في الحداثة والرغبة فيها.. محمد بنيس كأفق مغربي

في الحداثة والرغبة فيها.. محمد بنيس كأفق مغربي

عبد الله راكز

كل اسئلة بنيس عن “الحداثة” متعلقة بالأفق التاريخي وبالفضاء الاجتماعي الذي يمارس فيه الكاتب عمله؟ وهذا بمعنى من المعاني (في رأيه واجتهاده غير المملّ كما هو الشان عند آخرين).

إن الشعر الفرنسي مثلا شكلاني، كما أن العربي غير خطابي (وكذلك يجب أن يكون). لربما تميزت ردود بعض الشعراء وبعض المتحدثين فيه وبه، بردة فعل نسبية على موضوعة أو إصطلاح “الحداثة”. كان هذا حال سعدي يوسف، الذي سبق أن اقترح مصطلحاً للتحديث لايجب أن يتعارض مع المحاولات التنظيرية للفعالية الشعرية وتلقي القصيدة. غير أنه (وهذا هو الأهم)، أبدى بعض التحفظ أمام التنظيرات “الحداثية” التي حملت (ولا تزال) فهما عدميا للتراث، وأحدثت بعض الانقطاع عن معيش الناس. لم يكد بعد أن ابتدأت “اليقظة” الشعرية، أن تحول إلى  حوار  حول “الحداثة”، معمقا بين الأطراف المعنية به شعريا، وليس ثقافيا أو سياسيا. ولهذا  المفهوم كلام آخر، بالرغم من اشتقاقه من هذين الأخيرين.

سيكون على محمد بنيس، وهو شاعر مرهف الإحساس (هكذا بدا لي منذ أول يوم التقيت به في مراكش صاحب مجلة “الثقافة الجديدة”). قلت لدى بنيس، القابلية الذكية التي أبعدته عن نوع من الجمهور الذي يصفق لكل ما يقرأ عليه بمجانية تبعث على السخرية. هو بخلاف شعراء لهم باع بهذا المجال، بدءا من سعدي يوسف، أنسي الحاج، أدونيس، اللعبي… وغيرهم كثر، كان يعتبر التّحلقات، اماكن للتنوع والرهافة، يجب أن تنم عن متابعة وجدية في كل ما يصدر في الساحة الثقافية العربية وليس فقط المغربية، من إبداعات وتراجم، وما يعتمل فيها من أسئلة؟

أين نحن إذن من هذا الشاعر الذي لم يتنكر قط لمغربيته، الم يكن لصاحب “الشعر العربي الحديث” الحق في أن يرشح هو بالأحرى لجائزة نوبل في الشعر؟ عوضا عن بعض التائهين، بعاصمة الأنوار، بين ” الغونكور” و” كاتارى” وغيرها.

وقبل ان نختم، لمحمد بنيس مواقف إيجابية تعارك في سبيل إقرارها، بدءا من انخراطه المبكر في صفوف اليسار الجديد بالمغرب، وغير انتهاء بمواقفه في إطار “اتحاد كتاب المغرب” (يوم كان اتحادا)، على سبيل دمقرطة هذا الأخير، حتى يكون إطارا واضحا وحقيقيا لكل الكتاب والمبدعين المغاربة، بعيدا عن العشائرية والقبلية الحزبوية وغيرها. 

هامش لا بد منه:

في الكلام الآخر، كما قلنا سابقا، وفي معنى العلاقة التّعسفية للسياسي بالثقافي، يجب أن نذكر بدون مضاضة، أن محمد بنيس هو من كان وراء فكرة “اليوم الوطني للشعر” بالمغرب، بل و”اليوم العالمي للشعر” الذي تبنته منظمة اليونسكو بعد ذلك. أليس هو مؤسس بيت الشعر بالمغرب؟ على أي (ذكرني بهذا أحد الاصدقاء العزيزين على قلبي)، فما يهم هو أن محمد بنيس بعد العام 80 “سنة انعقاد مؤتمر اتحاد الكتاب بقاعة عبد الصمد الكنفاوي بحديقة الجامعة العربية (الدار البيضاء)، على ما أذكر”، وبعد صموده ضد الحصار الذي ضرب عليه وعلينا أيضا، وكان قائد الحصار هو الاتحادي محمد برادة، كان دشن لآلية واضحة جدا، مفادها افتراق السياسي عن الثقافي بالمرة بالمغرب. واحتفال هذا الأخير باستقلاليته التامة تحصينا للفكر المستقل وللإبداع الحصين.

لربما كانت هذه الآلية، وقد تمت الآن، بلا علم أفراد كان على لا وعيهم أن يكون مكبوتا كحال الغرض الذي تكبته. وهو الهيمنة على الثقافي بدون أي اقتدارغير تكريس فكر لاواعي وتحويل أداته إلى سيء مشيّء ريعي (أليس هذا هو حال اتحاد كتاب المغرب بعد أن تسلط عليه وعلى قيادته نفر سياسي من الدرجة الدنيا تنظيميا؟).

طبعا ومن دون مبالغة، كان لمحمد بنيس هذا السبق في تعرية هذا اللاوعي، وتعرية سياقاته كأصل، وأداة أفتقدت الشفافية أمام نفسها، بل كجزء من الأزمة التي يعاني منها المجتمع المغربي، أو بتعبير أصح، الكيان المغربي الاجتماعي لافراده، الذي يحتاج إلى عدم الشفافية، ليعيد ذاته المتأزمة، ويعيد إنتاجها.

“هدأت ريح الليل، لم يحن الموعد

الفجر، والشبح القمري لم يعد يؤثر في

المياه، العمارات، الاشجار

ضوء مختلط بعتمة الغرفة

التي يكاد يلاطفها ويصبغها قليل من النهار”.

محمد بنيس.

سيحين الموعد ولوطال الانتظار كريح الليل.

 

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد الله راكز

حقوقي وناشط سياسي