جبلُ الدّهشةِ الصعب

المصطفى مفتاح
أيُّها المُترَقْرق
أيها المتَألِّق
الرَّونَقُ حينَ يَنتَشِرُ الرَّماديّ
السّامِقُ حينَ يَنْهَرُك الجَبَل
حينَ يُغْويكَ الشّجَر
أيها المُتَقطِّع بينَ الدّوائِرِ والمُثَلّث والمُستَطيل
أيها الماضي المُربَّعُ السَّريعُ والأَمْرُ لأَمرٍ ما وذَويه
أيها المُضارِع
المُدهِش المنْدَهشُ بينَ هَمزَتَينِ وشَدَّةٍ
أيها الاِبْداع يُسابِق ميزانَ العَروضِ ورنَّة الجَرَس الفَصيح وغُربَة الصّوَر وما تَبقّى منَ المَعْنى في عِمارَةِ المبْنى
وخَطْو الرّاقِصاتِ والراقِصينَ الرّقيقِ على سَفحِ الكَمانِ والآلاتِ النحاسية والدُّفوفِ وأَّنَّة الرّاوي إذا ارْتَوى ومِنْ حُرقَة العَناءِ الْتَوى
أيها المُلْتاعُ من خُفَّاشٍ وبُومةٍ والغُرابْ
والعَندَليبِ والطَّاووسِ والنَّحلِ والعَسَل
أيها المُوقِّعُ أَدْناه
المُتسَلِّطُ بالأَناقَةِ، المُتمَيِّز بالجُرأَةِ تارةً وزُرافاتٍ من المرّات بالخَجَل
يا حِنَّاء الرَّحيقِ والغَزَل
شعاعٌ رفيعٌ فتْنةً وهاويةً سحيقةً على الخدَّينِ استوى
ولِكلِّ شَيطانٍ ما نَوى
منَ الشِّعرِ تُحبُّ الرّحيقَ والجُرأَةَ والوَجَل
وزَغبَ الغَزلِ والخدَّينِ والشَّيطانِ والهَوى
قريضًا وحِكمةً بلا هَجاء
صورَةً متجَمِّدةً لنظرةٍ صافيةٍ كالسّماء
أو مُتحَرِّكةٍ راحَ ينْأى عنْها سَحَرٌ
أوْ تَتَدانى مِنها فَلْقَةٌ تَغْشى ناظِريْك
والجَرَس خَطوُ غادَةٍ كالنّسيمِ والنّشيد
والقافيةُ تَهتفُ للْحياة
وأنتَ تُزيِّنُ نهْديْنِ مستَديرَيْن تمامًا بعِقدٍ فريدٍ من زُمرُّدِ الهَشاشَةِ وتُجهِشُ بالغَرام
عشقًا وشَوقَينِ بَلْسَمًا لمَمرّاتِ الاسْتِراحة
أَملًا في اِثْمٍ
وعْدًا بالضّياعِ ولا نُعاسَ لِمنْ تُنادي
عِقدٌ زمُردٌ
أيها المُتسَلِّطُ المُترَجْرِجُ خشْيةَ أدْواءِ الانْصِياع
حبّاتٌ مُنفَرطةٌ تَغرسُ شَوكَها هَوْدجًا مَجنونًا نَحو الفَراشِ يَنشُد النّورَ وفيه الفَناء
أنتَ البسيطُ المُفارِق
المُتَثاقِل المُسارع
المُفتقَدُ المتَعدِّد
لا تثريبَ عليكَ تُسافِرُ الى أكوانٍ تعرفُكَ وتشْبهُك
ولا تنام حتّى تهْدأَ الأفْلاكُ هنيهةً في الفضاءِ-الوقت
تفُكُّ قيودَ الثّقوبِ السوداءِ وأصلِ الشّمْسِ والماءْ
وأعْدادِ السِّنين الضّوئِية لا تنتهي الّا لِتبدأَ أيُّها المبتدأُ-الخَبَر
أيّها الكَوكبُ الأزْرقُ بزهر الكرز والأصفرْ
بطَلاتُ ألفِ ليلةٍ وليلَة من دنيازاد حتّى قوتِ القلوبِ يرْفُلْنَ تحت البدْر في تَمامِ أربعَةَ عشَر
تسَلّقْن الأسوارَ العاليةَ وانْتشَرْن بعيدًا عن الرشيدِ ومسرورٍ وشهريارْ والعفاريتِ والعاقِصاتِ والسَّجعِ المكرورِ في الأسفارِ الصفراء
لا اجازةَ لا كِسوةَ هبة سنيةً ولا سيفٌ ولا قُمْقُم
وأنتَ تسْتَأنِس رفقةَ نقطةٍ من النّدى وعاصفةً في المحيط
لا تسْتَرقَّ النّظرَ اِلى غِوايَةٍ قدْ تُفحِمُ طاقَتَكَ على مُعارضَةِ الحَمَداني والهَمَداني ولا تَبْسِطْ يَراعَكَ كلَّ البَسطِ ولا تُقَيِّدْه مغلولاً اِلى عُنُقِ الزجاجة الأثيرْ
واذْهبْ بعيدًا في الماضي حينَ يُسْعفُكَ مُستقْبلُ المِنْظارِ المُوالي المُصِرِّ على السَّبْرِ والأغْوار
أيُّهاتِهِ المِشْكاةَ الصّوفيّةَ تتَضَوّرُ منَ الاِسِراءِ نحوَ الحَقِّ والحُلولِ والمُشاهَدَةِ
بعدَ نُدوبِ الوجود والمُكابَدةِ
والقَلَق
أيّها المشاهِدُ العاشِقُ ملءَ ذاتي قُربَها وأَمامَها والانْفِجارَ العظيمَ فضاءٌ آخرُ
ولا تَبحَثْ فالطَّريقُ هدَفُ الطَّريق والسّيْرِ والجَوَلان
فلا تُكابِر واتّبِعِ العَلامات أيُّها الملّاح
انْتبِه للصّخْر في مَداخِل المَرْسى والبَهاءِ الذي يَحتَمِل بُلْبُلَ الفَناء
لا تُبالي فالمنْفى تَوأَمُ الذّاكِرة تشْحَذُ الذّكاءَ-الكَنزَ يَبقى
أيُّها المُتَرامي في السِجِّيلِ اسْتَبْرقًا منْ سُندُسٍ وحَرير
أيها الحارِسُ البَرْزخَ مَتى تَخْلعَنّ قُيودَكَ ممّا يُخالِج ذهابَك والإِياب نَحوَ الأفُق
وتَوقّفْ عنِ الموسيقى يا زِرْيابَ زمانِنا وانْكَسِر
ولا تَنْكسِر كاَلحوتِ يَهْضِمُ يونسَ ويَلفَظُهُ في سبعٍ عجافٍ طِباقا
لا تَنْكسِرْ أنتَ الحياة
اِنْكَسرْ وسِرْ للْحياةِ والجَمالِ بلا جَزع وتَمادَ في الشِّعْر وسِرِّه
أنتَ المُتوَقِّفُ في قِمّةٍ وراءَكَ بذْرةٌ وأمامَك الاِنْفِجار
لكِنّ المَدى والإِمْكانُ أكبرُ وأَقْوى
أوْسَعُ وأَثْرى
فارْغَبْ ولا تَرْهَب
ولا تَهرَبَنّ
من مجموعة “مجرات وحرائق وكتابات سابقة ولاحقة”