جنبلاط وحزب الله.. جس نبض سلبي

جنبلاط وحزب الله.. جس نبض سلبي

فاطمة حوحو

كان لافتا منذ أيام، الاجتماع بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ووفد من حزب الله. تساءل كثيرون عن مغزى هذه الانعطافة الجنبلاطية في هذا الوقت بالذات، خصوصا وأن من بين الحضور وفيق صفا مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب، والذي تربطه علاقات وطيدة بالنظام السوري، علما أن جنبلاط خاض معركته في الانتخابات النيابية التي جرت في شهر أيار ـــ ماي الماضي، تحت شعار عدم السماح لحزب الله باختراق المناطق الدرزية في الجبل، وأعاد مع فوز لائحة نجله تيمور الزعامة السياسية في الجبل إلى العائلة الجنبلاطية، بعد إسقاط طلال أرسلان ووئام وهاب المقربين من تحالف 8 آذار ، الذي يقوده حزب الله. وتحالف جنبلاط آنذاك مع حزب القوات اللبنانية، تحت شعار منع غزو حزب الله لمناطق الشوف والمتن وكذلك في البقاع الغربي.

لكن جنبلاط غير البوصلة اليوم، وانعطف كما هي عادته التي يبررها باستشعار الخطر قبل غيره وقراءة التغيرات في السياسة الخارجية تجاه لبنان، وبالتالي فهو يركض لتغيير تحالفاته ويعدل من مواقفه وفقا لقراءته الخاصة، وتحت شعار نزع فتيل الانفجار الداخلي ينفذ ما يمكن أن يهدئ الأعصاب الداخلية، ويحرك الاتصالات بين كل القوى. وهذا أمر مميز ورفيع جدا، ويضع جنبلاط في موقع ديبلوماسي ناجح، ليبقي خط الحوار قائما بين الجميع.

بحسب محللين فإن “جنبلاط أمام كل هزة بات يستدير سريعا ويغير عقارب الساعة، تحت شعار استشعار الخطر على الطائفة، وهو يستطيع قراءة ما يروجه حزب الله، ويتحرك بسرعة لنسج علاقات وفق خارطة المستجدات، ويدور الزوايا حتى يضمن الزعامة لابنه من دون أي مشكلات أو حدوث مواجهات مع أي طرف، لئلا يصبح التموضع الديموغرافي المذهبي عائقا فعليا”.

وبرأيهم أن “سعد الحريري استقبل كرة النار بصدره،ولم يستطع أن يطبق ما تم الاتفاق عليه خارجيا، فالتوافق بواسطة إيرانية وبمباركة رسمية أمريكية وفرنسية، أدى إلى الإتيان بميشال عون رئيسا، لكن من انقلب على التسوية هو حزب الله، ودفع الحريري الفاتورة وحده بعد محاولته تدوير الزوايا. لكن القبضة الإيرانية محكمة وهي ستنهي لبنان، “اتفاق معراب” بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر كان أخطر من “اتفاق مار مخايل”، الذي جمع حزب الله والتيار الوطني الحر، لكن الجميع ينسى أن عون سلم ورقة لبنان كاملة لحزب الله، ودفع جنبلاط ثمن هذه الاتفاقات عبر “مكيدة بْشامون” التي كان مقصودا فيها تصفية الاشتراكي، وهو مطلب سوري ـــ إيراني، ولكن ردة فعل أهالي المنطقة أحبطت هذه الخطة”.

وتفسر ذبذابات جبنلاط، بكونه ساعة يريد يكون زعيما وطنيا أو طائفيا، فعندما يحتد الصراع ويتطلب الأمر موقفا حازما يتراجع عن انفتاحه، ليحشر نفسه في دائرة المصالح الطائفية ويكتفي بأن يكون زعيم أقلية”.

