معهد مونتين بين السلطة.. الرقابة والجنس
باريس- المعطي قبال
لو سمع الفيلسوف دو مونتين ( 1533-1592) ما يحدث في المعهد الذي يحمل اسمه لكان قد خرج من قبره. فبعد 22 سنة على تدشين هذه المؤسسة التي استلهمت روح المؤسسات الأنغلوساكسونية، فإنها توجد اليوم في مهب الريح.
أسس معهد دي مونتين الذي يقع مقره بالمقاطعة الثامنة الفاخرة بباريس في عام 2000 على يد أخصائيين وباحثين وأساتذة، موظفين ساميين، لهم حضور وازن في الحقل السياسي والاجتماعي والثقافي الفرنسي. وقد وجد الدعم المادي والرعاية من طرف كبرى الشركات الفرنسية. وتعتبر التقارير التي يعدها المعهد ذي الميولات الليبرالية، في المجال السياسي فاصلة لأنها توجه وتؤثر بشكل مباشر على توجهات أرباب العمل في اختيار هذا المرشح أو ذاك للرئاسة أو لمناصب سيادية.
منذ نشأته كان المعهد أحد المخاطبين الرئيسيين لساركوزي، هولاند ثم ماكرون. ويحدث أن «يزرع» الإيليزيه أحد عناصره ضمن تركيبة المعهد. إلى جانب التقارير ينشط المعهد في مجال نشر الأبحاث والدراسات والتقارير في مواضيع جيو-استراتيجية، اجتماعية، سياسية كما يقيم محاضرات وندوات يتتبعها كثير من المهتمين بهذه القضايا. على مستوى التقارير، قام المعهد بتغطية دقيقة ووافية لمشاكل الصحة، النقل، التعليم، الشباب، البيئة، النساء وغيرها من مواضيع الساعة.
ويحظى المغرب العربي وإفريقيا باهتمام المعهد حيث خصصت تقارير لآفاقهما السياسية والاقتصادية ولعلاقتهما بأوروبا. حكيم الكروي هو واحد من باحثي المعهد الأوفياء الذين يتدخلون من خلال تقارير ودراسات تهم الشأن الإسلامي، الهجرة، الضواحي، العلاقات الفرنسية المغاربية الخ. وقد نشر بهذه المناسبة أكثر من تقرير. في تقريره الأخير، الجاهز، عن الهجرة، يدافع حكيم الكروي، الذي أطلق عدة منصات للاستشارة بعد أن عمل ببنك روتشيلد، يدافع عن اندماج المغاربيين بفضل المجموعة بدل اندماجهم عن طريق المماثلة assimilation ، حصان طروادة سياسي مثل إيريك زمور، لكن هذه الوثيقة التي يبلغ عدد صفحاتها 324 صفحة مرشحة بأن لا ترى النور. ذلك أن إدارة المعهد عهدت لهنري دو كاستري، المقرب من فانسان بولوري ، الملياردير الذي يحتل الرتبة الرابعة عشرة في قائمة فوربس لميلياردي العالم، إذ تقدر ثروته ب 6،8 مليار يورو. تغطي هذه الثروة مجالات وقطاعات عديدة ومتنوعة: الصناعة، السيارات، ألعاب الفيديو، الموسيقى وقطاع الإعلام حيث يملك قناة كانال بلوس، سي نيوز، أوروب 1 ، باري ماتش الخ… ويصل عدد العاملين بمجموع هذه القطاعات 80 ألف عاملا. كان من المفروض أن تنشر هذه الدراسة في شهر سبتمبر الماضي بعنوان «الفرنسيون الجدد. إخفاقات صارخة وتفوقات صامتة»، لكن المدير الجديد، هنري دو كاسترو، الرئيس السابق لشركة أكسا، و المقرب من فانسان بولوري الذي له عين ساهرة على معهد مونتين، وضعها في قمطر إلى أجل غير مسمى. هذا مع العلم أنه أنفقت على الدراسة زهاء 100.000 يورو.
لكن بيت القصيد هي الأفكار التي يتبناها بولوري وليس المال. لأنه لا يرغب أن تمرر أفكار عن الهجرة والاندماج للأجانب وللمغاربيين على نحو خاص تعارض طروحاته وطروحات من معه. كما أن الأثرياء الذين يوفرون الرعاية السخية للمعهد لم يبالوا بالفضيحة التي تورط فيها مديرها السابق لوران بيغورن الذي قدم استقالته في 27 من فبراير من العام الماضي على خلفية تخديره بمادة الإيكستازي لإحدى مساعداته بعد أن دعاها إلى بيته لوجبة عشاء. بعد نقلها للمستشفى أجريت لها فحوصات وتحاليل طبية أكدت وجود مادة مخدرة في الدم. أعترف بيغورن في الأخير أنه تناول الكوكايين وأنه لم يكن على وعي بما فعله. أثرت هذه السقطة على سمعة المعهد أخلاقيا ومعنويا وطرحت علاقة السلطة بالجنس، بالمال والنفوذ. وهي ممارسات أصبحت من باديات وعاديات السلوك في فرنسا.
Visited 21 times, 1 visit(s) today