الألقاب.. صناعة إعلامية ترفع المستويات وترضي الخواطر

الألقاب.. صناعة إعلامية ترفع المستويات وترضي الخواطر

أصدرت بمراسيم وألغيت بقرارات وبيعت ثم منحت بالمجان

فاطمة حوحو

كثيرا ما اشتهر اللقب على حساب الاسم، كانت الألقاب تباع في زمن مضى، عشقها الناس ومنحوها لمن يحبونهم أو يكرهونهم في مختلف الميادين الحياة، أطلقوها على السياسيين والمثقفين والفنانين والممثلين، من “أمير الشعراء” أحمد شوقي، مرورا بـ “العندليب الأسمر” عبد الحليم حافظ، وصولا إلى “قائد الثورة” ياسر عرفات، وغيرهم كثيرون.

في تعريف اللقب، إنه اسم يضاف إلى الاسم الأول للشخص أو الى اسم عائلته، وهو اسم أو صفة مستعارة، قد يختاره لنفسه بعض الكتاب والفنانين ويصير معروفا به بعد أن يختفي الاسم الحقيقي، ومثال على ذلك المغني الفرنسي جوني هوليداي، واسمه الحقيقي جان فيليب سميث. وقد يكون اللقب اختصارا لاسم صاحبه بغية تسهيل لفظه وجعله محببا أكثر من الاسم الكامل.

كان قدماء الرومان أول من استعمل اللقب، لمناسبة تحالفهم مع “السابيين”، فصار كلا من الفريقين يحمل اسمين، أحدهما روماني وثانيهما سابي، وصار الاسم الجديد فيما بعد معروفا باسم العائلة.

حين بدأ الفرنسيون والانكليز استعمال اسم العائلة مضافا إلى الاسم الشخصي اسموه لقبا وكان يكتب كالآتي: دو بوربون لويس، وهكذا كان يكتب اسم ملوك فرنسا وكلهم كان اسمهم الشخصي لويس ويأتي تحت اسم العائلة.

ولم تكن القبائل العبرية تستعمل الألقاب، بل تضيف إلى الاسم اسم الأب حفاظا على استمرارية العشيرة، كأن يقال فلان ابن فلان. ومثلهم فعل اليونانيون والساكسون وأهل النورماندي والموسكوفيون، فكان الأخيرون يسمون “أليكسيوفيتش” ويعني “بيار ابن أليكسيس”.

أما بالنسبة للعرب، فكانوا وما زالوا في بعض المجتمعات لا يستعملون الاسم الشخصي الأول، بل يتكنون باسم آبائهم، فيقولون ابن فلان، من دون ذكر اسمه الأول.

بعد مرور زمن، أكثر الرومان من عدد الألقاب، فأضافوا لقبا على اسم العائلة، ليميزوا بين مختلف فروعها، وبعد ذلك استعملوا اللقب لتمييز الأمراء، فأضفوا عليهم تسميات ترمز إلى الفضائل أو الإنجازات أو الصفات الجسدية أو الأخلاقية.

مثلا بين سلسلة ملوك فرنسيين يحملون اسما أولا هو فيليب، عرف منهم فيليب “العظيم”، وفيليب “المنتصر”، وفيليب “الجرىء”، وفيليب “الطويل القامة”. ومن سلسلة ملوك اسمهم لويس عرف لويس “السمين”، ولويس “ما وراء البحار”، ولويس “الشاب”، ولويس “أب الشعب”، ولويس “العادل”، ولويس “الكبير” الخ

في بريطانيا عرف من الملوك حملة الألقاب إدوار “الهادىء”، وهيرالد” الكسول”، الخ..

ويلاحظ المؤرخ “دوشين” أن الألقاب لم تستعمل في فرنسا قبل العام 987 ، حين بدأ أصحاب الأراضي يحملون اسم إقطاعياتهم، أما الانكليز فلم يستعملوا الألقاب إلا بعد الانتصارات التي حققها ملكهم إدوار متلقي الاعترافات وقبل ذلك لم يكن يضاف إلى اسم الشخص سوى اسم والده أو يكتفى بقول “ابن فلان” كمثل “ريتشاردسن”. وبعد ذلك وتبعا لبعض المؤرخين تكرس اللقب في بريطانيا بموجب قانون أقره البرلمان.

