إشكالية الزعامة الحزبية: بعد لشكر.. بنعبد الله.. هل منيب في الأفق؟
إسماعيل طاهري
بانتخاب السيد الرفيق نبيل بنعبد الله لعهدة رابعة أمينا عاما لحزب التقدم والإشتراكية يتأكد بالملموس تكلس شرايين حزب علي يعتة وعدم قدرته على تجديد دمائه التنظيمية، رغم أنه يتواجد في الساحة السياسية لأكثر من ثمانين سنة.
فتواجده الطويل في الحكومة (1998-2019) وتحجيم دور التيارات بداخله، واستعمال كل وسائل الحزب وإعلامه ضدها يدفعها الى الضمور والاندثار(تيار لازلنا على الطريق الذي اندثر برحيل شمعون ليفي).
هذا السيناريو المؤلم تم التنظير والتهييء له مسبقا وعن سبق إصرار وترصد، ولسنوات وتم تجنيد المكتب السياسي وأعضاء من اللجنة المركزية لطرح هذا السيناريو باعتباره الأفق الوحيد المطروح أمام مؤتمر الحزب، وتم إقناع مختلف القواعد من طرف القيادات المتقاعدة مهنيا وسياسيا من الدرجة العليا والمتوسطة لخلق جو من الترهيب الداخلي على الا بديل للرفيق نبيل بنعبد الله في قيادة الحزب في المرحلة السياسية الحالية المتسمة بالغموض والضبابية.
وينطبق على ما حدث في المؤتمر 11 لحزب التقدم والاشتراكية هو نظرية “تغيير كل شيء لكي لا يتغير شيء”، كما قال محمد عابد الجابري عن سلوك دولة المخزن ومخزن الدولة في المغرب.
قد نتفهم العهدة الثالثة لنبيل بن عبد الله وتموقع الحزب داخل حكومة بنكيران والضربات التي تعرض لها، والتي كانت تهدف إلى اجتثاثه من الحياة السياسية (كما حدث مع شقيقه حزب التهامي الخياري)، ورأينا كيف تم استهدافه مباشرة في قضية الزلزال الذي نجم عن حراك الريف وتعثر مشاريع “برنامج الحسيمة جوهرة المتوسط”. والذي نتج عنه إقالة بنعبد الله ووزيري الثقافة (أمين الصبيحي) والصحة (الحسين الوردي) وبعد ذلك إقالة القيادي عبد الواحد سهيل من وزارة الشغل بطريقة غير مفهومة، ثم بعدها حل/إلغاء كتابة الدولة في الماء التي كانت تديرها قيادية الحزب شرفات أفيلال.. مما عجل بأسباب خروج التقدم والاشتراكية من حكومة العثماني في 2019. دون أن ننسى ترسبات بلاغ الديوان الملكي حول تصريحات بنعبد الله حول مؤسس حزب “البام” المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة عشية انتخابات 2016. وما نتج عنه من ارتفاع منسوب شعبية بنعبد الله داخل قواعد الحزب.
لا يعقل أن يذهب الزعيم نبيل بنعبد الله إلى المؤتمر الوطني 11 وهو يعي جيدا أنه لم يحضر بديلا عنه، وهذا من المهام الأخلاقية لكل زعيم حزب أو دولة أو حتى قبيلة أو جمعية.. الخ
أما أن يركز عمل مؤسسات الحزب بين يديه بتواطؤ مع “الأب” إسماعيل العلوي، ومجلس الرئاسة لخلق فراغ في القيادة واغتيال كل رموز الحزب وقياداته الميدانية في الأقاليم وتحويلهم إلى أتباع مفروض عليهم وفيهم أن ينتظموا كقطيع، وتحويل الحزب إلى آلة انتخابية على طريقة أحزاب الإدارة لتجنيد بارونات الأعيان علنا للسيطرة على تنظيمات الحزب عبر ترشيحهم خلال الانتخابات وتهميش المناضلين من طلبة وعمال ومدرسين وتجار صغار ومهنيي الطبقة الوسطى. بل ودعم بارونات الفساد على حسابهم بشكل مباشر في أغلب الأقاليم التنظيمية في سياق مسلسل تجربف المناضلين وحملهم على التقاعد السياسي أو الانتحار السياسي عبر الالتحاق بأحزاب الإدارة مباشرة والترشح باسمها.
السيناريو الأسوأ الذي سقط فيه حزب الراحل علي يعتة ينذر بزيادة منسوب الإحباط الذي يضرب في مقتل العمل السياسي في المغرب. وهذه جرعة أخرى في مسلسل قتل السياسة الذي ترعاه الدوائر الرسمية بعناية فائقة، وتجند له كل الوسائل المكشوفة والتي لم تعد تخفى على أحد، بل صارت سياسة عمومية ممنهجة.
بالأمس تم إعدام الاتحاد الاشتراكي بتنصيب إدريس لشكر على رأسه بطريقة غير ديمقراطية وقيادة ضعيفة. ولا يتورع معارضوه في وصفه بالزعيم “الضرورة” لأنه مسنود من خارج الحزب وقواعده.
وفي 2017 تم تنصيب نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال بالقوة (ذكر شباط لإذاعة “ميد راديو” أن مؤتمرين كانوا متمنطقين بالسلاح الناري داخل المؤتمر)، وبطريقة تطرح أكثر من علامة استفهام، لتأديب تيار حميد شباط الذي تجرأ ورفض خيار الانقلاب على الدستور في بلوكاج انتخابات 2016 . ورأينا كيف انتفض قياديي “فاس” لتنصيب البركة وإزاحة شباط.
وهناك تخوف من أن يتكرر الأمر مع الدكتورة الرفيقة نبيلة منيب على رأس الحزب الاشتراكي الموحد في المؤتمر الخامس الذي يجري التحضير له على نار هادئة. وفيروس “لا بديل في الأفق” ينخر ببطء “ترتيبات الذهن الجميل” (بلغة محمد حبيب طالب) لمختلف قياداته وقواعده وقد يتحول الى واقع معاش.
وبتحنيط حزب التقدم والاشتراكية بهذه الطريقة “العجيبة” التي تسيء حقيقة إلى تاريخه وتضحيات أجيال وأجيال من مناضليه في الدفاع عن الديمقراطية ودولة الحق والقانون. يفتح الباب مشرعا للحديث عن دورة سياسية أخرى تدخلها الأحزاب الوطنية والديمقراطية التقليدية في اتجاه الضعف وربما الإندثار من المشهد السياسي المغربي بعد أن تخلت عن مبادئها / أسباب وجودها..
هذا هو السؤال هنا والآن.