأطفال هم من يأتون إليه، ولا يقدم هدايا في موعد ما، على الرغم من أنه كان يكافئ على العمل الجيد بسخاء.

لفترة طويلة، ظل موروز إيفانوفيتش وشجرة رأس السنة منفصلين، حتى تم توحيدهما في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما ظهرت محاولات في بيئة المدن الروسية الكبيرة لاختراع “بابا نويل” خاص بروسيا، يقدم الهدايا للأطفال الروس، فتمت الإشارة إلى “العجوز روبريخت” 1860 (ويتضح من الاسم الأصل الألماني)، أو “الجد نيكولاي”، 1870، في عهد ألكسندر الثاني. وهي محاولات متفرقة لم تتجذر في الثقافة الروسية.

في عام 1886، احتفل بطقس “موروزكا” للمرة الأولى، وفي الثمانينيات من القرن التاسع عشر ترسّخت صورة “جد الصقيع”، الذي يعطي الهدايا للأطفال، وفي مذكراته، كتب المعلم والكاتب الديني سيرغي دوريلين (1886-1954) عن مذكراته في الطفولة، نهاية القرن التاسع عشر، والتي كتبت ما بين (1924-1932)، أن “الجد (صقيع) كان يجيء بشجرة عيد الميلاد”. ومع بداية القرن العشرين كانت الصورة المألوفة لجد الصقيع” الروسي الموازي لـ “بابا نويل” قد تشكلت بالفعل، وكتبت عنها الأعمال الأدبية، كما ترسخت في وعي الأطفال والكبار على حد سواء.

من عادات هذا العيد سلطة “أوليفييه”، وجود اليوسفي “مانداريني”على الطاولة، ومن أهم أشكال الاحتفال بالعام الجديد شجرة عيد الميلاد بشكلها التقليدي، التي تعج بها ساحات جميع المدن الروسية، ويلتف حولها الأطفال يرقصون في بهجة عارمة، منتظرين عاما مليئا بالمحبة والخير والسلام… وبالطبع مشاهدة فيلم “سخرية القدر أو نعيما”. من مظاهر وداع العام في آخر لحظاته، وهو يسدل ستارته لتُرفع بذلك ستارة العام الجديد الذي يطرق أبواب المرحبين به، من هذه المظاهر حرق ورقة كُتبت عليها أمنية ثم نثر رمادها في كأس شمبانيا، على أمل أن تتحقق الأمنيات في العام المقبل، وذلك مع قرع جرس الكرملين 12 مرة، تستغرق كل منها قرابة أربع ثواني، معلنة حلول العام الجديد. هنا تقدم العائلات الهدايا لأصدقائها وكذلك للمعارف غير الرسمية. نظرًا لأن السلاف ن مجتمع متماسك تقليديًا، يُنظر إلى عدم تقديم الهدايا لأولئك الذين تربطهم العائلة بهم على أنه من المحرمات. يبقى الأطفال مستيقظين حتى منتصف الليل في انتظار حلول العام الجديد. خلال هذه الاحتفالات، يستمع العديد من الروس بعروض السنة الجديدة الخاصة، والتي أصبحت تقليدًا قديمًا للتلفزيون. وقبل منتصف الليل، يلقي رئيس البلاد رسالة العام الجديد إلى الأمة، وعندما تدق الساعة 12، يتم عزف النشيد الوطني في جميع محطات التلفزيون والإذاعة وكذلك في ساحات الاستقلال أو ساحات لينين في المدن الأخرى والتي لم تتغير أسماؤها حيث تقام احتفالات الأعياد.

ظهرت بعد الاتجاهات في أواخر القرن العشرين، منها: تزيين الأكاليل وأغصان شجرة التنوب أو الشوح في الشوارع وفي شجرة المنزل، الزلاجات مع رنين ديد موروز، بالإضافة إلى الألعاب النارية المبهرة التي تجمع المئات لمشاهدتها والاحتفالات المشتركة في الساحات، وفي معارض رأس السنة الجديدة.

