ميشال أونفري بين ابتذال السياسة وتبخيس الفلسفة

ميشال أونفري بين ابتذال السياسة وتبخيس الفلسفة

باريس- المعطي قبال

بعد إيريك زمور والهزيمة النكراء التي ذاقها في رئاسية 2022، يعتزم الفيلسوف ميشال أونفري دخول معترك الانتخابات الأوروبية التي ستقام عام 2024 . والمعروف أن الفيلسوف، عند كل طلة من طلاته، يحدث الضجيج ويحرك مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما حصل. إذ علق الخصوم والأتباع على الخبر الذي أطلقه أونفري على أحد القنوات الإذاعية الفرنسية، إما بالقول أن هذا القرار انتحار فكري وسياسي، فيما أثنى البعض الآخر على خطوته كونه سينزل أخيرا من حلبات التلفزيون والمدرجات الجامعية إلى أرض الواقع.

ميشال أونفري من مواليد 1959، ألف أزيد من 115 كتاب، ترجم أغلبها إلى لغات أجنبية. على إثر وصول جان- ماري لوبان للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية لعام 2002، قدم استقالته من الجامعة  ليطلق الجامعة الشعبية لمدينة كون بشمال فرنسا. أعطى بها دروسا  لمدة 16 عاما في موضوع التاريخ المضاد للفلسفة أذيعت على أمواج فرانس كيلتير. تعاطيه للسياسة كان موضوعا تشنج ثم  قطيعة مع اليسار. انتقد هذا الأخير مواقفه السياسية المغازلة لليمين واليمين المتطرف لما طرح أفكارا مثل «السيادة الفرنسية» المناهضة لماستريخت والتي تتعارض مع التوجه الأوروبي الذي يدافع عنه اليسار. كما أن دفاعه عن الإباحية، عن الفيلسوف برودون، ماركس، نيتشه كان موضوع تجاذب عنيف بينه وبين اليسار.

التحق لمدة قصيرة بهيئة تحرير مجلة «قاعدة اللعبة» التي يديرها بيرنار هنري ليفي، ليغادرها لما وقف عند لعبة المناورات التي يمارسها هذا الأخير. يدير منذ 2020 مجلة «الجبهة الشعبية». لم يترك أونفري تكتلا علميا أو فكريا لم يشعل فيه فتيل الفتنة بتقديمه لأطروحات معاكسة تماما لما هو مألوف ورائج. وقد أحدث رجة قوية ضمن عائلة المحللين النفسانيين لما أصدر عام 2010 مؤلفا عن فرويد والتحليل النفسي الذي يرى فيه مجرد سيكولوجية أدبية، أي ممارسة لا علمية.

أظهر أونفري جرأة نادرة لما أعلن جهرا دفاعه عن الإلحاد والملحدين. وياتي تحامله على الديانة الإسلامية في هذا الإطار. فقد صرح أن «الإسلام مشكل. إن قرأتم القرآن، حياة النبي أو الأحاديث، فإننا لسنا بصدد منطق جمهوري، بل تجاه منطق يكره النساء ويدافع عن الفحولية».

هذه الفكرة لا تخالف ما سبق أن قاله ميشال ويلبيك عن الإسلام وعن القرآن. تحامل ميشال أونفري على الإسلام ليس فقط من زاوية فلسفية تخص إلحاده، بل تتأتى من المناخ العام الإسلاموفوبي الذي يطبع مواقف السياسيين والمثقفين. وقد وجد، أونفري بعد قطيعته مع اليسار شبه قرابة سياسية مع اليمين المتطرف. من هنا دعا «كل من يريد الدفاع عن فرنسا» الالتحاق ببرنامجه. هذه الدعوات شبيهة بنداءات إيريك زمور ومارين لوبان إلى «إنقاذ فرنسا من خطر الأجانب» وغيرها من الشعارات الإنذارية.

ثمة مشروع سيادي يسعى أونفري إلى تحقيقه وقد وجد أذانا صاغية لدى أولئك، وهم كثيرون، الذين يدافعون عن سيادة فرنسا سياسيا واقتصاديا وثقافيا. «نهدف فقط إلى جمع أناس يحبون فرنسا، عبقريتها، تاريخها وما يشكل تقاليدها» يضيف أونفري.

هذا المعجم السياسي مألوف ومكرور مثل أسطوانة ممسوحة. لذا قد ينزل الفيلسوف من برجه العاجي محملا بمفاهيم وأفكار وأطروحات لا تلبث أن تتهشم على أرضية الواقع. لأن الفرنسيين يفضلون الأصل على النسخة. وما إيريك زمور وميشال أونفري سوى نسخة باهتة لمارين لوبان. فيما مضى، وقف جان بول سارتر، سيمون دو وفوار، بيار بورديوه، جيل دولوز، ميشال فوكو، جان جونيه الخ… في وجه الليبرالية المتوحشة التي تسحق معذبي الأرض من عمال ومهاجرين. اليوم يقف أونفري وبعض أشباه المثقفين،  باسم السيادة الفرنسية، إلى جانب متطرفي اليمين دفاعا عن فرنسا ولا شيء غير فرنسا. وفي هذا التوجه ابتذال للسياسة وتبخيس للفلسفة.

Visited 2 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

المعطي قبّال

كاتب ومترجم مغربي - رئيس تحرير مساعد لموقع "السؤال الآن".