في السويد لم يحظ أي إنسان بأي لقب قبل العام 1514 وحتى اليوم، الألقاب لا يحملها المواطن العادي كذلك الأمر في بولندا وإيرلندا وبين الغجر.

من الألقاب ما هو اسم الاب أو الأرض المملوكة من صاحب اللقب أو إنجازاته، كما ذكرنا سابقا لكن هناك أيضا ألقاب طرأت في ما بعد فذكرت بالمهن كـ”صانع الفحم” و”الخياط” و”الحائك” و”النجار” و”البناء” و”البواب” و”الراعي” الخ.. وهناك ألقاب تتناول المظهر كأن يقال فلان “الطويل” أو “السمين” أو “القصير” أو “الأشقر” أو “الجميل”. وألقاب أخرى بأسماء الحيوانات كـ “الدوري” و”الحسون” و”الغنمة” و”الأرنب” و”الغزال.

وبين نبلاء أوروبا القدماء من يعرف بالرقم لأنه يحمل اسم أبيه مرفقا بفلان الرابع أو الخامس، ويكون دائما الابن البكر للعائلة. ومن شروط اللقب ألا يكون حامله هو من يطلقه على ذاته بل أن يأتيه من الغير.

والألقاب تطلق أيضا على المدن، وهي في الغالب غير مذكورة في القواميس، لكنها متداولة بكثرة. فمثلا يطلق لقب “الشمس الشارقة” على اليابان، و”الصبح الهادىء” على كوريا، و”مدينة الفرح” على كالكوتا، و”أرض الأرز” على لبنان، و”جزيرة العطر” على مدغشقر، وبلد “البهارات” على سيريلانكا، و”مدينة الحب الأخوي” على فيلادلفيا، ومدينة “السيارة” على ديترويت، و”المدينة الخالدة” على روما، و”مدينة الأنوار” على باريس، و”المدينة المقدسة” على القدس، و”مدينة الملائكة” على لوس أنجلس، و”المدينة الحمراء” على مراكش، و”بندقية الشرق” نسبة إلى (مدينة البندقية الإيطالية) على بانكوك، و”باريس الشرق الأوسط” على بيروت، و”حديقة الأوقيانوس الهادىء” على فانكوفر، و”العم سام” على الولايات المتحدة، و”سقف العالم” على التيبت، و”الباب الأعظم” على اسطنبول، و”القارة الجديدة” على أميركا، و”القارة العجوز” على أوروبا، و”القارة السوداء” على افريقيا. وهذه الألقاب المذكورة أعلاه ليست سوى نماذج قليلة من مئات، بل آلآف الألقاب للقارات والمدن والأماكن والأنهار والبحار والأقيونوسات.

بعض المدن تلقب بعاصمة صناعة أو زراعة أو نشاطات ثقافية، اشتهرت بها، مثل باريس عاصمة “الموضة”، وغراس (في فرنسا) عاصمة “العطور”، وكويبيك (كندا) عاصمة “النحاس”، وعاصمة أوروبا الساحرة (براغ)، ودرة الشرق (هونغ كونغ)، ولؤلؤة البحر المتوسط “الاسكندرية”، وعاصمة “الموسيقى” فيينا.

ومن المدن من تحمل المدينة الواحدة ألقابا عدة، مثل روما “المدينة الخالدة”، و”مدينة الهضاب السبع” و”المدينة المقدسة.

أحيانا يفرط الناس في استخدام الألقاب ويتداولونها كمجاملة اجتماعية، مما أدى إلى تدني قيمتها وفقدان دلالاتها، لا سيما في عالمنا العربي، حيث هناك هوس بالألقاب بين مختلف الفئات الحاكمة والمحكومة، وليس مستغربا أن تسمع في مصر مثلا لقب “البيه” يتردد على كل لسان في الشارع، ولقب “الأستاذ” أيضا، حتى يحار المرء من هذه الظاهرة غير السليمة، لأنها مؤشر ربما على الخنوع لا على الاحترام، وقد ترضي هذه التعابير غرور البعض المهووسين في الحصول على لقب يرفع من مستواهم الاجتماعي، إلا أنها بالتأكيد ليست الحل لأن صاحب اللقب قد يكون الأقل استحقاقا له، وثمة مفكرون ومثقفون يستحقون أن تطلق عليهم الألقاب، إلا أنهم يرفضون ويستخدمون أسماءهم المجردة، لثقتهم بأن ما يحتكم إليه أخيراً هو إنجازاتهم.