عيد الميلاد (7 كانون الثاني/يناير  حسب التقويم الغريغوري)

عطلة أرثوذكسية مرتبطة بميلاد المسيح ونهاية الصوم. في هذا اليوم، من المعتاد وضع طاولة احتفالية. لا يمكنك أن تأكل قبل ظهور “النجمة الأولى” (على غرار بيت لحم، التي أنارت طريق المجوس الطريق إلى المخلص).

 في عيد الميلاد، كان من المعتاد ترداد بعض الترانيم الليتورجية، وكانت تسمّى الترانيم الميلادية الشعبية “كولادكا”، يمكن تقسيم هذه الترانيم إلى فئتين: الميلادية (لتمجيد المسيح) وزراعية (وهي ترجع إلى عصور ما قبل المسيحية في روسيا). الأولى هي التي تُسمع اليوم في بعض المناطق والتي تؤدّيها أيضاً جوقات كنسية، أما الثانية فهي أقدم زمنياً وترتبط بموضوع خصوبة الأرض وتتعلق محتوياتها بتمنّيات الحصاد والرفاهية في السنة الجديدة.

 التجوال حول البيوت والمنازل وغناء الأغاني وتلقي الهدايا هي من العادات الرئيسية. عملياً انقرض هذا التقليد تقريبا، ولكن هناك تقليد آخر-عرافة المخطوبين وتكهن المستقبل، من أجل معرفة القدر، إلخ. لكن فيما سبق فإن طقس تمجيد الميلاد يعود إلى العصور المسيحية بحيث ينما كان يغني الأولى لميلاد المسيح احتفاء بالعذراء التي ولدت أعظم الخلائق”. كان تقليد التمجيد منتشرًا جدًا بين الناس، فكان الشباب يتنقلون من بيت إلى بيت أو يتوقفون تحت النوافذ ويمدحون ميلاد المسيح، كما يتمنون الخير والازدهار لأصحابها في الترانيم والنكات. قدم المضيفون المرطبات للمشاركين في مثل هذه الحفلات الموسيقية -والتهنئة، وكانت تظهر مظاهر التنافس في الكرم والضيافة. كان من السيئ ألا تقدم الهدايا للمتجولين المادحين، حتى أن هؤلاء كانوا يأخذون معهم أكياسًا كبيرة لجمع الهدايا الكثيرة من أطعمة وغير ذلك. لقد كانت من بين أحبّ وسائل الترفيه للشعب في فترة “الأمسية المقدّسة” هو التنكّر وتأدية الترانيم الميلادية الشعبية. كان الشباب في روسيا وأوكرانيا قديماً يجتمعون معاً في هذه الأمسية ويتنكّرون في شكل الحيوانات أو أبطال الحكايات الشعبية وينطلقون هكذا في القرية أو في المدينة، وهذه العادة بقيت موجودة بعد عصر بطرس الأول حتى العصر السوفييتي. كان البطل الرئيسي في هذه المجموعات هو الدبّ، وكان الشباب يختارون لهذا الدور أسمن شاب في القرية. كان المتنكّرون يدخلون كل كوخ مضاء من الداخل وهم يغنّون ترانيم ميلادية وطروبارية العيد.

في القرن السادس عشر، أصبحت مغارة الميلاد جزءًا لا يتجزأ من العبادة. لذلك كان تقص في الأيام الخوالي، قصة ولادة يسوع المسيح في الساحات والمسارح. منع قانون مغارة الميلاد من إظهار دمى العذراء والرضيع الإلهي، ودائمًا ما تم استبدالهما بأيقونة. ولكن يمكن تصوير المجوس والرعاة وغيرهم من الشخصيات التي تعبد يسوع المولود حديثًا بمساعدة الدمى وبمساعدة الممثلين.

