ماكرون.. لا تدنس قبر جدي في وهران إنه ليس “ديسكو مغرب”

ماكرون.. لا تدنس قبر جدي في وهران إنه ليس “ديسكو مغرب”

 إسماعيل طاهري

يقوم الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون رئيس القوة الاستعمارية القديمة/ الجديدة بزيارة للجزائر، وسيزور السبت مدينة وهران التي يرقد فيها جدي سيدي الهواري، وهو الزعيم الروحي للمدينة التي تضم حيا عتيقا يحمل اسمه وعندما ولد سنة 1350م بمستغانم، كان المرينيون يحكمون وهران على عهد السلطان المغربي أبي حسن المريني.

ويتم الاحتفال سنويا بموسم سيدي الهواري حيث يخرج سكان المدينة، والمناطق المجاورة، عن بكرة أبيهم لإحياء ذكراه في كرنفالات واحتفالات شعبية.

الولي سيدي الهواري هذا الذي يوصف بـ”سلطان زمانه” ليس سوى أب أحمد الهواري الذي يوجد قبره وزاويته بمنطقة فركلة/تنجداد بإقليم الرشيدية بالمغرب، وهي امتداد جغرافي لمنطقة بشار التي بترتها فرنسا الاستعمارية من المغرب قبل احتلاله، ولكن عند احتلال القوات الفرنسية لمنطقة فركلة في 1937 قامت بضمها إلى “كولون بشار” نظرا للروابط الدموية والقبلية بين سكان المنطقة المختلطة والمكونة من دواوير متعددة الانتماءات القبلية من أمازيغ وعرب ومختلطين وملونين.

ولكوني ابن منطقة فركلة وشاهد عيان فقد لاحظت بأم العين في بداية التسعينيات عودة الزيارات العائلية بين سكان وهران وبلعباس وبشار إلى منطقة فركلة، كما تعرفت على أقارب لي جاؤوا لتفقد ممتلكاتهم بخطارات فركلة/تنجداد، ومنهم من جلب سيارته من الجزائر لحمل محصوله من التمور. وشهدت نزاعات حول اقتسام الإرث…

لكن إغلاق الحدود في 1994 أوقف هذه الزيارات العائلية لأنها كانت مصدر قلق للجزائر.

وهناك مغاربة من منطقة فركلة من يقوم بزيارة أهاليهم في بشار وبلعباس ووهران، ولي أخ بالرضاعة مهاجر في فرنسا تزوج من ابنة عمه في بشار (من عائلة التاشيش)

زيارة ماكرون إلى وهران هي إشارة سلبية لنا كمغاربة ومحاولة يائسة لتثبيت وشرعنة الحدود الشرقية التي خلفها الاستعمار الفرنسي، كما أنها اعتداء على الذاكرة المغربية. لكون ما يسمى بالصحراء الشرقية ليست قضية دولة في المغرب، بل هي قضية شعب وقضية عالية وشخصية بالنسبة لي.

وعلى هذا المستوى فالاستعمار شتت عائلتي، وأنا لست مستعدا لقبول استمرار هذا الأمر مهما كانت إكراهات “الجغرافيا السياسية” المفترى عليها. وهذه “الصناعة الاستعمارية” كما وصفها أحمد الريسوني، رئيس علماء المسلمين، ليست قدرا محتوما.

والتاريخ كالنهر، لابد أن يعود إلى مجراه الطبيعي، والأمل معقود على الأجيال القادمة إذا ما فشل جبلنا في توحيد المغرب واستعادة الصحراء الشرقية التي ليست أرضا خلاء، كما جاء في اتفاقية لالة مغنية السيئة الذكر (1844)، وإنما هي نخل ورمان ووديان ورمال وعمران وجوامع وصوامع وإنسان مغربي، له تاريخ وذاكرة وقيم وأولياء مغاربة، ومنهم الولي سيدي الهواري الذي يمتد أحفاده من وهران إلى “قصر الزاوية” بفركلة السفلى بالرشيدية، حيث تنتصب زاوية باسمه وأخرى باسم حفيده المسمى “العرابي”. كما تتوزع زوايا حفدته وأتباعه في مختلف مناطق سلاسل جبال الأطلس وحتى في مدينة طنجة شمال المغرب

لهذا فعندما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن الجزائر حريصة على وحدتها الترابية  كجمهورية أوكرانيا، فنحن نفهم أن الرسالة تعنينا بالدرجة الأولى، كما قد تعني تونس وليبيا. وكأن السيد ماكرون يريد أن يشبه المغرب بروسيا (الامبريالية حسبه) في حالة مطالبته بحقه في استعادة صحرائه الشرقية.

ونحن نقول للسيد ماكرون إن الصحراء الشرقية قضية وجود بالنسبة للمغرب، بوصفه أقدم دولة في العالم بعد الصين، وأقدم حتى من فرنسا ذاتها. كما أنها قضية إنسانية لأكثر من مليوني مغربي تحت الاحتلال الفرنسي بالنيابة. ولازالت تمارس على أهالينا هناك كل أشكال التهميش. وهي المنطقة الأكثر فقرا في الأرض التي يديرها حكام الجزائر، طرقها مهترئة بنياتها التحتية ضعيفة، وهناك ضعف في التعليم والصحة، كما أن أبناءها لا يسمح لهم بتولي مناصب عليا في الإدارة الجزائرية. لأن الجزائر تعتبرها منطقة عسكرية، وستشهد في الشهور القليلة مناورات عسكرية مع روسيا، نكاية في المغرب، وهو ما نرفضه وندينه. كما أن السلطات الجزائرية ذاتها متشددة في مراقبة كل من يدخل أو يخرج من الصحراء الشرقية المغربية، وكأن سكانها يعيشون في حالة حصار اقتصادي واجتماعي وثقافي من خلال سدود الجمارك المثبتة على طول حدود 1830 بين المغرب والامبراطورية العثمانية.

وسيأتي اليوم لنطالب فرنسا بالاعتذار للمغرب عن جرائم الاستعمار وتقديم تعويضات جبر الضرر، خصوصا المناطق التي أجرت فيها التجارب النووية التي لازالت انعكاساتها السلبية تجثم بثقلها على الحياة بالمنطقة.

زيارة ماكرون لوهران غير مرحب بها، فنحن لسنا “ديسكو مغرب”. ورسالته “الماكرة” وصلت ونحن أهل للتصدي لها.

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

اسماعيل طاهري

كاتب وباحث من المغرب