نظام الأسد ومصير المساعدات الإنسانية…
ريم ياسين
لا يزال موضوع إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق السورية المتضررة من الزلازل يحظى إعلاميا بنقاشات وأخذ ورد، لا سيما بعد الانتقادات التي وجهت للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية عالمية، مع تأخر وصول المساعدات إلى مناطق المعارضة السورية في شمال غرب البلاد، والتي تعاني أصلا نتيجة الحرب والقصف الروسي من الدمار وتهدم البنى التحتية وانعدام الخدمات الضرورية بسبب القصف، لتأتي الزلازل والهزات الارتدادية المتلاحقة لتزيد من المعاناة ويتسبب الإهمال الدولي في إيصال المساعدات، لا سيما آليات الإنقاذ في زيادة أعداد القتلى الضحايا.
ومن المعروف أن قاطني مناطق شمال غرب سوريا، التي ضربت بالزلازل نصفهم من النازحين، ومعظمهم يعتمد في عيشه اليومي على المساعدات الإنسانية التي تدخل عن طريق تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي، بموجب القرار الدولي 2672 ومن مناطق سيطرة النظام، ففي العام 2014، حين كان النزاع السوري على أشده، سمح مجلس الأمن الدولي بعبور مساعدات الأمم المتحدة إلى سوريا من دون الحصول على إذن من الحكومة عبر 4 نقاط حدودية، هي معبرا باب الهوى (شمال إدلب) وباب السلامة (شمال حلب) الحدوديان مع تركيا، واليعربية (أقصى الشرق- حدود العراق)، ومعبر الرمثا الحدودي مع الأردن (جنوب). لكنه ما لبث أن حصرها تدريجيا في معبر باب الهوى وحده، بضغوط من موسكو التي تسعى منذ سنوات لاختصار مساعدات الأمم المتحدة في تلك الواردة من مناطق سيطرة النظام.
مساعدات الأمم المتحدة تأخرت في الوصول 4 أيام من تاريخ وقوع الزلزال الأول، الذي ضرب المنطقة في 6 فبراير – شباط الجاري، وكانت عبارة عن معدات خيم مجهزة منذ ما قبل الزلزال وتكفي 5 آلاف شخص فقط، والسبب تضرر الطرقات والأضرار التي أصابت حتى طواقم الإغاثة في البلدين.
وهو أمر دفع بمنظمة الخوذ البيضاء التي تعمل في مناطق المعارضة السورية إلى وصف ما حصل بالجريمة، حتى أن منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث اعترف قائلا: “خذلت حتى الآن الناس شمال غربي سوريا”.
وبموجب القرار الدولي، لا تحتاج الأمم المتحدة لإذن من نظام دمشق لاستخدام معبر باب الهوى، لكنها تطلب موافقة دمشق من أجل استخدام معابر أخرى. وعليه طالبت الأمم المتحدة بفتح معبري باب السلامة والراعي الحدوديين مع تركيا أمام مساعداتها لمدة 3 أشهر، بعدما حصلت على موافقة النظام السوري، لكن المساعدات التي وصلت كانت لا تكفي حاجة، خصوصا مع تجدد موجة الهزات الكبيرة وتضرر أماكن جديدة.
مع حصول الزلزال، ظهر الرئيس بشار الأسد في موقع القوي، ولم يكن ممكنا تجاهله، فالحاجة إليه لإدخال المساعدات العربية والدولية ظهرت من خلال زيارات وتصاريح وانفتاح فاجأ المراقبين، حتى إنه زار عمان واستقبل وزراء خارجية من دول الخليج ووفود نيابية وشخصيات حزبية جعلته يطلق ابتسامات وهو يزور حلب هي عبارة عن ابتسامات منتصر على آلام السوريين، فهل كان بالامكان مساعدة السوريين من دون الإقدام على التعاون مع الأسد وتعويم نظامه المحاصر بالعقوبات الدولية.
بحسب متابعين فإنه كان بإمكان المنظمات الدولية الانسانية مساعدة السوريين في نكبة الزلازل في مناطق شمال غرب سوريا غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري وحلفائه من دون تقوية بشار الأسد، لو جرى التعامل مع المأساة بطريقة مختلفة، فهذه المنطقة مدمرة بالاصل نتيجة قصف الطيران الروسي الذي قضى على كل البنى التحتية والصحية، وجاءت كارثة الزلازل لتزيد المصيبة نتيجة حاجة السكان الكبيرة للبنى التحتية وعدم تامين المساعدة العاجلة للخوذ البيضاء واللاجئين الذين عانوا من حالة صعبة.
وتساءل السوريون عن معنى غياب التضامن الدولي في الأيام الاولى مع المناطق التي ضربت بالزلزال في 6 فبراير – شباط، وهل كان الأمر مشروعا بالنسبة للأمم المتحدة، مثل أن لا تتحرك على الفور لتقديم المساعدة المطلوبة، علما أن تحرك منظمات الأمم المتحدة للإغاثة والاتحاد الاوروبي والمنظمات الدولية تعمل عادة بسرعة كبيرة بهكذا كوارث. فهل أخاف الفيتو الروسي بإقفال معبر باب الهوى، الوحيد المفتوح بين تركيا ومناطق الشمال الغربي من سوريا، هؤلاء حتى ولو كان عبورا لمساعدات إنسانية لا تحتاج إلى مفاوضات في الأمم المتحدة، ولا إلى تردد في إيصالها بالوقت المناسب وعدم تأخيرها الذي أوصل بالنهاية إلى تزايد أعداد الضحايا وعدم القدرة على إنقاذ من كان بالإمكان إنقاذه.