يسبق الاحتفال بعيد الميلاد في اليوم الأخير قبل العيد، مع الطقوس. فأولئك الذين صاموا في هذا اليوم كان من المفترض أن يأكلوا سوكيفو -الشعير أو حبوب القمح المطبوخة مع إضافة العسل. اما الأكلة الرئيسية هي سليقة القمح (اسمها “كوتيا” أو “كوليفو”) وهي عبارة عن عصيدة مع العسل والزبيب، ومن الأطعمة الأخرى: الشراب الساخن (شراب روسي قديم) من الماء والعسل والتوابل مع الأعشاب الطبّية، بسكويت الجوز، فطيرة الخشخاش، القطائف، سحلب الشوفان، التفاح المجفّف المطبوخ في العسل، بسكويت الشوفان على شكل الحيوانات والأشخاص وهي ترمز إلى الرعاة والمجوس.

عند منتصف ليلة عيد الميلاد، يبدأ المؤمنون في الاستعداد للعطلة: يقومون بغسل الأرضيات وتنظيف المنزل، وبعد ذلك يذهبون إلى الحمام. مع بداية وجبة العشاء، عند انتهاء الصيام الصارم. كان جميع الأقارب المجتمعين على الطاولة ينتظرون ظهور النجم الأول في السماء -هذا التقليد مستوحى من قصة عيد الميلاد مع نجمة بيت لحم، التي أعلنت ولادة المسيح للعالم.

كان أحبّ وسائل الترفيه للشعب في فترة “الأمسية المقدّسة” هو التنكّر وتأدية الترانيم الميلادية الشعبية. كان الشباب في روسيا وأوكرانيا قديماً يجتمعون معاً في هذه الأمسية ويتنكّرون في شكل الحيوانات أو أبطال الحكايات الشعبية وينطلقون هكذا في القرية أو في المدينة، وهذه العادة بقيت موجودة بعد عصر بطرس الأول حتى العصر السوفييتي. كان البطل الرئيسي في هذه المجموعات هو الدبّ، وكان الشباب يختارون لهذا الدور أسمن شاب في القرية. كان المتنكّرون يدخلون كل كوخ مضاء من الداخل وهم يغنّون ترانيم ميلادية وطروبارية العيد.

احتفالات “سفياتكي” عيد الميلاد المسيحي (6-18 كانون الثاني/يناير)

عيد الميلاد المسيحي هو بعدد أيام العيد الاثني عشر، أي بين السادس والثامن عشر من كانون الثاني/يناير عندما يتم الاحتفال بميلاد المسيح. “سفياتكي” (svyatki). التسمية الشعبية لهذه الفترة هي “الأمسية المقدّسة” لأنه بحسب التقليد القديم كان على المسيحيين الأرثوذكس فيها أن يتوقفوا في المساء عن كل أعمالهم اليومية تذكاراً للأحداث المتعلقة بميلاد المخلّص وعمّاده.

يبدأ منذ لحظة عيد الميلاد وينتهي عشية عيد الغطاس، ويسري بين الناس قول مأثور: “من النجم إلى الماء”. في عيد الميلاد المسيحي، يتم تنظيم المعارض، والرقصات الشعبية والباليه، ويتم تجسيد مشهدية المهد، وتقام جلسات التكهن والتنجيم والتبصير ومعرفة البخت. وفقا للتقاليد، في هذه الأيام كانت تتم زيارة أولئك الذين يعانون من قساوة الحياة: المرضى والأيتام في دور الأيتام والمسنين الوحيدين والسجناء. كانت الفتيات الصغيرات تتحلقن في مجموعات صغيرة للتحدث عن ثرواتهن، وعن تصوراتهن لعريسهم المستقبلي، وتكهن النهاية السعيدة للخطبة من خلال عرافات يقمن بذلك، أو النساء الخطابات. كانت الطريقة الأكثر تطرفًا لرؤية الشخص أو العريس المفترض هي رحلة إلى الحمام مع مرآة وشمعة. يكمن الخطر في حقيقة أنه كان من الضروري القيام بذلك بمفردك وفي نفس الوقت نزع الصليب.