وقد تحولت الألقاب إلى أعباء على حامليها لأنهم يقدمون للناس شيكات بلا أي رصيد معنوي، وإذا كانت ألقاب من طراز “اللورد” و”الكونت” و”الباشا” و”البيك” قد عرضت للبيع في مراحل تاريخية معينة، فهي الآن تمنح بالمجان لعابري السبيل، ويمكن إطلاق صفة “باشا” أو “بيك” لأي شخص، وإذ يعتبر البعض أنها عادات لسانية، يؤكد آخرون أن الألقاب تعطى جزافا وتتولاها عادة الصحافة ولذلك اختلط الحابل بالنابل.

ويرى البعض أن الشغف بالألقاب هو دليل على شعور ما بالنقص، لأن المسألة تصبح مجرد بحث عن تعويض، ولو أخذنا عينات من الصحافة العربية والفضائيات لوجدنا أن إغداق الألقاب، بلغ حداً من التضخم، ولم نعد نعرف من هو الخبير في هذا الشأن الإفريقي أو الشأن الآسيوي ومن هو المتخصص في هذا الحزب أو تلك الايديولوجيا.

في لبنان أطلقت الألقاب على رجال السياسة والفنانين والعائلات والزعامات الطائفية، لكل لقب حكاية انطلقت مند زمن تاريخي، حتى أن بعض الصحف اعتمد استخدام اللقب على الاسم، فـ “الجنرال”، (وكان المقصود به الرئيس ميشال عون) يرد على “الحكيم”، أي رئيس الهيئة التنفيدية في “القوات اللبنانية” سمير جعجع، و”الشيخ” والمقصود به الوزير بطرس حرب ينتقد “البيك” أي النائب وليد جنبلاط، أو رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية، كما يطلق لقب “الشيخ” على الرئيس أمين الجميل، وعلى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، ويطلق لقب “سماحة السيد” على الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، كما يطلق لقب “الأستاذ” على رئيس مجلس النواب نبيه بري.

ويصنع الناس هده الألقاب ويعممها الإعلام في نقله مايجري تداوله في الشارع، ويكفي أن الألقاب استخدمت في الحرب الأهلية على مقاتلي الأحزاب المتصارعة، حيث طغت الاسماء الحركية على الأسماء الأصلية، وبعضهم احتفظ بلقبه حتى بعد انتهاء الحرب، وبعض الألقاب السياسية تناقلت عبر الأجيال، لاسيما لقب”البيك” أو “الشيخ”، التي كانت تطلق على الزعامات أصحاب النفود للتفخيم والتمجيد، وهي تعبر بشكل أو بآخر عن حال التبعية والاحتقان. كما انتشرت الألقاب الفنية، فالمطربة فيروز “سفيرة لبنان إلى النجوم”، كما قال الشاعر سعيد عقل، وصباح هي “الشحرورة” حسب المنتجة آسيا داغر، و”مطربة البادية” هي سميرة توفيق، و”السوبر ستار” هو راغب علامة. وحديثا تطلق الألقاب على الفنانين وإن كانوا لا يستأهلونها، وتأتي فقط للترويج من قبل شركات الإنتاج وصناع النجوم.

في سوريا إضافة إلى لقب “البيك”، هناك لقب “الأفندي”، وهو لقب تركي الأصل إذ كان يطلق على الصدر الأعظم التركي. وعلى الرغم من قرار إلغاء الالقاب في سوريا بمرسوم رسمي صدر في يناير من العام 1952، واستثنى منه أصحاب الفخامة والدولة والرتب العلمية الممنوحة من قبل الجامعات والمؤسسات الثقافية وألقاب رجال الدين التي تنظم في نص خاص. وفي الأسباب الموجبة أن هذا المرسوم يحقق رغبة الشعب ومبدأ من مبادىء الدستور بتأمين المساواة بين المواطنين وهو كفيل بالقضاء على مخلفات العهود البالية والأخد بالمبادىء الديموقراطية.

في مصر ينتشر لقب “الباشا”، ويتردد هدا اللقب آلآف المرات في الدقيقة الواحدة، ويطلق على كل عابر لمجرد أنه ذو مظهر حسن. والمعروف أن ألقاب البكوات والباشوات كانت تباع بأثمان باهظة للإقطاعين وأصحاب رؤوس الأموال.

