ماريان وسموم الإثارة والاستفزاز
باريس – المعطي قبال
مشوار العلاقات بين فرنسا والمغرب موصد من الجانبين. إذ بعد مسلسل تصويت البرلمان الأوروبي ضد المغرب في 19 من يناير الماضي جاءت قضية الصحافي رشيد مباركي وتسخيره من طرف شركة إعلامية إسرائيلية متخصصة في تزييف الحقائق، لتلقي بضلال حالكة على سمعة المغرب هذا دون الحديث عن سمعة المافيا المغربية النشيطة في بلجيكا وهولندا والتي تحولت إلى مسلسل يعرض ابتداء من 17 فبراير القسم الثاني من حلقاته على قناة نيتفليكس.
اتخذت هذه الوقائع أحجاما وأبعادا غير متوقعة ركبت عليها عدة أطراف سياسية وإعلامية وسخرتها الجزائر لدعاية مضادة للمغرب. ليس غريبا ولا مفاجئا أن تتكيء أسبوعية ماريان ذات التوجه الشعبوي على هذه الأحداث لخلق مونتاج يعطي انطباعا بأن فرنسا أصبحت في قبضة المغرب بل بين مخالبه، على الأقل في ملفي الهجرة والحشيش!
لكن الواضح أن سياسة المغرب بخصوص هذين الملفين، تغيرت بشكل ملموس بحيث لا يخضع لأوامر أوروبا لردع المهاجرين وملاحقة المهربين. فسياسة الإقناع هي ما يعمل به المغرب اليوم وقد أظهرت هذه السياسة نتائج ملموسة. هناك بالكاد الملف الأسود لحرية التعبير والصحافة والمعتقلين، لكن أوروبا وتحديدا فرنسا لما تتحدث عن هذا الملف يجب أن تتحدث أيضا عما يقع بالجزائر وتونس حيث التعديات على الصحافيين أصبحت الخبز اليومي لمصالح الاستعلامات. ولنا في فضيحة الصحافية أميرة البوراوي أحسن مثال. وفي المضايقات التي تطال الصحافيين بتونس والتي دفعت بهم أمس الخميس إلى تنظيم وقفة احتجاج ومظاهرة بدعوة من النقابة الوطنية للصحافيين للتنديد بالخروقات التي تطالهم.
على أي نشرت أسبوعية ماريان ملفا مناهضا للمغرب في عنوان «كيف يتحكم المغرب فينا». وتبدو على صورة الغلاف يدا فرنسا مقيدتين بأصفاد. ومن بين المواضيع التي تناولها الملف: التجسس، اللوبيينغ، التسللات والاختراقات، البيبول، الحشيش والهجرة.
يشار إلى أن مجلة ماريان تحولت بفعل أموال رجل الأعمال التشيكي دانيال كريتينسكي إلى منبر رجعي شعبوي مناهض لكل ما هو أجنبي وبالأخص للمسلمين.
بدأت الصحافية فانيسا راتينييه التي وقعت المقال الافتتاحي بموضوع تصويت البرلمان الأوروبي ضد المغرب ودعوته إلى إطلاق سراح عمر الراضي، توفيق بوعشرين، وسليمان الريسوني، قبل أن تذكر بالقلق الذي أعرب عنه البرلمان الأوروبي إزاء «إرشاء المغرب لنواب في البرلمان الأوروبي». وتلاحظ أن هذا الوضع يتعارض مع ما صرح به سفير فرنسا بالمغرب كريستوف لوكورتييه لمجلة تيل كيل بقوله بأن «تصويت البرلمان الأوروبي لا يلزم بتاتا فرنسا».
وأكدت الصحافية بأن شكوك التدخلات اتجهت صوب المغرب وذلك بحسب تحقيقات الاستخبارات البلجيكية وبأن الملف يوجد اليوم بين يدي العدالة البلجيكية التي تحقق في قضية الرشوة. وتتساءل: إن كانت بلجيكا حريصة على المتابعة القضائية في هذا الملف، فإن فرنسا، التي يهمها الأمر في المقام الأول، لم تقم بشيء كما هو الشأن في ملف بيغاسوس.
بعدها تناولت الصحافية ملف الصحراء المغربية وذلك بعرض قضية نعمة أسفاري والإطناب في الحديث عن «شرعية الاستفتاء». لكنها تناست أن بلدانا أوروبية مثل إسبانيا، ألمانيا، توافق على الخطة المقترحة من طرف المغرب.
بعدها قفزت الصحافية إلى قضية رشيد مباركي معتبرة إياه بيدقا. وتابعت بأن المغرب يملك ورقتين للضغط على أوروبا: الهجرة والحشيش. وخلصت الصحافية إلى نتيجة أن قنوات المغرب بفرنسا بدات تشح.
سلسلة انتقادات يمكن أن نوجهها لهذا المقال: أولا الصحافية التي حررت المقال ليست على دراية بالسياسة المغاربية ولا بالعلاقات الفرنسية المغربية. لم تراجع تاريخ هذه العلاقات التي كانت إلى عهد قريب نموذجية. أعادت الصحافية، بل الطاقم الذي أشرف على الملف، تسخين معلومات ومعطيات علاها الغبار. لما نقرأ هذا المقال، نستنتج أن بقية المقالات غرفت من نفس المنهل المسموم. لذا فإن هذا الملف يسعى إلى خلق تشويش إعلامي لا غير بدل تمرير مصداقية تقوم على التحقيق، أي النزول إلى أرضية الميدان.
يلاحظ أن الموقعين لمقالات الملف، لم يزوروا المغرب بل كتبوا أوراقهم في المكاتب بالاعتماد على قصاصات وتصريحات قديمة. لذا فإن دخول مثل هذه المنابر التي تتغذى بالإثارة والاستفزاز من شأنه أن يعكر بل يسمم الأجواء ويغذي العداءات المجانية.
Visited 7 times, 1 visit(s) today