وكان يسود اعتقاد أن خسارة شيء ما عشية العيد يعني تكبد الخسائر طوال العام. مثلا سقوط أو كسر مرآة هو نذير شؤم. رؤية العديد من النجوم في السماء إشارة إلى حصاد كبير. إذا قامت السيدة بالتطريز عشية عيد الميلاد فستمرض طوال العام. كل هذا يشير إلى ارتباط الثقافة والعادات وطقوس الشعب الروسي ارتباطًا وثيقًا بعالم الطبيعة والحيوانات، وبالتكهنات التي تجلب التفاؤل والتشاؤم.

عيد الغطاس أو المعمودية (ليلة 18-19كانون الثاني/يناير)

عيد الغطاس هو عطلة أرثوذكسية، والتي تسمى أيضا عيد الغطاس. واحدة من طقوس عيد الغطاس الأكثر شعبية هي الاستحمام في حفرة جليدية (وهذا ليس طقوس الكنيسة)، ترمز إلى تنقية الروح والجسد. مناسبة عيد الغطاس توجد عدة عادات وتقاليد في روسيا، حيث يبدأ سكان روسيا بتحضير أنفسهم روحيًا وجسديًا لاستقبال عيد الغطاس بحضور الصلاة والخدمات الإلهية في الكنائس، ومشاركة الكاهن في الصلاة أثناء تقديس المياه. ومن ثم يقوم العديد من المواطنين الروس بالغطس في المياه الباردة ثلاث مرات، بالرغم من أن درجة الحرارة في روسيا في شهر كانون الثاني/يناير  تتراوح بين -1 إلى -40، وفقًا للمنطقة، وهذا يعتبر أهم التقاليد وأكثرها شعبية في عيد الغطاس، وتعد هذه إحدى المناسبات المهمة في تقويم الكنيسة الأرثوذكسية.

بالنسبة للمعمودية، من المعتاد تقديس الماء في المعبد، ثم شربه في الصباح مع الصلاة. ويعتقد أنه إذا تم رش هذه المياه على زوايا الغرف، فسيتم حماية المنزل. في بعض القرى، ظلت العادة تتمثل في رسم صليب فوق فتحات الأبواب والنوافذ لنفس الغرض.

ماسلينيتسا (من 28 شباط/فبراير إلى 6 آذار/مارس)، أو عطلة التحضير للصوم

لفظ الماسلينيتسا مشتق من كلمة ماسلو (السمن) الروسية، ويطلق عليه أيضا أسبوع المرافع، وهو احتفال روسي سلافي. يرجع تاريخه إلى عصر الوثنية السلافية، التي ازدهرت في النصف الغربي من روسيا والدول المجاورة لها، مثل أوكرانيا وروسيا البيضاء وليتوانيا.

واعتبرت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أسبوع المرافع من أعيادها، حيث يأتي هذا الأسبوع مباشرة قبل الصوم الأرثوذكسي الكبير، ويكون في نهاية شباط/فبراير أو بداية آذار/مارس.

هو طقس لدى السلاف الشرقيين، والذي يعني في الأصل إحياء ذكرى المتوفين. في وقت لاحق، ارتبط ماسلينيتسا بانتصار الربيع على الشتاء وبداية الصوم الكبير.

في هذه الاحتفالات من المعتاد حرق دمية، ركوب المزالج والمزالق والتزحلق من ارتفاع أو تل، والمشاركة في منافسات:  : معارك القبضات ، ورمي الأحذية، وتسلق الأعمدة، شد الحبل.

جزء لا يتجزأ من طقوس هذه الاحتفالات هو أكل الفطائر المحشوة بالعسل والقشدة والكافيار والأسماك/ واللحم المقدد، الخ. ويحظر المذهب الأرثوذكسي في هذا الأسبوع تناول اللحوم، أما الألبان والمخبوزات فيمكن تناولها بكثرة، وتعتبر الفطائر الروسية أو البليني Bliny، جزءا لا يتجزأ من تقاليد هذا الأسبوع في روسيا.