وتستدرك، ليس المطلوب من جنبلاط المواجهة مع حزب الله، لكن سلوكه بعد الانتخابات بدا متراجعا عما قبلها، فهو التقى على سبيل المثال النائب غسان عطا الله، الذي كان وزيرا للمهجرين وكان يعرقل عودة المسيحيين للجبل بحجج واهية وبتوجيه عوني، ويكاد يطيح بمصالحة الجبل إكراما لعيون باسيل جبران وللضغط على جنبلاط”.

وتشير إلى موقف آخر لجنبلاط، دلالة على تغيره، وهو مباركته لنشاط مُسَيَّرات حزب الله في “كاريش”، وكأنه يقول بأن حل أزمة الغاز العالمية لا يمكن إلا عبر الضغط من أجل متابعة محادثات فيينا حول النووي الإيراني. واعتراضه على الإتيان بقائد الجيش رئيسا للجمهورية.

ليس المطلوب من جنبلاط المغامرة بتحالفات غير طبيعية، لكن من الواضح أنه يحشر نفسه ويعطي إشارات لحزب الله أنه تبدل. لكن حزب الله لا يثق بجنبلاط ويعرف تقلباته، والجنبلاطيون يتعاملون مع المواقف اللينة لجنبلاط ومهادنته ومغازلته لحزب الله بشكل عادي. ليس المطلوب التصعيد وانما أخذ موقف ثابت”.

وتلفت إلى محاولة جنبلاط بعد اللقاء مع حزب الله الانقلاب، إذ ادرك أنه تسرع في العديد من الأمور، ويبدو أن الطبخة الرئاسية للإتيان بسليمان فرنجية رئيسا، والتي كانت تحاك.. قد فشلت، وتبين أن مثل هذا الاتفاق لا يوافق السعوديين ولا الإيرانيين، على الرغم من أن تؤام روح جنبلاط الرئيس نبيه بري كان مع هذا الطرح، لكن الإتيان بشخصية من حكام الفساد لم يعد مقبولا والمجيء بسليمان فرنجيه رئيسا سيعني أن عهده سيكون نسخه طبق الأصل عن السابق، كونه صديق بشار الأسد، وهذا الصديق لن يسمح له بأن يكون رئيس لبنان، وبالتالي العرب سيكونون معترضين عليه، وحتى الورقة التي قدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعوديين وما تزال تناقش، لم يدخل بها اسم سليمان فرنجية، كما أن الإيرانيين ليسوا مستعجلين على حسم الاسم قبل الاتفاق على النووي”.

وبرأيها أن “حزب الله” لن يستطيع فرض اسم الرئيس، كما حصل مع عون، وهو قال ذلك لكنه تعمد التهديد بالتعطيل وفرط الحلول”.

أما لماذا سعى حزب الله إلى جنبلاط، تجيب هذه المصادر “لأنه بدا يستشعر الخطر وهو يريد اليوم تشكيل حكومة لأن الفراغ الرئاسي قادم حكما، والحكومة هي من تحمي حزب الله في هذا الوقت الخطر الناتج عن ضربات إسرائيل ضد الجهاد الإسلامي، ومحاولتها تصفية قيادات هذا التنظيم بواسطة الطائرات المسيرة والحوامات التي تستهدفهم في منازلهم، ولا يختلف تنظيم الجهاد عن حركة حماس في علاقتهما مع إيران، واستطاعت إسرائيل استبعاد حماس وتهديدها عن طريق المفاوض المصري، إذا تدخلت في المعركة، لذلك كانت حماس مع القبول بالتهدئة، ورسالة إسرائيل ايضا كانت موجهة لحزب الله ولإيران بأن أي تحرك إن حصل فأهدافكم ستكون معرضة للخطر، علما أن كل الكلام الإيجابي عن قرب التوصل إلى اتفاق حول النووي كلام لم يصرف بعد، خصوصا وأن الأوروبيين هم الأكثر حماسة له، بينما الأميركيون في صراع داخلي، لكن جنبلاط استعجل، وكأن الاتفاق أبرم وأطلقت يد إيران في المنطقة”.  

Visited 6 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

فاطمة حوحو

صحافية وكاتبة لبنانية