أما عن المناطق التي ضربها الزلزال في مناطق النظام من جهة الساحل، وكذلك في حلب، فالمساعدة الإنسانية لم تتطلب اتصالات ديبلوماسية وسياسية، فهناك وكالات ومؤسسات لها مكاتب في دمشق، مثل منظمات الأمم المتحدة واليونسيف والصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، موجودين في دمشق وبإمكانهم التواصل للتنسيق.
ويعتبر المتابعون بأن النظام السوري حاول فرض شروطه والاستفادة من الكارثة لإعادة العلاقات على طبيعتها مع بعض الانظمة، وبروباغندا النظام تتحدث عن أن التقصير هو نتيجة العقوبات الدولية على سوريا لتبرير بطء العمل في تقديم المساعدات الإنسانية، وهذا شىء غير صحيح، فالعقوبات الاقتصادية لا تشمل ما هو صحي أو طبي أو غذائي”.
ويشيرون إلى أنه “قبل هذا الزلزال حصلت كوارث عدة قام بها النظام والحليف الروسي وبقيت دون حساب ولا جواب من الغرب، وليس جديدا على السوريين المعاناة المستمرة والمتزايدة في هذه الكارثة، فالموضوع لبس لبوسه السياسي، وهناك تحالفات وتراجع غربي من سوريا، لذلك المساعدة بطيئة، فليس هناك فهم لأهمية ما حدث وما شعر به السوريون اليوم هو كما الأمس انهم متروكون لمصيرهم”.
من وجهة نظر غربية، يرى مطلعون أنه “بدون موافقة النظام السوري من المستحيل تقديم مساعدات لمتضرري الزلازل في سوريا”، مذكرين بأن “المساعدات الانسانية الدولية مرت دائما عبر الحكومة السورية منذ بدايات الأزمة في سوريا وبدون الموافقة المسبقة من نظام الأسد كان من المستحيل كليا للدول ان تقدم اي مساعدة للسوريين، وكانت النقطة الوحيدة المسموح للمنظمات الدولية إدخال المساعدات عبرها هي معبر باب الهوا الموجود على الحدود السورية ـــ التركية، نتيجة إغلاق الممرات الإنسانية الموجودة في شمال البلاد منذ ديسمبر – كانون الاول 2014 بسبب الفيتو الروسي في مجلس الأمن، الذي يتعلق بتوسيع القرار الدولي لإتاحة المجال بإدخال المساعدات عبر 4 ممرات إنسانية، لكن موسكو لم تقبل إلا بممر واحد هو باب الهوى، فبقي مفتوحا للمساعدات الغربية. أما المنظمات الإنسانية فهي تستطيع أن ترسل عبر البلدان الحدودية لسوريا، مثل لبنان لأنها لا تخضع للعقوبات الدولية”.
وشددت على أهمية عقد اجتماع طارىء لمجلس الأمن في الأمم المتحدة بغاية فتح ممر ثانٍ غير باب الهوى، حتى تدخل المساعدات، وهو باب السلامة في منطقة عفرين بحلب شمال سوريا، وإقامة مستشفى طوارىء في أدلب، فهناك 11 ألف مواطن سوري مصاب، وأغلبية هؤلاء يعانون من كسور في أكثر من مكان في أجسادهم، كما أنه في هذه المنطقة لا توجد أي وسيلة صحية متخصصة، مثل غسل الكلى. كذلك يجب وقف عمليات القصف في أدلب، فبعد أسبوع من الهزة قامت حكومة بشار بغارات على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
ويوصف الوضع في شمال سوريا الحالي بـ “المأساوي باِمتياز وهو أسوا من أيام الحرب، وظروف الحياة تصعب يوما بعد يوم، وهناك بطالة، والوضع في لبنان أثر على العمال السوريين مع اختفاء الدولار، والبنى التحتية مدمرة. وهناك توسع كبير في تجارة المخدرات وانتشار عصاباتها. بالإضافة إلى وضع سياسي اقتصادي سىء وصعب.
وتشير ذات المصادر الغربية إلى أن المساحة التي طالتها الزلازل كبيرة جدا، وإذا أضفنا الدمار من الجهة التركية على الدمار الحاصل في الجهة السورية نستطيع أن نحصل على مساحة تشبه، أو نستطيع أن نقارنها في حجم ألمالنيا. كيف يمكن أن نفكر بأن تركيا تستطيع وحدها أن تحتوي المأساة السورية؟!
مساعدة البلدان الغربية مسألة أساسية، وهناك اجتماع بروكسل في 23 فبراير- شباط لمناقشة إعادة اعمار تركيا، ولكن ماذا سيحصل بالنسبة لسوريا؟!!!