في فلسطين تغيرت الألقاب، من “الأخ” و”الرفيق” و”أبو فلان” إلى “معالي اللواء” و”دولة الرئيس” و”سعادة النقيب و”الوزير المناضل”، وقد استبدل الفلسطينيون ألقابهم الثورية البسيطة بألقاب أكثر تركيبا وفخامة، ومن لم يحظ بلقب مستشار أو عضو المجلس الوطني الفلسطيني أو رئيس اتحاد، لا يمانع من الاكتفاء بلقب “الأسير المحرر” أو “جريح انتفاضة” كذا.

وكانت الألقاب الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي ثلاثية التركيب (الابن والأب والجد)، وفي حالات أخرى خماسية التركيب، بحيث تضاف لها المهنة والمنطقة.

وأصدرت الإدارة الاستعمارية الفرنسية في 23 مارس 1882 قانون الحالة المدنية أو قانون الألقاب الذي ينص على استبدال ألقاب الجزائريين الثلاثية وتعويضها بألقاب لا ترتبط بالنسب. وسبق صدور هذا القانون محاولات متواصلة لطمس الهوية الجزائرية، أهم ملامحها إجبار الأهالي ـ وهو التعبير الشائع لتوصيف الجزائريين ـ على تسجيل المواليد الجدد وعقود الزواج لدى مصلحة الحالة المدنية الفرنسية، بعدما كانوا يقصدون القاضي الشرعي أو شيخ الجماعة. والغاية من استبدال ألقاب الجزائريين الثلاثية وتعويضها بألقاب لا ترتبط بالنسب هو تفكيك نظام القبيلة لتسهيل الاستيلاء على الأراضي، وإبراز الفرد كعنصر معزول، وتغيير أساس الملكية إلى الأساس الفردي بدلا من أساس القبيلة، وطمس الهوية العربية والإسلامية من خلال تغيير الأسماء ذات الدلالة الدينية وتعويضها بهوية هجينة، وإحلال الفرد في المعاملات الإدارية والوثائق مكان الجماعة، وأخيرا تطبيق النمط الفرنسي الذي يخاطب الشخص بلقبه وليس باسمه.

وبموجب هذا القانون لم تكتف السلطات الاستعمارية بتغيير أسماء وألقاب الجزائريين بصفة عشوائية بل عوضت العديد منها بأسماء مشينة ونابية وبعضها نسبة لأعضاء الجسم والعاهات الجسدية، وألقابا أخرى نسبة للألوان وللفصول ولأدوات الفلاحة وللحشرات وللملابس وللحيوانات ولأدوات الطهي. ولم يكن هناك أي منطق في إطلاق الألقاب على الأشخاص، وكل ما هنالك هو رغبة في تحطيم معنويات الجزائريين، من خلال منح الفرصة لترديد أسمائهم مشينة طول الوقت وعلى مرّ الأزمان. وما يزال الأبناء والأحفاد يتوارثون هذه الأسماء منذ عام 1882، وهي أسماء لم يختاروها هم ولا آباؤهم، وإنما أجبروا على حملها حتى اليوم.

ومن الأمثلة الحية على الألقاب المشينة التي تحملها عائلات جزائرية اليوم ويتم تداولها في كل المحررات والوثائق الرسمية لقب “حمار”، ولقب “بوذيل”، ولقب “خاين النار”، ولقب “مجنون”، ولقب “بومعزة”، ولقب “كنّاس” ولقب “بومنجل“.

في السنغال، على سبيل المثال لا الحصر لكل رجال السياسة القابا، يطلقها الاعلام من موقع الاعجاب او السخرية، وحين يقرر المرء الدخول في العمل السياسي هناك عليه ان يتقبل ويتابع كل شىء مع محاولته تحسين صورته وقدرته على الاقناع. ومثلا رئيس السنغال ليوبولد سنغور يلقب بـ “ليو الشاعر” والرئيس عبدو ضيوف يلقب بـ “الزرافة” لان طول قامته يقارب المترين. اما في ليبيا فيلقب الرئيس الليبي بـ “العقيد” وهو منح نفسه لقب عميد الحكام العرب.

Visited 20 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

فاطمة حوحو

صحافية وكاتبة لبنانية