فرنسا.. الإرهاب واليمين المتطرف

فرنسا.. الإرهاب واليمين المتطرف

مدريد – عبد العلي جدوبي

قال محللون سياسيون فرنسيون عبر وسائل الإعلام الفرنسية أن الهجمة الارهابية التي شهدتها باريس مؤخرا، والتي أودت بحياة ثلاثة مواطنين أكراد وجرح ثلاثة آخرين، أعطت الضوء الأخضر للمشرعين وللسلطات الأمنية بفرنسا لـ”ترتيب” قوانين جديدة، تهدف إلى محاصرة الظاهرة واجتثابها من جذورها، المسألة بدأت أمنية وأخدت تتحول إلى مشكلة وجودية، تبحث عن قوانين “مبتكرة” تشرع الحملات الأمنية، وتبرر الملاحقات وتصرفات الشرطة تحت سقف القضاء، وبالتالي تضييق الخناق على الجاليات المقيمة بفرنسا، وهذا يعني أن باريس قد تكون مقبلة على طور جديد في التعاطي مع المقيمين المجنسين منهم، وغير المجنسين مع “المختلف الآخر” في الهوية والدين واللغة والثقافة واللون، وهذا – حسب منظمات حقوقية – انتكاسة للديمقراطية وحقوق الإنسان..

وحسب التحقيقات الأولية في هجوم أحداث باريس، فإن الفرنسي المشتبه به في الهجوم الذي اسفر عن مقتل ثلاثة مواطنين أكراد، قال للمحققين أنه ارتكب جريمته لدوافع عنصرية!! ويبدو أن أكثر ما أثار غضب المتظاهرين هو رفض السلطات الفرنسية، إطلاق صفة “إرهاب”على الهجوم  !

والملاحظ أن التحفظ الذي سلكته باريس في اختيار الألفاظ التي توصف الحادث بعيدا عن سياق التهديد الصريح بالإرهاب، يظهر المفارقة  الواضحة مع أحداث سابقة، كانت باريس أسرع بكثير في التعامل معها بكل تفاصيلها، أما عندما يتعلق الأمر بمرتكب جريمة غير فرنسي، أو برعايا من أصول عربية أو مسلمة، نرى كيف ينساق، العرب والمسلمون كرهائن حسابات ضيقة لأغراض إيديولوجية أو حزبية !

إن الهجمات الارهابية  المتزايدة على الجاليات المقيمة بفرنسا، أصبحت تثير قلق الجميع لوحشيتها، ووقوف بعض الاحزاب اليمينية المتطرفة خلفها، بزرع بذور الكراهية ضد الأجانب .

وبالرغم من أن تصريحات المسؤولين في البلدان الاوروبية تبدو مطمئنة بعض الشيء، إلا أن الواقع ينطق عكس ذلك !

السؤال الذي يطرحه العديد من السياسيين الفرنسيين، هو كيف استطاعت أحزاب اليمين المتطرف الصعود  بشكل ملفت إلى المشهد السياسي في فرنسا، وأصبح لها حضورا قويا وفاعلا على كل المستويات والأصعدة، خلال زمن وجيز؟

أسباب عديدة تقف وراء هذا الصعود، أهمها: تنامي الشعور المناهض للمشروع الاوروبي في فرنسا، وأيضا الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة، بل والمتدهورة والتي يرجع سببها الفرنسيون إلى الدول الأوروبية نفسها على إثر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فضلا على هجرة شركات كبرى إلى الخارج، بعد تسريح آلاف العمال، كل هذه الأمور السلبية وغيرها، استغلتها الاحزاب اليمينية المتطرفة لصالح مناصريها، وبالتالي خلق ارتباك في المشهد السياسي، وتحميل السلطات والأجانب كل ما يحدث في البلاد!

في هذا الصدد، سجلت اللجنة الأوروبية لمحاربة العنصرية خروقات وتجاوزات خطيرة في السياسات الأوروبية العمومية في مجال احترام الأقليات، فدول الاتحاد الأوروبي عرفت خلال المدة الأخيرة ارتفاع حدة العنصرية المعادية للأجانب خلال السنة الحالية، مقارنة مع المدة الزمنية نفسها من السنة الماضية، وترى اللجنة الأوروبية، أن تنامي هذه الظاهرة تتزامن مع صعود اليمين القومي المتطرف بشكل ملفت .

إن الجدل الذي تثيره الأعمال الإرهابية – يقول موقع (ميديا بارت) – هو جدل قديم حول الحد الفاصل بين العمل الإرهابي والجريمة السياسية، إلا أن الاسلوب الذي تنفذ به الجريمة السياسية وما قد يرافقها من قسوة وعنف، هو الذي يبتعد بها عن دائرة الإجرام السياسي، ويضعها ضمن الأعمال الإرهابية..

حين سئل بطل رواية “الغريب” للأديب الفرنسي ألبير كامو عن الأسباب التي دفعت به إلى اغتيال مواطن جزائري، أجاب: “إنها ضربة الشمس”!!

Visited 3 times, 1 visit(s) today
شارك الموضوع

عبد العلي جدوبي

صحفي مغربي