قربان تحت شجرة كريسماس
باريس- المعطي قبال
مع قرب أعياد ميلاد المسيح وعيد رأس السنة، استبدت حمى اقتناء الهديا بالفرنسيين، لتخليد هذان الحدثان اللذان يتزاوج فيهما الديني بالوثني. بالرغم من مباريات المونديال، لم يهجر الجمهور المحلات الكبرى والمتاجر التي تسجل يوميا مع اقتراب عيد الميلاد في 24 من ديسمبر زحمة متزايدة. هذا دون الحديث عن اقتناء الهدايا عبر الإنترنت والتي لجأ إليها 22,3 مليون فرنسي خلال العام الماضي. وتتربع هدايا الأطفال على رأس قائمة مشتريات الهدايا حيث تمثل سوقا تجارية ضخمة تضخ فيها الشركات المنتجة للألعاب وبالأخص الألعاب الالكترونية الجديد منها والقديم.تلي هدايا الأطفال، مقتنيات المراهقين والكبار المتمثلة في الأجهزة الالكترونية من هواتف ذكية، كومبيوترات، ألواح إلكترونية، أجهزة إنصات للموسيقى، وقد بدأ في الانتشار كهدية، روبوت المكنسة الكهربائية وروبوت غسل الأواني الخ…
يأتي إهداء الكتب في المرتبة الثالثة مع العلم أن الفرنسيين، الكبار منهم والصغار، يقيمون علاقة قداسة مع الكتاب الذي أصبح سلعة تطبق عليها نفس المعايير التي تطبق على أية بضاعة. في سوق الكتاب تتقاسم ثلاثة انواع من المنتوجات هذا السوق: روايات المانغا، الروايات المصورة والروايات الأدبية. تتدخل في هذه الجوقة وسائل الإعلام المرئي، المكتوب منها والمسموع لطرح قوائم كتبها المفضلة. من أسبوعية لوبوان إلى صحيفة لوموند مرورا بالإكسبريس، وبقية الجرائد اليومية، لكل أسماؤه من روايات، كتب فنية، حكايات مصورة. وثمة إجماع ضمن قوائم هؤلاء على اسم المخرج ورسام الكاريكاتير السوري الأصل رياض سطوف صاحب كتاب “عربي المستقبل” الذي أصدر مؤخرا في 24 من نوفمبر الجزء السادس من قصة طفولته وترحال عائلته بين أكثر من دولة. لذا تتربع هذه الرواية المصورة الساخرة على سوق المبيعات في فرنسا وفي الدول التي ترجمت إلى لغتها. هذا لا يعني طبعا أن هذه الكتب ذات قيمة أدبية أو فنية باهرة. فبعض منها لا يعدو كونه أدبا ورديا يفتقد إلى زخم الإبداع وكثافة التخييل.
كما أن بعضا من الكتب التي حققت مبيعات خيالية ما هي إلا نصائح سيكولوجية لنفوس حائرة وخائفة في زمن الأوبئة والأزمات المادية. ثم إن الخوف من المستقبل دفع بالكثير من الأشخاص إلى الاحتماء بنصوص هي عبارة عن ملاجئ واقية من التصدعات وهذا ما يفسر المبيعات الباهرة لكتاب «عالم بلا نهاية. معجزة طاقوية وانزلاق مناخي». والكتاب تضافرت فيه جهود رسام ساخر ، جان-مارك جونكوفيتشي، وكريستوف بلان، المتخصص في قضايا الطاقة. ويعتبر الكتاب الأكثر مبيعا لعام 2022. جاء في المرتبة الثانية كتاب «الكيلومتر صفر. درب السعادة» للكاتبة مود أنكاوا. وقد بيعت من الكتاب مليوني نسخة.
الخلاصة أن أغلبية القراء في فرنسا تقبل على الروايات والنصوص البسيطة وذات الوصفات العلاجية، طبيا ونفسيا. أكيد أن هناك قراء يميلون إلى الأدب المحبوك ويحتفون بروائييه مثل الإقبال الذي حظي به في مماته لوي فيرديناند سيلين، أو الاحتفاء الذي خص لمارسيل بروست أو لآني إيرنو، لكن هذا الجمهور يبقى عدديا جمهور رمزي مقارنة بالجمهور العريض الذي يستهلك بنهم نصوصا بائخة كما يستهلك ساندويش هامبورج بلا طعم ولا رائحة. ومع ذلك لا يتردد في إهداء أو تلقي مثل هذه الكتب التي توضع كقربان تحت شجرة الكريسماس.
Visited 5 times, 1 visit(s) today