وفي اليوم الأخير منه، يقوم الناس في هذا اليوم بحرق دمية من التبن، ترمز إلى الشتاء الراحل، وتوضع الدمية في وسط ساحة، حيث تضرم شعلة نار، وترافق توديعها رقصات وأغان ومزح، وبعد أن يحترق الشتاء، يبدأ الشباب في القفز فوق الشعلة مستعرضين لياقتهم البدنية، وبهذا تنتهي الاحتفالات.

عيد الفصح (24 نيسان/أبريل (باسخا)

العطلة المسيحية القديمة والرئيسية المرتبطة بقيامة يسوع المسيح بعد الصلب. في هذا اليوم، يخبزون الكعك، ويعدون عيد الفصح، ويطلبون المغفرة ويتبادلون البيض المسلوق الملون. في عيد الفصح هناك العديد من الخدمات الكنسية وأبرزها خدمة ليلة السبت التي تدوم طوال الليل. ليلة السبت، في وقت متأخر جدا (قبل منتصف الليل بقليل)، تجمع الجماعة. كثير من الناس يجلبون طعام عيد الفصح ليكونوا مباركين من قبل الكهنة. الجميع يضيء شمعة. في منتصف الليل، يتجول الجميع حول الكنيسة بشمعتهم في موكب رسمي للاحتفال بقيامة المسيح. بعد ذلك، يتوجه الرؤساء إلى الداخل للخدمة، وهي طويلة جدًا. تستمر حتى الساعات الأولى من يوم الأحد -ونعم، كثير من الناس يغادرون. تجذب هذه الخدمة العديد من غير المؤمنين لأنها مثيرة للإعجاب وتجربة ممتعة وجميلة للغاية.

من المفترض أن يقوم الروس بجميع الأعمال التي كانوا يقومون بها قبل عيد الفصح خلال الأسبوع الأخير قبل العطلة، والذي يعرف أيضًا باسم أسبوع الآلام. يجب تنظيف المنازل تمامًا قبل العيد، ويتم صبغ البيض وتزيينه. في أيام السبت، يقوم الجميع بطهي طعام عيد الفصح التقليدي، ولا يُسمح لأولئك الذين يصومون بتذوقه أثناء الطهي. ومن الشائع أيضًا أن يبارك في الكنيسة أثناء الخدمة. تقرع الأجراس للإعلان عن قيامة المسيح. يقول الكاهن “المسيح قام!” ومن المفترض أن ترد الرعية بـ “لقد قام حقا”.

إن طقس تزيين البيض يرمز إلى القيامة والحياة الجديدة. وتبادل البيض هو واحد من الطقوس الأكثر شعبية. هناك ممارسة أخرى أقل شيوعا هي الحفاظ على البيض حتى عيد الفصح التالي، والذي يفترض أنه يساعد في حماية المنزل من الفيضانات والحرائق والكوارث الطبيعية الأخرى. كما من العادات دحرجة البيض من تل مرتفع والاهم ان تنزلق البيضة على المنحدر دون أن تنكسر.

في صباح عيد الفصح، ربما تستمتع معظم العائلات في روسيا، مهما كانت دينية، بفطور تقليدي من البيض، kulich (кулич) – هو نوع خاص من خبز الخميرة، وكعكة الباسخا على شكل هرم مصنوعة من الجبن والزبيب. فالكثير من الناس يفضلون الوصفات عائلية للكعكة التي تم نقلها من جيل إلى جيل.

الثالوث (في 12 حزيران/يزنيو)

يتم الاحتفال بعيد الثالوث، الذي يرمز إلى الثالوث الإلهي، بعد سبعة أسابيع من عيد الفصح، يوم الأحد. وفقا للتقاليد الأرثوذكسية، فإن الأرضيات في الكنائس تغطى بالعشب الطازج، والرموز مزينة بأغصان شجرة البتولا، وهناك عادات كأن يتم تزيين الكنائس الأرثوذكسية في هذا اليوم بشجيرات ونباتات خضراء ترمز إلى تجدد روح الإنسان وتفعمها بالسكينة. ويحي هذا العيد ذكرى نزول الروح القدس على حواريي السيد المسيح رسول المحبة والسلام حيث يتم الاحتفال به في اليوم الخمسين بعد عيد الفصح المجيد.

