انعكاس الاتفاق السعودي الإيراني على لبنان…
أحمد مطر
مما لا شك فيه، وعلى مستوى العلاقات الدولية، يمكن اعتبار الاتفاق الإيراني السعودي بالخرق الاستراتيجي.
لقد شكل هذا الاتفاق صدمة لم يستفق منها الداخل اللبناني بعد، نظراً لمفاجأة الجميع به، ونقل النقاش الداخلي إلى مكان آخر، وأغرق البلد بسيل من أسئلة لا أجوبة لها في الوقت الراهن، وحول كيفية إخراجه وإتمامه، أو حول ما سيليه على مستوى الدولتين، ربطاً بقرارهما إعادة إحياء العلاقات الثنائية بعد سنوات من القطيعة والصدام بينهما في أكثر من ساحة في المنطقة .
لا شك أن اتفاق بكين من شأنه أن ينعكس انفراجاً على الوضع المتأزم في لبنان، شرط أن يتوفر الحد الأدنى من التواصل بين الأطراف السياسية التي تحكم علاقاتها قطيعة مستغربة في العمل السياسي، وعجزها الواضح في التوصل إلى حل منشود، ويبدو أنه من المستبعد أن تصل موجات التفاؤل إلى لبنان قبل الانتهاء من معالجة الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بالنسبة لطرفي الاتفاق، ولاسيما التعاون المباشر في الميادين الأمنية والاقتصادية، ومن ثم الانتقال إلى معالجة القضايا الإقليمية الساخنة، وبالتحديد الحرب في اليمن، وتكريس الأمن والسلام فيه .
فمهلة الشهرين التي أعطاها اتفاق بكين نفسه للرياض وطهران، كي تمهدا الطريق أمام عودة سفيري البلدين وفتح السفارتين، ليست مجرد فسحة من الوقت لإنجاز الترتيبات اللوجستية عندهما، كي يباشر كل منهما تنفيذ الشق الدبلوماسي، بل هي أيضاً من أجل اختبار مدى تجاوبهما في اتخاذ الخطوات السياسية التي تساهم في تطبيع العلاقة، وبينها قضايا سياسية شائكة على الصعيد الإقليمي، أولاها في اليمن الذي تجري محادثات في جنيف وعُمان في شأنه حول تبادل السجناء والعودة إلى تمتين الهدنة الهشّة، التي يخرقها الحوثيون. ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود قال بعد الإعلان عن الاتفاق، إنه لا يعني حل كل الخلافات .
فمنذ الإعلان عن الاتفاق تحول البلد إلى مجموعة حلقات منكبة على قراءة الاتفاق وأبعاده، وتكاثرت السيناريوهات والتحليلات والقراءات، وبمجملها مجافية للواقع .
السمة الجامعة لتلك السيناريوهات والتحليلات والقراءات أنها اتت من خلف متاريس الاصطفاف السياسي وتضاربت في التقييم والتقدير، ونتاج للتمنيات لا أكثر .
فخصوم إيران قرأوا في الاتفاق تحجيما لدورها وحداً لنفوذها في لبنان، وأن حزب الله سيكون الضحية لهذا الاتفاق، وفي المقابل تبرز قراءة الطرف الآخر الذي رأى في الاتفاق تراجعاً سعودياً وإلزاماً لها بعدم التدخل في الملف الرئاسي، وكسر لأي فيتو على أي مرشح لرئاسة الجمهورية، ونكسة لأصدقائها في لبنان .
وفي هذا السياق يمكن للفرقاء اللبنانيين أن ينتظروا إلى الأبد حلاً لخلافاتهم إذا واصلوا سياستهم الراهنة واستمر القابضون على السلطة في تجاهل الأزمات وإدارتها بما يضمن مصالحهم، ويمكن للبنانيين أن يتوقعوا أياماً أسوأ إذا اعتقد أي فريق أنه سيكون قادراً على فرض مرشحه الرئاسي ومشروعه ورغبته في الهيمنة على الدولة، وهضم حقوق ومصالح الآخرين .
وحول السؤال عما إذا كان فك العقدة الرئاسية بيد السعودية وإيران، يقول بعض العقلاء إنه مما لاشك فيه أن موقع ودور كل من السعودية وإيران مهم ولكل منهما صداقات وحلفاء في لبنان، ولكن من الخطأ افتراض أنهما وحدهما المقرران لمصير الانتخابات الرئاسية في بنان، فهذا الأمر حصراً بيد اللبنانيين الذين يملكون وحدهم مفتاح الحل الرئاسي، والآخرين يشكلون عاملاً مساعداً. وفي هذ السياق يمكن القول، في انتظار اتضاح ما ينتظره فريقا اتفاق بكين خلال مهلة الشهرين، هناك حاجة للعودة إلى بعض البديهيات: بما أن الاتفاق الذي يجرى مبدئياً على قاعدة تنازلات من الفريقين على الصعيد الإقليمي، يفترض ترجمته في لبنان توافقاً، لا أرجحية لفريق على آخر فيه، والمسؤولية والموضوعية تقتضيان مقاربة الاتفاق بين السعودية وإيران كحدث كبير واستثنائي، جوهره حاجة البلدين إليه، نأمل أن يكون فاتحة لحقبة جديدة وتحولات إقليمية جذرية، وأن تتبدى ارتداداته بشكل إيجابي على أكثر من ساحة في المنطقة، ومن ضمنها لبنان.
ويبدو أن الشهرين المقبلين لن يكونا فترة اختبار لحسن النوايا الإيرانية لتنفيذ التعهدات الواردة في الاتفاق، كما كان يحدث في الاتفاقات السابقة وحسب، بل قد يشكلان فسحة أيضاً لاختبار ردود الفعل الأميركية على هذا الإنجاز الكبير الذي تحقق في بكين، وقَلَبَ معادلات استراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي، وأثار الكثير من الهواجس في واشنطن .
ختاماً، إذا استمر مناخ التفاهم الإقليمي السعودي، الإيراني بالتدحرج الإيجابي، فإن مناخ التوتر السني الشيعي الداخلي سيتراجع، وبالتالي يضعف دور العناصر والتفاهمات الطائفية الأخرى، التي كانت بمثابة بدل عن ضائع منذ العام 2005 حتى يومنا هذا. فهل ثمة من يقرأ هذه التطورات.