على هامش التعيينات الأخيرة لعضوية المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي
عبد الرحمان الغندور
رغم أني كرهت المزيد من الخوض في “خرابة” الشأن العام الوطني، لكن الفظاعة تستدعينا لاتخاذ موقفنا وتوضيح رؤيتنا، لأن الصمت في ملتنا حرام.
ابتعادا عن السقوط في التعاليق التي أسهبت في التنكيت على عمر رئيسه الذي يستدعي التقاعد المريح. لا سيما أن عمر السيد لحبيب المالكي (76 سنة) لا يزيد عن عمر السيد عمر عزيمان سوى بسنة واحدة (75سنة). وابتعادا عن سطحية الانفعال بالانهيارات الكبرى التي تعرفها منظومتنا التعليمية، والاختلالات الفظيعة التي عرفتها كل محاولات الإصلاح منذ 1956 مرورا بكل المخططات والمناظرات واللجان الوطنية والملكية التي انتهت إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي تطلب مخططا استعجاليا لانقاده، ثم الرؤيا الاستراتيجية وقانون الاطار لترميم أعطابه. بعيدا عن كل ما قلناه في وقته، وحذرنا منه في ابانه، لا يسعنا إلا أن نؤكد على أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين كمؤسسة دستورية استشارية، لم يعودنا منذ تنصيبه إلا على حقيقتين أساسيتين:
1- أنه لا يعدو أن يكون إلا مجلسا للاستماع والتداول والتسجيل والتوثيق والأرشفة، دون أن يكون له أي دور حقيقي في اصلاح أعطاب المنظومة التربوية التي تتفاقم يوما عن يوم، ودون أن يكون له أي تأثير على السياسات العمومية في ميدان التربية والتكوين والبحث العلمي. بل إن له توصيات سوداء في 2016، تدعو إلى التفكير الجدي في تمويل قطاع التعليم، عن طريق التقليص من مجانيته واعتماد ضرورة مساهمة الأسر في تكلفة التعليم الباهضة التي ترهق ميزانية الدولة، كما توصي بذلك المؤسسات المالية الدولية.
2- أما الحقيقة الثانية، فهي التكلفة الباهضة التي يتطلبها هذا المجلس الذي يفتقد المردودية والنجاعة والتأثير في إصلاح منظومتنا التربوية الغارقة في التدهورات المستمرة.
فالتعويضات الممنوحة لأعضائه، والتي ليس لها أي مقابل أو مردودية أو جدوى، كما يتطلب ذلك أي مصروف من ميزانية الدولة الذي يستدعي ضرورة تحقيق منفعة محددة من أية مصروفات ونفقات، كما هو الأمر في كل السياسات العمومية. وهذا ما يجعل هذه التعويضات المكلفة، ليست أكثر من ريع يضاف إلى كل أشكال الريع الأخرى التي تعتبر الجوهر المؤسس للسياسات العمومية.
وللمزيد من التوضيح حول هذا الاستهتار المجاني بمالية الدولة والمواطنين، دون مقابل أو مردودية، لا بد من الإشارة إلى أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يتكون علاوة على الرئيس الذي يعين من قبل الملك لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، من 100 عضوا موزعين كما يلي:
أ ) فئة الخبراء والمتخصصين: 20 عضوا يعينهم الملك من بين الشخصيات المشهود لها بالخبرة في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي.
ب ) فئة الأعضاء المعينين لصفتهم: 26 عضوا يمثلون الحكومة، المؤسسات الأكاديمية والعلمية، البرلمان ومؤسسات التربية والتكوين.
ج) فئة الأعضاء الممثلين للنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، والأطر التربوية والإدارية، وآباء وأمهات وأولياء التلاميذ، والمدرسين والطلبة والتلاميذ، والجماعات الترابية، وجمعيات المجتمع المدني والمقاولات والهيئات الممثلة للمؤسسات الخاصة للتعليم والتكوين الخاص، وعددهم 54.
ويحدد المرسوم رقم 810-14-2 الصادر في 24 مارس 2015،
التعويض الجزافي الخام الخاص بأعضاء مكتب المجلس في مبلغ 7142.86 درهم شهريا مستحقة عن الاجتماعات التي يحضرونها
كما يستفيد رؤساء اللجان الدائمة واللجان المؤقتة ومجموعات العمل الخاصة من تعويض قدره 3571.43 درهم عن كل يوم عمل.
ويستفيد مقررو اللجان الدائمة واللجان المؤقتة ومجموعات العمل الخاصة، من تعويض جزافي خام محدد في مبلغ 2857.14 درهم عن كل يوم عمل.
كما يستفيد أعضاء اللجان الدائمة واللجان المؤقتة ومجموعات العمل الخاصة من تعويض قدره 2142.86 درهم عن كل يوم عمل.
إلى جانب كل هذه التعويضات هناك التعويض الجزافي الخام الخاص بإنجاز التقارير التي يعدها عضو من أعضاء المجلس بطلب من مكتب المجلس، في حدود 14285.71 درهم كحد أدنى، و 57142.86 درهم كحد أقصى، حسب نوع العمل المنجز.
كما يستفيد أعضاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أثناء سفرهم في مأمورية من تعويض يومي قدره 2.500 درهم (ألفين وخمسمائة درهم) بالنسبة للمأموريات إلى الخارج و1.000 درهم (ألف درهم) بالنسبة للمأموريات داخل المغرب.
وتتحمل ميزانية المجلس مصاريف الإقامة بالنسبة للأعضاء الذين تبعد إقامتهم الرئيسية عن الرباط بأكثر من 50 كيلومتر بمناسبة حضورهم في أشغال المجلس، بمن فيهم الأعضاء المقيمين خارج المغرب. إضافة إلى مصاريف التنقل أو من التعويضات الكيلومترية حسب النصوص الجاري بها العمل. ويستفيد الأعضاء من النقل الجوي من الدرجة الاقتصادية داخل المغرب أو خارجه، باستثناء الحالات التي يقررها الرئيس للرحلات الطويلة.
لكل من يعرف علم الحساب، أن يستعمل علمه لتقدير كلفة مجلس سيقضي خمس سنوات قبل تجديده، وسيرهق ميزانية الدولة بملايير الدراهم، دون أن تعرف منظومة التربية والتكوين أي تغيير، ما عدا المزيد من التقهقر والتراجع والانهيار كما تؤكد ذلك كل المؤشرات، وكل الدراسات والتقييمات التي تقوم بها المؤسسات الوطنية والدولية.
إنها سياسة العبث وعبث السياسة، سواء كان عمر رئيس المجلس 76 سنة، أو أقل أو أكثر من ذلك. وليس هذا الموقف من باب العدمية أو التشاؤم، ولكنه الموقف الذي يمليه علينا متابعتنا وانخراطنا في الشأن التعليمي والتربوي طيلة أزيد من 60 سنة، كتلميذ وطالب وأستاذ ونقابي وعضو المجلس الإداري لأكاديمية جهوية وفاعل تربوي وجمعوي…إلى جانب التاريخ المعطوب لكل المحاولات الإصلاحية التي لم تخضع يوما لتطبيق مبدء الربط بين المسؤولية والمحاسبة.