من المعتاد الذهاب إلى الكنيسة في الصباح، مصطحبًا معك أغصانًا أو عناقيدًا من العشب أو الزهور. يجب أن تزين منزلك بالورود والأوراق يوم الأحد. بعد انتهاء الخدمة، من المعتاد عقد غصن شجرة البتولا وتجديله، وإلا، وفقًا للاعتقاد، ستبدأ الشجرة في الشعور بالاستياء، وإلا فالحصاد لن يكون خيرا. من أجل إنجاز الاحتفال عليك أن تكرر عقد غصن البتولا تحت شجرة البتولا والرقص وغناء الأغاني وتناول الطعام مرة أخرى تحت الشجرة. صحيح، بعد أنه بعد الحفل، كان يتم قطع البتولا، وهو ما لا ينصح به الآن. حيث كان يتم نقل الشجرة المقطوعة والتجوال فيها في جميع أنحاء القرية مصحوبة بالموكب مع الأغاني. في بعض الأحيان كانت يتم إدخال فتاة داخل الشجرة وتتسلل الفتاة تحت أغصانها مموهة نفسها وتجول بالشجرة في القرية، ممسكة إياها من الجذع. حتى يبدو وكأن الشجرة هي من تسير وتجول في القرية، وهي من يقود المسيرة الاحتفالية.

في نهاية المواكب الاحتفالية، إغراق الشجرة في النهر، إذ يُعتقد أن الشجرة ستعطي كل قوتها لبراعم جديدة. لا يزال الثالوث يعتبر أحد أكثر الأعياد غموضًا، حيث الوثنية والتقاليد الأرثوذكسية متشابكة في أغرب طريقة.

قبل تشكيل السلطة السوفيتية، كان يتم الاحتفال بالثالوث على نطاق واسع من الخلال القيام بنزهات ومشاركة باحتفاليات كبيرة والقيام بقراءة البخت، والثالوث ترمز إلى بداية الصيف، ووصول الدفء. هو الآن من أعياد الكنيسة الرئيسية.

إيفان كوبالا (7 تموز/يوليو)

يجمع إيفان كوبالا بين عطلتين. الأول هو يوم منتصف الصيف الوثني، المخصص للانقلاب الشمسي، والازدهار، والخصوبة. والثاني كنسي مرتبط بميلاد يوحنا المعمدان. في هذا اليوم، من المعتاد قراءة بخت الخطيبين والقفز فوق النار ونسج أكاليل الزهور وإنزالها في الماء والبحث أيضًا عن نبتة السرخس المزهر.

ترتبط العديد من الطقوس المرتبطة بهذا العيد مع دور المياه في الخصوبة وتنقية الطقوس. هذا يرجع إلى طقوس كوبالا القديمة. في يوم كوبالا، يقفز الشباب فوق نيران المواقد في اختبار طقسي للشجاعة والإيمان. عدم قدرة الحبيبين على تجاوز لهب النار وهما ممسكان بأيديهما يعني الحياة الزوجية التعيسة، هو علامة على انفصالهما المقدر.

ترمي الفتيات أكاليل من الزهور (غالبًا مضاءة بالشموع) على الأنهار كي تطفو، متمنين بذلك علاقة حب رومانسية، وهناك شبان يسعون لالتقاطها، ومن يلتقطها تكون الفتاة من نصيبه.

هناك اعتقاد قديم في كوبالا بأن عشية إيفان كوبالا هي الوقت الوحيد في السنة الذي تتفتح فيه نبتة السرخس. ويعني ذلك الرخاء والحظ والفطنة والقوة، وكل من يعثر على هذه النبتة فإن سيعيش سعيداً طوال العام. لذلك، في تلك الليلة، يتجول أهل القرية في الغابات بحثًا عن الأعشاب السحرية، وخاصة زهرة السرخس المراوغة.

Visited 105 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

د. زياد منصور

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الروسي